تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

ثم أخبر أنه لا يغني حذر عن قدر ، وأن القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئًا ، فقال : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ } أي : في أي زمان وأي مكان . { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } أي : قصور منيعة ومنازل رفيعة ، وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه ، وتارة بالترهيب من عقوبة تركه ، وتارة بالإخبار أنه لا ينفع القاعدين قعودُهم ، وتارة بتسهيل الطريق في ذلك وقصرها

ثم قال : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }

يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل ، المعارضين لهم أنهم إذا جاءتهم حسنة أي : خصب وكثرة أموال ، وتوفر أولاد وصحة ، قالوا : { هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وأنهم إن أصابتهم سيئة أي : جدب وفقر ، ومرض وموت أولاد وأحباب قالوا : { هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } أي : بسبب ما جئتنا به يا محمد ، تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل الله ، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ }

وقال قوم صالح : { قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ }

وقال قوم ياسين لرسلهم : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } الآية . فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم . وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم .

قال الله في جوابهم : { قُلْ كُلٌّ } أي : من الحسنة والسيئة والخير والشر . { مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } أي : بقضائه وقدره وخلقه . { فَمَا لهَؤُلَاءِ الْقَوْم } أي : الصادر منهم تلك المقالة الباطلة . { لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } أي : لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه ، أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا ، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله ، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم .

وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله ، والحث على ذلك ، وعلى الأسباب المعينة على ذلك ، من الإقبال على كلامهما وتدبره ، وسلوك الطرق الموصلة إليه . فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره ، لا يخرج منها شيء عن ذلك .

وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث ، هم ولا ما جاءوا به لأنهم بعثوا بصلاح الدنيا والآخرة والدين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

71

هنا تجيء اللمسة الأخرى . اللمسة التي تصحح التصور عن حقيقة الموت والحياة ، والأجل والقدر ؛ وعلاقة هذا كله بتكليف القتال ، الذي جزعوا له هذا الجزع ، وخشوا الناس فيه هذه الخشية !

( أينما تكونوا يدرككم الموت ، ولو كنتم في بروج مشيدة ) . .

فالموت حتم في موعده المقدر . ولا علاقة له بالحرب والسلم . ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد أو قلة حصانته . ولا يؤخره أن يؤخر عنهم تكليف القتال إذن ؛ ولا هذا التكليف والتعرض للناس في الجهاد يعجله عن موعده . .

هذا أمر وذاك أمر ؛ ولا علاقة بينهما . . إنما العلاقة هناك بين الموت والأجل . بين الموعد الذي قدره الله وحلول ذلك الموعد . . وليست هنالك علاقة أخرى . . ولا معنى إذن لتمني تأجيل القتال . ولا معنى إذن لخشية الناس في قتال أو في غير قتال !

وبهذه اللمسة الثانية يعالج المنهج القرآني كل ما يهجس في الخاطر عن هذا الأمر ؛ وكل ما ينشئه التصور المضطرب من خوف ومن ذعر . .

إنه ليس معنى هذا ألا يأخذ الإنسان حذره وحيطته وكل ما يدخل في طوقه من استعداد وأهبه ووقاية . . فقد سبق أن أمرهم الله بأخذ الحذر . وفي مواضع أخرى أمرهم بالاحتياط في صلاة الخوف . وفي سور أخرى أمرهم باستكمال العدة والأهبة . . ولكن هذا كله شيء ، وتعليق الموت والأجل به شيء آخر . . إن أخذ الحذر واستكمال العدة أمر يجب أن يطاع ، وله حكمته الظاهرة والخفية ، ووراءه تدبير الله . . وإن التصور الصحيح لحقيقة العلاقة بين الموت والأجل المضروب - رغم كل استعداد واحتياط - أمر آخر يجب أن يطاع ؛ وله حكمته الظاهرة والخفية ، ووراءه تدبير الله . .

توازن واعتدال . وإلمام بجميع الأطراف . وتناسق بين جميع الأطراف . .

هذا هو الإسلام . وهذا هو منهج التربية الإسلامي ، للأفراد والجماعات . .

وبهذا ربما ينتهي الحديث عن تلك الطائفة من المهاجرين . ويبدأ الحديث عن طائفة أخرى من الطوائف المنبثة في المجتمع الإسلامي ، والتي يتألف منها الصف المسلم ومن سواها . . هذا وإن كان السياق لا انقطاع فيه ، ولا فصل ، ولا وقفة تنبى ء بأن الحديث الآتي عن طائفة أخرى ، وأن الحديث عن هذه الطائفة قد انتهى . . ولكننا نمضي مع الاعتبارات التي أسلفناها :

( وإن تصبهم حسنة يقولوا : هذه من عند الله . وإن تصبهم سيئة يقولوا : هذه من عندك ! قل : كل من عند الله . فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟ ! ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك . وأرسلناك للناس رسولا . وكفى بالله شهيدا . من يطع الرسول فقد أطاع الله ، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا ) . .

