الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

ثم قال تعالى يخاطب المؤمنين : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }{[49353]}[ 61 ] ، أي{[49354]} : اتقوا دعاء الرسول عليكم إن مضيتم بغير أمره ، فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه عليكم كدعاء بعضكم على بعض ، فإن{[49355]} دعاءه مجاب . قاله ابن عباس{[49356]} .

وقال{[49357]} مجاهد : أمروا أن يدعوا الرسول بلين وتواضع ، ولا يدعوه بغلظ وجفاء ، كما يخاطب بعضكم بعضا . وهذا مثل قوله : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا{[49358]} له بالقول كجهر بعضكم }{[49359]} .

وقال{[49360]} قتادة : أمروا أن يفخموه ويشرفوه ، وقول{[49361]} ابن عباس : أليق بما تقدم قبله من المعنى .

ثم قال تعالى : {[49362]} { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا }[ 61 ] ، الآية ، هذه الآية نزلت{[49363]} في حفر الخندق{[49364]} حول المدينة{[49365]} ، وذلك أن اليهود سعت{[49366]} في البلاد على حرب النبي صلى الله عليه وسلم{[49367]} ، فأتت{[49368]} قريش{[49369]} وقائدها أبو سفيان{[49370]} ، وأتت غطفان{[49371]} من قيس وقائدها عيينة بن حصن{[49372]} ، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب الخندق على المدينة ، وذلك في شوال من{[49373]} سنة خمس من الهجرة فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق بيده ، وعمل معه المسلمون ، وتخلف عن العمل رجال من المنافقين ، وجعلوا يعتذرون بالضعف ويتسللون إلى أهليهم بغير إذن من{[49374]} رسول الله وجعل المؤمنون يستأذنون النبي عليه{[49375]} السلام إذا عرضت لهم حاجة ، فأنزل الله هذه الآية في ذلك .

قال{[49376]} الضحاك : كان يستتر بعضهم ببعض فيقومون . ولواذا{[49377]} مصدر لاوذ ويجوز أن يكون في موضع الحال{[49378]} ، أي متلاوذين أي مخالفين ، يلوذ بعضهم ببعض ، فيستتر به لئلا يرى عند انصرافه .

قال{[49379]} مجاهد : لواذا ، كما اعتل قياما ، لأن الواو صحت في الفعل ، فقيل لاوذ يُلاوذ فصحت في المصدر{[49380]} واعتلت في الفعل من قيام ، فقيل{[49381]} : قام يقوم فوجب أن يعتل في المصدر ، فقيل : من أجل ذلك قياما فما عرفه .

ثم قال : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة }[ 61 ] ، أي ليحذر من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصيبه فتنة وهي{[49382]} : أن يطبع على قلبه{[49383]} فلا يؤمن ، أي يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه .

قال{[49384]} ابن زيد : هؤلاء المنافقون الذين يرجعون بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال اللواذ : الروغان ، ثم قال : { أو يصيبهم عذاب أليم }[ 61 ] ، أي في الدنيا على صنعهم ذلك .

وقال{[49385]} أبو عبيدة{[49386]} : " عن " هنا زائدة{[49387]} . وذلك بعيد ، على مذهب سيبويه ، وغيره لأن " عن " و " على " لا تزادان{[49388]} . ومعناه يخالفون بعدما أمرهم النبي عليه السلام{[49389]} .

وقال{[49390]} الطبري : المعنى : فليحذر الذين يولون{[49391]} عن أمره ويدبرون عنه معرضين .


