بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

ثم قال عز وجل : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ } يعني : لا تدعوا محمداً باسمه صلى الله عليه وسلم { كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } ولكن وقِّروه وعظموه ، وقولوا : يا رسول الله ، ويا نبي الله ، ويا أبا القاسم .

وفي الآية بيان توقير معلم الخير ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الخير ، فأمر الله عز وجل بتوقيره وتعظيمه ، وفيه معرفة حق الأستاذ ، وفيه معرفة أهل الفضل .

ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل : { قَدْ يَعْلَمُ الله } يعني : يرى الله { الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ } يعني : يخرجون من المسجد { لِوَاذاً } يلوذ بعضهم ببعض ، وذلك أن المنافقين كان يشقُّ عليهم المقام هناك يوم الجمعة وغيره ، فيتسللون من بين القوم ، ويلوذ الرجل بالرجل ، أو بالسارية لئِلاَّ يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من المسجد .

يقال : لاذ يلوذ إذا عاذ وامتنع بشيء . ويقال : معنى ( لِوَاذاً ) هنا من الخلاف ، يعني : يخالفون خلافاً ، فخوفهم الله تعالى عقوبته فقال : { فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ } يعني : عن أمر الله تعالى . ويقال : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقال : عن : زيادة في الكلام للصلة . ومعناه : يخالفون أمره إلى غير ما أمرهم به { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } يعني : الكفر ، لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب ، فمن تركه على وجه الجحود كفر . ويقال : فتنة ، يعني : بلية في الدنيا . ويقال : فساد في القلب . ويقال : { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني : يصيبهم عذاب عظيم في الآخرة . ويقال : القتل بالسيف . ويقال : يجعل حلاوة الكفر في قلبه . وقوله : { أَوْ } على معنى الإبهام ، لا على وجه الشك والتخيير .