إن الذين يقولون هذا القول ، وينسبون ما يصيبهم من الخير إلى الله ، وما يصيبهم من الضر إلى النبي [ ص ] يحتمل فيهم وجوه :

الوجه الأول : أنهم يتطيرون بالنبي [ ص ] فيظنونه - حاشاه - شؤما عليهم . يأتيهم السوء من قبله . فإن أجدبت السنة ، ولم تنسل الماشية ، أو إذا أصيبوا في موقعة ؛ تطيروا بالرسول [ ص ] فأما حين يصيبهم الخير فينسبون هذا إلى الله !

الوجه الثاني : أنهم يريدون عامدين تجريح قيادة الرسول [ ص ] تخلصا من التكاليف التي يأمرهم بها . وقد يكون تكليف القتال منها - أو أخصها - فبدلا من أن يقولوا : إنهم ضعاف يخشون مواجهة القتال ، يتخذون ذلك الطريق الملتوي الآخر ! ويقولون : إن الخير يأتيهم من الله ، وإن السوء لا يجيئهم إلا من قبل الرسول [ ص ] ومن أوامره . وهم يعنون بالخير أو السوء النفع أو الضر القريب الظاهر !

والوجه الثالث : هو سوء التصور فعلا لحقيقة ما يجري لهم وللناس في هذه الحياة ، وعلاقته بمشيئة الله . وطبيعة أوامر النبي [ ص ] لهم ؛ وحقيقة صلة الرسول بالله سبحانه وتعالى . .

وهذا الوجه الثالث - إذا صح - ربما يكون قابلا لأن يوسم به ذلك الفريق من المهاجرين الذين كان سوء تصورهم لحقيقة الموت والأجل ، يجعلهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية . ويقولون : ( ربنا لم كتبت علينا القتال ؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب ) . . غير أننا ما نزال نميل إلى اعتبار المتحدث عنهم هنا طائفة أخرى . . تجتمع فيها تلك الأوجه كلها أو بعضها . وهذا الوجه الثالث منها . .

إن القضية التي تتناولها هذه الآيات ، هي جانب من قضية كبيرة . . القضية المعروفة في تاريخ الجدل والفلسفة في العالم كله باسم " قضية القضاء والقدر " أو " الجبر والاختيار " . . وقد وردت في أثناء حكاية ذلك الفريق من الناس ؛ ثم في الرد عليهم ، وتصحيح تصورهم . والقرآن يتناولها ببساطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض . . فلنعرضها كما وردت وكما رد عليها القرآن الكريم :

وإن تصبهم حسنة يقولوا : هذه من عند الله . وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك . قل : كل من عند الله . فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟ . .

إن الله هو الفاعل الأول ، والفاعل الواحد ، لكل ما يقع في الكون ، وما يقع للناس ، وما يقع من الناس . فالناس يملكون أن يتجهوا وأن يحاولوا . ولكن تحقق الفعل - أي فعل - لا يكون إلا بإرادة من الله وقدر .

فنسبة إنشاء الحسنة أو إنشاء السيئة ، وإيقاعها بهم ، للرسول [ ص ] وهو بشر منهم مخلوق مثلهم - نسبة غير حقيقية ؛ تدل على عدم فقههم لشيء ما في هذا الموضوع .

إن الإنسان قد يتجه ويحاول تحقيق الخير ؛ بالوسائل التي أرشد الله إلى أنها تحقق الخير . ولكن تحقق الخير فعلا يتم بإرادة الله وقدره . لأنه ليست هناك قدرة - غير قدرة الله - تنشى ء الأشياء والأحداث وتحقق ما يقع في هذا الكون من وقائع . وإذن يكون تحقق الخير - بوسائله التي اتخذها الإنسان وباتجاه الإنسان وجهده - عملا من أعمال القدرة الإلهية .

وإن الإنسان قد يتجه إلى تحقيق السوء . أو يفعل ما من شأنه إيقاع السوء . ولكن وقوع السوء فعلا ، ووجوده أصلا ، لا يتم إلا بقدرة الله وقدر الله . لأنه ليس هناك قدرة منشئة للأشياء والأحداث في هذا الكون غير قوة الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

و { أينما تكونوا يدرككم الموت } جزاء وجوابه ، وهكذا قراءة الجمهور ، وقرأ طلحة بن سليمان «يدركُكُم » بضم الكافين ورفع الفعل ، قال أبو الفتح : ذلك على تقدير دخول الفاء كأنه قال : فيدرككم الموت{[4153]} ، وهي قراءة ضعيفة ، وهذا إخبار من الله يتضمن تحقير الدنيا ، وأنه لا منجى من الفناء والتنقل . واختلف المتأولون في قوله : { في بروج } فالأكثر والأصح أنه أراد البروج والحصون التي في الأرض المبنية ، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة ، فمثل الله لهم بها ، قال قتادة : المعنى في قصور محصنة ، وقاله ابن جريج والجمهور ، وقال السدي : هي بروج في السماء الدنيا مبنية ، وحكى مكي هذا القول عن مالك ، وأنه قال : ألا ترى إلى قوله { والسماء ذات البروج }{[4154]} وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : { في بروج مشيدة } ، معناه في قصور من حديد .

قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يعطيه اللفظ ، وإنما البروج في القرآن إذا وردت مقترنة بذكر السماء بروج المنازل للقمر وغيره على ما سمتها العرب وعرفتها ، وبرج معناه ظهر ، ومنه البروج أي المطولة الظاهرة ، ومنه تبرج المرأة ، و { مشيدة } قال الزجّاج وغيره : معناه مرفوعة مطولة ، لأن شاد الرجل البناء إذا صنعه بالشيد وهو الجص إذا رفعه ، وقالت طائفة : { مشيدة } معناه : محسنة بالشيد ، وذلك عندهم أن «شاد الرجل » معناه : جصص بالشيد ، وشيد معناه : كرر ذلك الفعل فهي للمبالغة ، كما تقول : كسرت العود مرة ، وكسرته في مواضع منه كثيرة مراراً ، وخرقت الثوب وخرقته ، إذا كان الخرق منه في مواضع كثيرة ، فعلى هذا يصح أن تقول : شاد الرجل الجدار مرة وشيد الرجل الجدار إذا أردت المبالغة ، لأن التشييد منه وقع في مواضع كثيرة ، ومن هذا المعنى قول الشاعر [ عدي بن زياد العبادي ] : [ الخفيف ]

شَادَهُ مَرْمَراً وَجَلَّلَهُ كِلْ . . . ساً فللطيرِ في ذُراهُ وكورُ{[4155]}

والهاء والميم في قوله : { وإن تصبهم } رد على الذين قيل لهم ، كفوا أيديكم وهذا يدل على أنهم المنافقون ، لأن المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة ، ولأن اليهود لم يكونوا للنبي عليه السلام تحت أمر ، فتصيبهم بسببه أسواء ، ومعنى الآية ، وإن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من هزم عدو أو غنيمة أو غير ذلك رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله ، لا أنه ببركة إتباعك والإيمان بك ، { وإن تصبهم سيئة } ، أي هزيمة أو شدة جوع وغير ذلك ، قالوا : هذه بسببك ، لسوء تدبيرك ، كذا قال ابن زيد ، وقيل لشؤمك علينا .

قاله الزجّاج وغيره ، وقوله : { قل كل من عند الله } إعلام من الله تعالى ، أن الخير والشر ، والحسنة والسيئة خلق له ومن عنده ، لا رب غيره ولا خالق ولا مخترع سواه ، فالمعنى : قل يا محمد لهؤلاء : ليس الأمر كما زعمتم من عندي ولا من عند غيري ، بل هو كله من عند الله ، قال قتادة : النعم والمصائب من عند الله ، قال ابن زيد ، النصر والهزيمة ، قال ابن عباس : السيئة والحسنة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله شيء واحد ، ثم وبخهم بالاستفهام عن علة جهلهم ، وقلة فهمهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق والفقه في اللغة الفهم ، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره ، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الإحكامية ، والبلاغة في الاستفهام عن قلة فقههم بينة ، لأنك إذا استفهمت عن علة أمر ما ، فقد تضمن كلامك إيجاب ذلك الأمر تضمناً لطيفاً بليغاً ، ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله { فما } ووقف الباقون على اللام في قوله : { فمال } ، إتباعا للخط ، ومنعه قوم جملة ، لأنه حرف جر فهي بعض المجرور ، وهذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس ، وأما أن يختار أحد الوقف فيما ذكرناه ابتداء فلا .