[49353]:ز: "بعضاكم" وهو تحريف.
[49354]:من "أي اتقوا... عن بعض" سقطت من ز.
[49355]:ز: بأن.
[49356]:انظر: ابن جرير 18/177، وأحكام القرآن للجصاص3/337، والكشاف 3/79، وأحكام القرآن لابن العربي3/1411، وزاد المسير 6/68، والرازي 24/40، والقرطبي 12/322، والخازن 5/92، والتسهيل 3/158، والبحر6/476، وابن كثير 5/131، ومجمع البيان 18/81، والدر المنثور18/231، وأبو السعود 4/115، وفتح القدير 4/58 وروح المعاني 18/225.
[49357]:انظر: ابن جرير 18/177، وأحكام القرآن للجصاص 3/337، وأحكام القرآن للكيا الهراسي4/302، والكشاف 3/79، وزاد المسير 6/68، والقرطبي 12/322، وابن كثير 5/130، ومجمع البيان18/81، والدر المنثور18/231، وفتح القدير4/58.
[49358]:من "ولا تجهروا لبعض" سقطت من ز وبعده "وقوله: "لبعض".
[49359]:الحجرات: 2.
[49360]:انظر: ابن جرير 18/177، والقرطبي 12/322، ومجمع البيان 18/81، والدر المنثور 18/231، وفتح القدير 4/58.
[49361]:ز: وقوله.
[49362]:"تعالى" سقطت من ز.
[49363]:انظر: زاد المسير 6/69.
[49364]:هو الخندق المحفور حول المدينة: محلة كبيرة بجرجان، وقد نسب إليها قوم، منهم أبو تميم كامل ابن إبراهيم الخندقي الجرجاني. انظر: معجم البلدان 2/392.
[49365]:هي مدينة يثرب، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم: معجم البلدان 5/82.
[49366]:ز: "سمعت" تحريف.
[49367]:ز: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[49368]:ز: وأتت.
[49369]:هي قبيلة عظيمة اختلف في تسميتها ونسبتها، فقالوا: قريش من القرش وهو الكسب والجمع، وقالوا: التقريش التفتيش، فكان يقرش (أي فهر بن مالك، عن خلة كل ذي خلة، فيسدها بفضله، فمن كان محتاجا أغناه، ومن كان عاريا كساه، ومن كان طريدا أواه، ومن كان خائفا حماه، ومن كان ضالا هداه. وقالوا: سميت بقريش بن مخلد ابن غالب بن فهر، وكان صاحب عيرهم، فكانوا يقولون: عير قريش، وخرجت عير قريش. وقيل: الصحيح أنها سميت لاجتماعها من قولهم فلان يتقرش مال فلان أي يجمعه شيئا إلى شيء. انظر: معجم قبائل العرب 3/947-948.
[49370]:هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف: صحابي من سادات قريش في الجاهلية. وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية. ولد سنة 57 ق.هـ وتوفي بالمدينة وقيل بالشام سنة 31هـ. انظر: الأغاني 6/89، وابن عساكر 6/338، والأعلام 3/288.
[49371]:غطفان بن سعد: بطن عظيم، متسع كثيرا الشعوب، والأفخاذ، من قيس بن عيلان من العدنانية، وهم بنو غطفان بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، انظر: معجم قبائل العرب 3/888.
[49372]:انظر: العبر 1/11.
[49373]:ز: في.
[49374]:"من" سقطت من ز.
[49375]:"عليه السلام" سقطت من ز.
[49376]:انظر: ابن جرير 18/178.
[49377]:انظر: اللسان 3/507 مادة: لوذ.
[49378]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 3/149، والمشكل 2/518، وإملاء ما من به الرحمن 2/160، وإعراب القرآن للدرويش 6/661.
[49379]:انظر: ابن جرير 18/178، والدر المنثور18/232.
[49380]:"في المصدر" سقطت من ز.
[49381]:انظر: تاج العروس 9/35، مادة: قوم.
[49382]:"وهي" سقطت من ز.
[49383]:ز: عليه.
[49384]:انظر: ابن جرير 18/178.
[49385]:ز: "وقالوا".
[49386]:انظر: مجاز القرآن2/69.
[49387]:ز: زئدة.
[49388]:ز: لا يردان.
[49389]:ز: صلى الله عليه وسلم.
[49390]:انظر: ابن جرير 18/178.
[49391]:ابن جرير "يلوذون" انظر: 18/178.