تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ْ } أي : لا تجعلوا دعاء الرسول إياكم ودعائكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا ، فإذا دعاكم فأجيبوه وجوبا ، حتى إنه تجب إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حال الصلاة ، وليس أحد إذا قال قولا يجب على الأمة قبول قوله والعمل به ، إلا الرسول ، لعصمته ، وكوننا مخاطبين باتباعه ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ْ } وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا ، فلا تقولوا : " يا محمد " عند ندائكم ، أو " يا محمد بن عبد الله " كما يقول ذلك بعضكم لبعض ، بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره ، أن يقال : يا رسول الله ، يا نبي الله .

{ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ْ } لما مدح المؤمنين بالله ورسوله ، الذين إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان ، فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي ، وهو المراد بقوله : { يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ْ } أي : يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم بشيء يحجبهم عن العيون ، فالله يعلمهم ، وسيجازيهم على ذلك أتم الجزاء ، ولهذا توعدهم بقوله : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ْ } أي : يذهبون إلى بعض شئونهم عن أمر الله ورسوله ، فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شئونه ؟ " وإنما ترك أمر الله من دون شغل له . { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ْ } أي : شرك وشر { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ْ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

قال الضحاك ، عن ابن عباس : كانوا يقولون : يا محمد ، يا أبا القاسم ، فنهاهم الله عز وجل ، عن ذلك ، إعظامًا لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه{[21377]} قال : فقالوا : يا رسول الله ، يا نبي الله . وهكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جُبَير .

وقال قتادة : أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يُبَجَّل وأن يعظَّم وأن يسود .

وقال مقاتل [ بن حَيَّان ]{[21378]} في قوله : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } يقول : لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه : يا محمد ، ولا تقولوا : يا بن عبد الله ، ولكن شَرّفوه فقولوا : يا نبي الله ، يا رسول الله{[21379]} .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم في قوله : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } قال : أمرهم الله أن يشرِّفوه .

هذا قول . وهو الظاهر من السياق ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا } [ البقرة : 104 ] ، وقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } إلى قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } [ الحجرات : 2 - 5 ]

فهذا كله من باب الأدب [ في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته ]{[21380]} والقول الثاني في ذلك أن المعنى في : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } أي : لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره ، فإن دعاءه مستجاب ، فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا . حكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، والحسن البصري ، وعطية العَوفي ، والله{[21381]} أعلم .

وقوله : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } قال مقاتل بن حَيَّان : هم المنافقون ، كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة - ويعني بالحديث الخطبة - فيلوذون ببعض الصحابة - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - حتى يخرجوا من المسجد ، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبيّ صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة ، بعدما يأخذ في الخطبة ، وكان إذا أراد أحدهم الخروجَ أشارَ بإصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل ؛ لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، بطلتْ جُمعته .

قال السُّدِّي كانوا إذا كانوا معه في جماعة ، لاذ بعضهم ببعض ، حتى يتغيبوا عنه ، فلا يراهم .

وقال قتادة في قوله : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } ، يعني : لواذا [ عن نبي الله وعن كتابه .

وقال سفيان : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } قال : من الصف . وقال مجاهد في الآية : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا } ] {[21382]} قال : خلافًا .

وقوله : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبيله هو{[21383]}

ومنهاجه وطريقته [ وسنته ]{[21384]} وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قُبِل ، وما خالفه فهو مَرْدُود على قائله وفاعله ، كائنا ما كان ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عَمَلا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ " {[21385]} .

أي : فليحذر وليخْشَ من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } أي : في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ، { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : في الدنيا ، بقتل ، أو حَد ، أو حبس ، أو نحو ذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدَّثنا أبو هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا ، فلما أضاءت ما حولها{[21386]} . جعل الفراش وهذه الدواب اللاتي [ يقعن في النار ]{[21387]} يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحَّمن فيها " . قال : " فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزِكم عن النار هلم عن النار ، فتغلبوني وتقتحمون فيها " . أخرجاه من حديث عبد الرزاق{[21388]}


[21377]:- في ف ، أ : "صلى الله عليه وسلم".
[21378]:- زيادة من ف ، أ.
[21379]:- في ف : "يا رسول الله ، يا نبي الله".
[21380]:- زيادة من ف ، أ.
[21381]:- في ف ، أ : "فالله".
[21382]:- زيادة من ف ، أ.
[21383]:- في ف : "وهو سبيله".
[21384]:- زيادة من ف ، أ.
[21385]:- صحيح البخاري برقم (2697) وصحيح مسلم برقم (1718).
[21386]:- في ف ، أ : "حوله".
[21387]:- زيادة من ف ، أ ، والمسند.
[21388]:- المسند (2/312) ومسلم برقم (2284) وليس عند البخاري من هذا الطريق.