[4153]:- ومثله قول الشاعر: من يفعل الحسنات الله يشكرها
[4154]:- الآية (1) من سورة (البروج)، ومثله قوله تعالى: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} وقوله: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين}.
[4155]:-هذا البيت لعدي بن زيد العبادي، وقبله يقول: أين كسرى، كسرى الملوك أبو سا سان؟ أم أين قبله سابور؟ وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم لم يبق منهم مذكــور؟ وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابــور. وجلله: كساه وعممه. والكلس: ما طلي به حائط أو باطن قصر، والوكور: جمع وكر وهو عش الطائر وإن لم يكن فيه. وأما الحضر فهي مدينة بين دجلة والفرات، وصاحب الحضر هو الساطرون. (اللسان).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عن كراهيتهم للقتال ذاكرا لهم أن الموت في أعناقكم، فقال سبحانه: {أينما تكونوا} من الأرض. {يدرككم}: يأتيكم {الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}، يعني القصور الطوال المشيدة إلى السماء في الحصانة حين لا يخلص إليه ابن آدم يخلص إليه الموت حين يفر منه، وقال عبد الله بن أبي، لما قتلت الأنصار يوم أحد، قال: لو أطاعونا ما قتلوا، فنزلت: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}، يعني القصور. ثم أخبر سبحانه عن المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، فقال: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله} ببدر، يعني نعمة، وهي الفتح والغنيمة، يقول: هذه الحسنة من عند الله، {وإن تصبهم سيئة}: بلية، وهي القتل والهزيمة يوم أحد، {يقولوا هذه من عندك} يا محمد، أنت حملتنا على هذا، وفي سببك كان هذا، فقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل كل}: الرخاء والشدة {من عند الله فمال هؤلاء القوم}: المنافقين {لا يكادون يفقهون حديثا}، أي: أن الشدة والرخاء والسيئة والحسنة من الله، ألا يسمعون ما يحذرهم ربهم في القرآن؟ يعني عبد الله بن أبي...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

- ابن العربي: قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: {بروج مشيدة} هي قصور السماء، ألا تسمع الله سبحانه: {والسماء ذات البروج}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

حيثما تكونوا ينلكم الموت فتموتوا، {ولَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ} يقول: لا تجزعوا من الموت ولا تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوّكم حذرا على أنفسكم من القتل والموت، فإن الموت بإزائكم أين كنتم، وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ}؛ فقال بعضهم: يُعْنَى به: قصور محصنة.

وقال آخرون: معنى ذلك: قصور بأعيانها في السماء.

واختلف أهل العربية في معنى المشيدة، فقال بعض أهل البصرة منهم: المشيدة: الطويلة. قال: وأما المَشيد بالتخفيف، فإنه المزين.

وقال آخرون منهم نحو ذلك القول، غير أنه قال: المَشيد بالتخفيف: المعمول بالشّيد، والشّيد: الجصّ. وقال بعض أهل الكوفة: المَشِيد والمُشيّد أصلهما واحد، غير أن ما شدّد منه فإنما يشدّد لتردد الفعل فيه في جمع مثل قولهم: هذه ثياب مصبغة...

{وَإنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ}: وإن ينلهم رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة، "يقولوا هذه من عند الله": من قِبَل الله ومن تقديره. "وإنْ تصبهم سيئة": وإن تنلهم شدّة من عيش وهزيمة من عدوّ وجراح وألم، يقولوا لك يا محمد: هذه من عندك بخطئك التدبير. وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أيْدِيَكُمْ}.

{قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ}: قل يا محمد لهؤلاء القائلين إذا أصابتهم حسنة هذه من عند الله، وإذا أصابتهم سيئة هذه من عندك: كل ذلك من عند الله دوني ودون غيري، من عنده الرخاء والشدّة، ومنه النصر والظفر، ومن عنده القتل والهزيمة... عن ابن عباس، قوله: {قُلْ كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا} يقول: الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها.

{فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ}: فما شأن هؤلاء القوم الذين إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، {لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا}: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أن كلّ ما أصابهم من خير أو شرّ أو ضرّ وشدة أو رخاء، فمن عند الله، لا يقدر على ذلك غيره، ولا يصيب أحدا سيئة إلا بتقديره، ولا ينال رخاء ونعمة إلا بمشيئته. وهذا إعلام من الله عباده أن مفاتح الأشياء كلها بيده، لا يملك شيئا منها أحد غيره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا من عندك} معلوم أنهم لم يريدوا بالحسنة والسيئة حسنة في الدين وسيئة في دينهم، ولكن إنما أرادوا بالحسنة والسيئة في الدنيا من المنافع والبلايا والشدائد؛ ذلك أنهم ما كانوا يحزنون لما يصيبهم من السيئة في الدين، ولا كانوا يفرحون بالحسنة والخير في الدين، ولكن فرحهم بما كانوا يصنعون في الدنيا من الخصب والسعة، وحزنهم بما يصيبهم من الضيق والشدة...

