ولما أظهرت هذه السورة بعمومها ، وهذه الآيات بخصوصها من شرف الرسول ما أبهر العقول صرح بتفخيم شأنه وتعظيم مقامه بقوله تعالى : { لا تجعلوا } أي : يا أيها الذين آمنوا { دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } قال سعيد بن جبير وجماعة : معناه : لا تنادوه باسمه فتقولوا : يا محمد ، ولا بكنيته فتقولوا : يا أبا القاسم ، بل نادوه وخاطبوه بالتوقير ، فقولوا : يا رسول الله يا نبي الله ، وعلى هذا يكون المصدر مضافاً لمفعوله ، وقال المبرد والقفال : لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم لبعض ، فتتباطؤون عنه كما يتباطأ بعضكم عن بعض إذا دعاه لأمر بل يجب عليكم المبادرة لأمره ، ويؤيده قوله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } [ النور ، 63 ] ، وعلى هذا يكون المصدر مضافاً للفاعل ، وقال ابن عباس : احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه ، فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره ، وروي عنه أيضاً : لا ترفعوا أصواتكم في دعائه ، وهو المراد من قوله : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } [ الحجرات ، 3 ] ، وقول المبرد كما قال ابن عادل : أقرب إلى نظم الآية .
ولما كان بعضهم يظهر الموافقة ويبطن المخالفة حذر من ذلك بقوله تعالى : { قد يعلم الله } أي : الذي لا تخفى عليه خافية { الذين يتسللون منكم } أي : ينسلون قليلاً قليلاً ليجعلوا ذهابهم في غاية الخفاء ، ونظير تسلل تدرج وتدخل ، وقوله تعالى : { لواذاً } حال أي : ملاوذين ، واللواذ والملاوذة التستر يقال : لاذ فلان بكذا إذا استتر به ، وقال ابن عباس : أي : يلوذ بعضهم ببعض ، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة لا سيما في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار ، وقد للتحقيق وتسبب عن علمه تعالى قوله تعالى : { فليحذر } أي : يوقع الحذر { الذين يخالفون عن أمره } أي : يعرضون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصرفون عنه بغير إذنه ، وقال أبو بكر الرازي : الضمير في أمره لله ؛ لأنه يليه ، وقال الجلال المحلي : أي : الله ورسوله وكلٌ صحيح ، فإن مخالفة أمر أحدهما مخالفة أمر الآخر { أن } أي : لئلا { تصيبهم فتنة } قال مجاهد : بلاء في الدنيا ، وعن ابن عباس : فتنة قتل ، وعن عطاء : زلازل وأهوال ، وعن جعفر بن محمد : يسلط الله عليهم سلطاناً جائراً { أو يصيبهم عذاب أليم } أي : وجيع في الآخرة .
تنبيه : الآية تدل على أن الأمر للوجوب ؛ لأن تارك الأمور مخالف للأمر ، ومخالف الأمر يستحق العذاب ، ولا معنى للوجوب إلا ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.