{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها : أي لا تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة ، أو الرجوع بغير استئذان ، أو رفع الصوت . وقال سعيد بن جبير ومجاهد المعنى : قولوا : يا رسول الله في رفق ولين ، ولا تقولوا يا محمد بتجهم .
وقال قتادة : أمرهم أن يشرّفوه ويفخموه . وقيل المعنى : لا تتعرّضوا لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه ، فإن دعوته موجبة { قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } التسلل : الخروج في خفية ، يقال : تسلل فلان من بين أصحابه : إذا خرج من بينهم ، واللواذ من الملاوذة ، وهو : أن تستتر بشيء مخافة من يراك ، وأصله أن يلوذ هذا بذاك ، وذاك بهذا ، واللوذ ما يطيف بالجبل ، وقيل : اللواذ : الزوغان من شيء إلى شيء في خفية . وانتصاب لواذاً على الحال : أي متلاوذين يلوذ بعضهم ببعض ، وينضمّ إليه ، وقيل : هو منتصب على المصدرية لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أي يلوذون لواذاً . وقرأ زيد بن قطيب : { لواذا }ً بفتح اللام . وفي الآية بيان ما كان يقع من المنافقين ، فإنهم كانوا يتسللون عن صلاة الجمعة متلاوذين يضم بعضهم إلى بعض استتاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يوم الجمعة أثقل يوم على المنافقين لما يرون من الاجتماع للصلاة ، والخطبة ، فكانوا يفرّون عن الحضور ، ويتسللون في خفية ، ويستتر بعضهم ببعض ، وينضم إليه . وقيل : اللواذ : الفرار من الجهاد ، وبه قال الحسن ، ومنه قول حسان :
وقريش تلوذ منكم لواذا *** لم تحافظ وخفّ منها الحلوم
{ فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها : أي يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم بترك العمل بمقتضاه ، وعديّ فعل المخالفة بعن مع كونه متعدّياً بنفسه لتضمينه معنى الإعراض أو الصدّ ، وقيل : الضمير لله سبحانه لأنه الآمر بالحقيقة ، و{ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } مفعول يحذر ، وفاعله الموصول . والمعنى : فليحذر المخالفون عن أمر الله ، أو أمر رسوله ، أو أمرهما جميعاً إصابة فتنة لهم { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الآخرة ؛ كما أن الفتنة التي حذرهم من إصابتها لهم هي في الدنيا ، وكلمة أو لمنع الخلوّ . قال القرطبي : احتجّ الفقهاء على أن الأمر للوجوب بهذه الآية ، ووجه ذلك أن الله سبحانه قد حذر من مخالفة أمره ، وتوعد بالعقاب عليها بقوله : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } الآية ، فيجب امتثال أمره ، وتحرم مخالفته ، والفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن ، وقيل هي القتل ، وقيل الزلازل ، وقيل تسلط سلطان جائر عليهم ، وقيل : الطبع على قلوبهم . قال أبو عبيدة والأخفش : عن في هذا الموضع زائدة . وقال الخليل ، وسيبويه : ليست بزائدة ، بل هي بمعنى بعد ، كقوله : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ } [ الكهف : 50 ] أي بعد أمر ربه ، والأولى ما ذكرناه من التضمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.