وكانوا يتطيرون برسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كان دأب الكفرة من قبل؛ كانوا يتطيرون بالأنبياء عليهم السلام كقوله عز وجل إخبارا عن قوم موسى- على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} (الأعراف: 131) وكقوله تعالى: {قالوا أطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون} (النمل: 47). وقال الله عز وجل: {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأعراف: 131). فعلى ذلك قولهم: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} تطيرا منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الله عز وجل: {قل كل من عند الله} أي بتقديره كان وقضائه فضلا كقوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل: 53). وجزاء كقوله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم} (الشورى: 30) أي ما أصابكم بسوء صنيعكم برسل الله عليهم السلام وتكذيبكم إياهم. وقوله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} أي لا يفقهون ما لهم وما عليهم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} في البروج ها هنا ثلاثة أقاويل: والثالث: أنها البيوت التي في الحصون وهو قول بعض البصريين.

وأصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة إذا أظهرت نفسها...

وفي الحسنة والسيئة ها هنا ثلاثة تأويلات: أحدها: البؤس والرخاء. والثاني: الخصب والجدب، وهو قول ابن عباس، وقتادة. والثالث: النصر والهزيمة، وهو قول الحسن، وابن زيد...

آراء ابن حزم الظاهري في التفسير 456 هـ :

في الجمع بين قوله تعالى: {قل كل من عند الله}، وبين قوله: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.

أخبر تعالى أن ما أصابنا من حسنة فمن عنده، وهذا هو الحق؛ لأنه لا يجب لنا عليه تعالى شيء. فالحسنات الواقعة منا فضل مجرد منه لا شيء لنا فيه، وإحسان منه إلينا لم نستحقه قط عليه. وأخبرنا عز وجل أن ما أصابنا من سيئة فمن أنفسنا، بعد أن قال: إن الكل من عند الله، فصح أننا مستحقون النكال لظهور السيئة منا، وأننا عاصون بذلك كما حكم علينا تعالى، وحكمه عز وجل الحق والعدل ولا مزيد. وبالله التوفيق...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الموت فرح للمؤمن، فالخبرُ عن قرْبه بِشارةٌ له، لأنه سببٌ يوصله إلى الحق، ومن أحبَّ لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءه. ويقال إذا كان الموت لا بد منه فالاستسلام لحكمه طوعاً خيرٌ من أن يحمل كرهاً. ثم أخبر أنهم -لضَعْفِ بصائرهم ومرض عقائدهم- إذا أصابتهم حَسَنَةٌ فَرِحُوا بها، وأظهروا الشكر، وإن أصابتهم سيئة لم يهتدوا إلى الله فجرى فيهم العرْقُ المجوسي فأضافوه إلى المخلوق، فَرَدَّ عليهم وقال: قل لهم يا محمد كلُّ من عند الله خلقاً وإبداعاً، وإنشاء واختراعاً، وتقديراً وتيسيراً...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أصاب أهلها نوع سوء؛ فقالت اليهود: ما رأينا أشأم من هذا الرجل؛ منذ دخل ديارنا، قد غلت أسعارنا، ونقصت ثمارنا؛ وذلك بلية للمسلمين، وهذا نحو ما قالوا لصالح عليه السلام (اطيرنا بك وبمن معك) وفي قصة موسى: (يطيروا بموسى ومن معه) وفي سورة "يس ": (إنا تطيرنا بكم)... (قل كل من عند الله) أي: الخصب، والجدب، والنصر، والهزيمة، كل من عند الله، (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) أي: ما لهم لا يعلمون حديثا. والحديث: القرآن هاهنا، أي: لا يعلمون معاني القرآن...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما زهدهم في دار المتاعب والأكدار على تقدير طول البقاء، وكانوا كأنهم يرجون بترك القتال الخلود، أو تأخير موت يسببه القتال؛ نبههم على ما يتحققون من أن المنية منهل لا بد من وروده في الوقت الذي قدر له و إن امتنع الإنسان منه في الحصون، أو رمى نفسه في المتألف، فقال تعالى -مبكتاً من قال ذلك، مؤكداً بما النافية لنقيض ما تضمنه الكلام لأن حالهم حال من ينكر الموت بغير القتال، مجيباً بحاق الجواب بعد ما أورد الجواب الأول على سبيل التنزل -: {أينما تكونوا} أيها الناس كلكم مطيعكم وعاصيكم {يدرككم الموت} أي فإنه طالب، لا يفوته هارب {ولو كنتم في بروج} أي حصون برج داخل برج، أو كل واحد منكم في برج.

ولما كان ذلك جمعاً ناسب التشديد المراد به الكثرة في {مشيّدة} أي مطولة، كل واحد منها شاهق في الهواء منيع، وهو مع ذلك مطلي بالشيد أي بالجص، فلا خلل فيه أصلاً، ويجوز أن يراد بالتشيد مجرد الإتقان، يعني أنها مبالغ في تحصينها- لأن السياق أيضاً يقتضيه، فإذا كان لا بد من الموت فلأن يكون في الجهاد الذي يستعقب السعادة الأبدية أولى من أن يكون في غيره.

