غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

51

ثم حثهم على طاعة رسوله بقوله { لا تجعلوا دعاء الرسول } أي لا تقيسوا دعاءه إياكم لخطب جليل على دعاء بعضكم بعضاً ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي ، وذلك أن أمره فرض لازم وأمر غيره ليس بفرض ، وإنما هو أدب مستحن رعايته مع الأئمة والمتقدمين . هذا ما عليه الأكثرون منهم المبرد والقفال ، وعن سعيد بن جبير : لا تنادوه باسمه ولا تقولوا " يا محمد " ولكن " يا نبي الله ويا رسول الله " مع التوقير والتعظيم والصوت المنخفض . وقيل : أراد احذروا دعاء الرسول ربه عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره . والتسلل الانسلال والذهاب على سبيل التدرج ، واللواذ الملاوذة وهو أن يكون هذا بذاك وذاك بهذا . وانتصابه على الحال والحاصل أنهم يتسللون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة وهو استتار بعضهم ببعض . وقيل : كان يلوذ من لم يؤذن له بالذي أذن له فينطلق معه . قال مقاتل : هذا في الخطبة . وقال مجاهد : في صف القتال . وقال ابن قتيبة : نزلت في حفر الخندق وكان قوم يتسللون بغير إذن . ومعنى { قد يعلم } يكثر العلم والمبالغة فيه كما مر في " البقرة " في قوله { قد نرى تقلب وجهك } [ البقرة : 144 ] يقال : خالفته عن القتال أي جبنت عنه وأقدم هو وخالفته إلى القتال أي أقدمت ، وجبن هو الفتنة المحنة في الدنيا كالقتل أو الزلازل ، وسائر الأهوال والعذاب الأليم هو عذاب النار . وعن جعفر بن محمد عليه السلام : الفتنة أن يسلط عليهم سلطان جائر . وقال الأصوليون : في الآية دلالة على أن ظاهر الأمر للوجوب لأن تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر فإن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه والموافقة ضد المخالفة ، فإذا أخل بمقتضاه كان مخالفاً والمخالف مستحق للعقاب بالآية ، ولا نعني بالوجوب إلا هذا . واعترض عليه بأن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه على الوجه الذي يقتضيه الأمر ، فإن الأمر لو اقتضاه على سبيل الندب وأنت تأتي على سبيل الوجوب كان ذلك مخالفة الأمر . ومنع من أن المندوب مأمور به فإن هذا أول المسألة ، والظاهر أن الضمير في أمره للرسول ولو كان لله لم يضر لأنه لا فرق بين أمر الله وأمر رسوله ، وأمر الرسول متناول عند بعضهم للقول والفعل والطريقة كما يقال " أمر فلان مستقيم " وعلى هذا فكل ما فعله الرسول فإنه يكون واجباً علينا .

/خ64