الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)

إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تفرقوا عنه إلاّ بإذنه ، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي ، أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضاً ، ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه ، ولا تقولوا : يا محمد ، ولكن : يا نبي الله ، ويا رسول الله ، مع التوقير [ و ] التعظيم والصوت المخفوض والتواضع . ويحتمل : لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم وكبيركم وفقيركم وغنيكم ، يسأله حاجة فربما أجابه وربما ردّه ، فإن دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة مستجابة { يَتَسَلَّلُونَ } ينسلون قليلاً قليلاً . ونظير «تسلل » : «تدرّج وتدخل » : واللواذ : الملاوذة ، وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا ، يعني : ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض . و { لِوَاذاً } حال ، أي : ملاوذين ، وقيل : كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيأذن له ، فينطلق الذي لم يؤذن له معه . وقرىء : «لواذاً » بالفتح [ فَلْيَحْذَرِ الذن يخالفون عَنْ أَمْرِهِ ] . يقال : خالفه إلى الأمر ، إذا ذهب إليه دونه ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكم عَنْهُ } [ هود : 88 ] وخالفه عن الأمر : إذا صد عنه دونه . ومعنى { الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ } الذين يصدّون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون ، فحذف المفعول لأنّ الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه . الضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول صلى الله عليه وسلم . والمعنى : عن طاعته ودينه { فِتْنَةً } محنة في الدنيا { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : فتنة قتل . وعن عطاء : زلازل وأهوال . وعن جعفر بن محمد : يسلط عليهم سلطان جائر .