ثم عطف ما بقي من أقوالهم على ما سلف منها في قوله:

{ربنا لم كتبت} [النساء: 77] إلى آخره وإن كان هذا الناس منهم غير الأولين، ويجوز أن يقال: إنه لما أخبر أن الحذر لا يغني من القدر أتبع ذلك حالاً لهم مبكتاً به لمن توانى في أمره، مؤذناً بالالتفات إلى الغيبة إعراضاً عن خطابهم ببعض غضب، لأنهم جمعوا إلى الإخلال بتعظيمهم لله تعالى الإخلال بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ليطاع بإذن الله فقال: {وإن} أي قالوا ذلك والحال أنه إن {تصبهم} أي بعض المدعوّين من الأمة، وهم من كان في قلبه مرض {حسنة} أي شيء يعجبهم، ويحسن وقعه عندهم من أي شيء كان {يقولوا هذه من عند الله} أي الذي له الأمر كله، لا دخل لك فيها {وإن تصبهم سيئة} أي حالة تسوءهم من أي جهة كانت {يقولوا هذه من عندك} أي من جهة حلولك في هذا البلد تطيراً بك.

ولما كان هذا أمراً فادحاً، وللفؤاد محرقاً وقادحاً، سهل عليه بقوله: {قل كل} أي من السيئة والحسنة في الحقيقة دنيوية كانت أو أخروية {من عند الله} أي الذي له كل شيء، ولا شيء لغيره، وذلك كما قالوا لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بني النجار رضي الله تعالى عنه عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في السيرة -:

" بئس الميت أبو أمامة، ليهود ومنافقي العرب! يقولون: لو كان نبياً لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئاً". ولما تسبب عن هذا معرفة أنهم أخطأوا في ذلك، فاستحقوا الإنكار قال منكراً عليهم: {فما} وحقرهم بقوله: {لهؤلاء} وكأنه قال: {القوم} الذي هو دال على القيام والكفاية، إما تهكماً بهم، وإما نسبة لهم إلى قوة الأبدان وضعف المكان {لا يكادون يفقهون} لا يقربون من أن يفهموا {حديثاً} أي يلقي إليهم أصلاً فهما جيداً.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم جاء بما يذهب بأعذارهم، وينفخ روح الشجاعة والإقدام في المستعدين منهم، فقال: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}. أي أن الموت حتم لا مفر منه ولا مهرب فهو لا بد أن يدرككم في أي مكان كنتم ولو تحصنتم منه في البروج المشيدة، وهي القصور العالية التي يسكنها الملوك والأمراء فيعز الارتقاء إليها بدون إذنهم، أو الحصون المنيعة التي تعتصم فيها حامية الجند. شيد البناء يشيده علاه وأحكم بناءه، وأصله أن يبنيه بالشيد وهو بالكسر كل ما يطلي به الحائط كالجص والبلاط، يقال شاد البناء إذا جصصه، قال في اللسان: وكل ما أحكم من البناء فقد شيد وتشييد البناء إحكامه ورفعه. أي لأن في التفعيل معنى من المبالغة والكثرة في الشيء، وأجاز الراغب أن يكون المراد بالبروج بروج النجم ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة.

وإذا كان الموت لا مفر منه ولا عاصم، وكان المرء يخوض معامع القتال فيصاب ولا يموت، ويخاطر بنفسه فيها أحيانا فلا يصاب بجرح ولا يقتل، وقد يموت المعتصم في البروج والحصون اغتضارا، وإذا كان الإقدام على القتال هو أقوى أسباب النجاة من القتل لأن الجبناء يغرون أعداءهم بأنفسهم بعدم دفاعهم عنها، وإذا كان الاستعداد للقتال والإقدام فيه لأجل الدفاع عن الحق وحماية الحقيقة ومنع الباطل أن يسود والشر أن يفشو موجبا لمرضاة الله ولسعادة الآخرة، فما هو عذركم أيها القاعدون المبطؤون؟.

وطعم الموت في أمر حقير**كطعم الموت في أمر عظيم

فلماذا تختارون لأنفسكم الحقير على العظيم، وهذا ليس من شأن العقلاء والمؤمنين؟.

