{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي : أنزل الله السماء بالماء بالمنهمر ، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة ، وأبعد ما يكون عن الماء ، تفجرت فالتقى الماء على أمر ، قد قدر .
{ قُلْنَا } لنوح : { احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } أي : من كل صنف من أصناف المخلوقات ، ذكر وأنثى ، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين ، فلأن السفينة لا تطيق حملها { وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } ممن كان كافرا ، كابنه الذي غرق .
{ وَمَنْ آمَنَ } { و } الحال أنه { مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ }
هذه مُواعدة من الله تعالى لنوح ، عليه السلام ، إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة ، والهَتَّان الذي لا يُقْلع ولا يَفتُر ، بل هو كما قال تعالى : { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } [ القمر : 11 - 14 ] .
وأما قوله : { وَفَارَ التَّنُّورُ } فعن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، أي : صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء ، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف .
وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : التنور : فَلَق الصبح ، وتنوير الفجر ، وهو ضياؤه وإشراقه .
وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس : عين بالهند . وعن قتادة : عين بالجزيرة ، يقال لها : عين الوردة .
فحينئذ أمر الله نوحا ، عليه السلام ، أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين - من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح ، قيل : وغيرها من النباتات - اثنين . ذكرا وأنثى ، فقيل : كان أول من أدخل من الطيور الدرة ، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ، فدخل إبليس متعلقًا بذنبه ، فدخل بيده{[14592]} ، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ، فجعل يقول له نوح : مالك ؟ ويحك . ادخل . فينهض ولا يقدر ، فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة .
وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد ، حتى ألقيت عليه الحمى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم . عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه : وكيف يطمئن أو : تطمئن - المواشي ومعها{[14593]} الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حُمَّى نزلت الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفُوَيسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا . فأوحى الله إلى الأسد ، فعطس ، فخرجت الهرة منه ، فتخبأت الفأرة منها{[14594]} .
وقوله : { وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي : " واحمل فيها أهلك ، وهم أهل بيته وقرابته " إلا من سبق عليه القول منهم ، ممن لم يؤمن بالله ، فكان منهم ابنه " يام " الذي انعزل وحده ، وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله .
وقوله : { وَمَنْ آمَنَ } أي : من قومك ، { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ } أي : نزر {[14595]}يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم{[14596]} نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه{[14597]} الثلاثة سام ، وحام ، ويافث ، وكنائِنِه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . وقيل : بل امرأةُ نوح كانت معهم في السفينة ، وهذا فيه نَظَرٌ ، بل الظاهر أنها هلكت ؛ لأنها كانت على دين قومها ، فأصابها ما أصابهم ، كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قَومها ، والله أعلم وأحكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.