كان من مرض قلوب هؤلاء أن كرهوا القتال وجبنوا عنه وخافوا الناس وتمنوا بذلك طول البقاء، فكان هذا صدعا في دينهم وعقولهم قامت به عليهم الحجة. ثم ذكر شأنا آخر من شؤونهم يشبهه في الدلالة على مرض القلب والعقل فقال:

{وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله} الحسنة ما يحسن عند صاحبه كالرخاء والخصب والظفر والغنيمة، كانوا يضيفون الحسنة إلى الله تعالى لا بشعور التوحيد الخالص بل غرورا بأنفسهم، وزعما منهم أن الله أكرمهم بها عناية بهم، وهروبا من الإقرار بأن شيئا من ذلك أثر ما جاءهم به الرسول من الهداية، وما حاطهم به من التربية والرعاية، ولذلك كانوا ينسبون إليه السيئة وهو صلى الله عليه وسلم بريء من أسبابها، دع إيجادها وإيقاعها، وذلك قولهم: {وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} والسيئة ما يسوء صاحبه كالشدة والبأساء والضراء والهزيمة والجرح والقتل، كان المنافقون والكفار من اليهود وغيرهم إذا أصاب الناس في المدينة سيئة بعد الهجرة يقولون هذا من شؤم محمد {قل كل من عند الله} قل أيها الرسول إن كلا من الحسنة والسيئة من عند الله لوقوعها في ملكه على حسب سننه في نظام الأسباب والمسببات.

{فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} أي فما بال هؤلاء القوم وماذا أصاب عقولهم حال كونها بمعزل عن الغوص في أعماق الحديث وفهم مقاصده وأسراره فهم لا يعقلون حقيقة حديث يلقونه ولا حقيقة حديث يلقى إليهم قط وإنما يأخذون بما يطفو من المعنى على ظاهر اللفظ بادي الرأي، والفقه معرفة مراد صاحب الحديث من قوله وحكمته فيه من العلة الباعثة عليه والغائبة له. وإذا كانوا قد فقدوا هذا الفقه وحرموه من كل حديث، فأجدر بهم أن يحرموه من حديث يبلغه الرسول عن وحي ربه في حقيقة التوحيد ونظام الاجتماع وسنن الله في الأسباب والمسببات، فهذه المعارف العالية لا تنال إلا بفضل الروية وذكاء العقل وطول التدبر، ومن نالها لا يقول بأن سيئة تقع بشؤم أحد، وإنما يسند كل شيء إلى السبب، أو إلى واضع الأسباب والسنن، ولكل مقام مقال.

وفيه أنه يجب على العاقل الرشيد أن يطلب فقه القول دون الظواهر الحرفية، فمن اعتاد الأخذ بما يطفو من هذه الظواهر دون ما رسب في أعماق الكلام وما تغلغل في أنحائه وأحنائه يبقى جاهلا غبيا طول عمره.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} أي: لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه، أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى الأسباب المعينة على ذلك، من الإقبال على كلامهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه. فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك. وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث، هم ولا ما جاءوا به لأنهم بعثوا بصلاح الدنيا والآخرة والدين...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هنا تجيء اللمسة الأخرى. اللمسة التي تصحح التصور عن حقيقة الموت والحياة، والأجل والقدر؛ وعلاقة هذا كله بتكليف القتال، الذي جزعوا له هذا الجزع، وخشوا الناس فيه هذه الخشية! (أينما تكونوا يدرككم الموت، ولو كنتم في بروج مشيدة).. فالموت حتم في موعده المقدر. ولا علاقة له بالحرب والسلم. ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد أو قلة حصانته. ولا يؤخره أن يؤخر عنهم تكليف القتال إذن؛ ولا هذا التكليف والتعرض للناس في الجهاد يعجله عن موعده.. هذا أمر وذاك أمر؛ ولا علاقة بينهما.. إنما العلاقة هناك بين الموت والأجل. بين الموعد الذي قدره الله وحلول ذلك الموعد.. وليست هنالك علاقة أخرى.. ولا معنى إذن لتمني تأجيل القتال. ولا معنى إذن لخشية الناس في قتال أو في غير قتال! وبهذه اللمسة الثانية يعالج المنهج القرآني كل ما يهجس في الخاطر عن هذا الأمر؛ وكل ما ينشئه التصور المضطرب من خوف ومن ذعر.. إنه ليس معنى هذا ألا يأخذ الإنسان حذره وحيطته وكل ما يدخل في طوقه من استعداد وأهبه ووقاية.. فقد سبق أن أمرهم الله بأخذ الحذر. وفي مواضع أخرى أمرهم بالاحتياط في صلاة الخوف. وفي سور أخرى أمرهم باستكمال العدة والأهبة.. ولكن هذا كله شيء، وتعليق الموت والأجل به شيء آخر.. إن أخذ الحذر واستكمال العدة أمر يجب أن يطاع، وله حكمته الظاهرة والخفية، ووراءه تدبير الله.. وإن التصور الصحيح لحقيقة العلاقة بين الموت والأجل المضروب -رغم كل استعداد واحتياط- أمر آخر يجب أن يطاع؛ وله حكمته الظاهرة والخفية، ووراءه تدبير الله.. توازن واعتدال. وإلمام بجميع الأطراف. وتناسق بين جميع الأطراف...

. هذا هو الإسلام. وهذا هو منهج التربية الإسلامي، للأفراد والجماعات.. وبهذا ربما ينتهي الحديث عن تلك الطائفة من المهاجرين. ويبدأ الحديث عن طائفة أخرى من الطوائف المنبثة في المجتمع الإسلامي، والتي يتألف منها الصف المسلم ومن سواها.. هذا وإن كان السياق لا انقطاع فيه، ولا فصل، ولا وقفة تنبى ء بأن الحديث الآتي عن طائفة أخرى، وأن الحديث عن هذه الطائفة قد انتهى...

. ولكننا نمضي مع الاعتبارات التي أسلفناها:... (وإن تصبهم حسنة يقولوا: هذه من عند الله. وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك! قل: كل من عند الله. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟! ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك. وأرسلناك للناس رسولا. وكفى بالله شهيدا. من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا).. إن الذين يقولون هذا القول، وينسبون ما يصيبهم من الخير إلى الله، وما يصيبهم من الضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل فيهم وجوه: الوجه الأول: أنهم يتطيرون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيظنونه -حاشاه- شؤما عليهم. يأتيهم السوء من قبله. فإن أجدبت السنة، ولم تنسل الماشية، أو إذا أصيبوا في موقعة؛ تطيروا بالرسول صلى الله عليه وسلم فأما حين يصيبهم الخير فينسبون هذا إلى الله! الوجه الثاني: أنهم يريدون عامدين تجريح قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم تخلصا من التكاليف التي يأمرهم بها. وقد يكون تكليف القتال منها -أو أخصها- فبدلا من أن يقولوا: إنهم ضعاف يخشون مواجهة القتال، يتخذون ذلك الطريق الملتوي الآخر! ويقولون: إن الخير يأتيهم من الله، وإن السوء لا يجيئهم إلا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أوامره. وهم يعنون بالخير أو السوء النفع أو الضر القريب الظاهر!... والوجه الثالث: هو سوء التصور فعلا لحقيقة ما يجري لهم وللناس في هذه الحياة، وعلاقته بمشيئة الله. وطبيعة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ وحقيقة صلة الرسول بالله سبحانه وتعالى.. وهذا الوجه الثالث -إذا صح- ربما يكون قابلا لأن يوسم به ذلك الفريق من المهاجرين الذين كان سوء تصورهم لحقيقة الموت والأجل، يجعلهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية. ويقولون: (ربنا لم كتبت علينا القتال؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب).. غير أننا ما نزال نميل إلى اعتبار المتحدث عنهم هنا طائفة أخرى.. تجتمع فيها تلك الأوجه كلها أو بعضها. وهذا الوجه الثالث منها...

.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

تربية المسلم على التعاطي مع واقعة الموت:

ثم ما معنى الارتباط بالدنيا؟ هل هو لتحصيل المتع والشهوات الحسية؟ فما عند الله خير، وذلك لما أعدّه للمتقين جزاءً على أعمالهم الصالحة التي يثيبهم الله عليها من دون أن ينقص منها شيئاً، فإذا وازن المؤمنون بين المتاع القليل في الدنيا، وبين ألطاف الله في الآخرة، فسيجدون أن متاع الدنيا لا يمثل شيئاً. وينطلق القرآن بأسلوب آخر يناقش فيه هذا الخوف من الموت الذي يدفعهم إلى الامتناع عن القتال، فإن ذلك لا ينجيهم من الموت، {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} فقد يموت الإنسان وهو في برج مشيّد، وقد ينجو منه وهو في قلب المعركة، لأن الإنسان مرهون بأجله الذي لا يتقدم ولا يتأخر ولو مقدار لحظة. ثم يتحدث عن بعض ملامح النظرة التي ينظر فيها البعض من هؤلاء أو من غيرهم إلى الرسول؛ {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ} إذا واجهوا الحسنة في ما يحصلون عليه من راحة ورزق وأمن ومتع ورغبات، فإنهم ينسبون ذلك إلى الله، أما إذا واجهتهم السيئة، {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} في ما يلاقون من مرض أو بلاء أو فتنة أو مشكلة صغيرة أو كبيرة {يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ}، فإنهم ينسبونها إلى الرسول من باب التطيّر والتشاؤم؛ كما حدثنا الله عن بعض هذه النماذج في قوله تعالى: {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ* قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [يس: 1819] ولكن الله يرد عليهم هذه النظرة {قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} إنّ كل الأحداث التي تطرأ على حياة الإنسان، ترجع إلى الأسباب... {قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} إنّ كل الأحداث التي تطرأ على حياة الإنسان، ترجع إلى الأسباب الطبيعية التي أودعها الله في الكون، سواء منها الأسباب الكونية، أو الأسباب العادية في حياة الإنسان النفسية والاجتماعية والجسدية، وبذلك يرجع الأمر كله إلى الله وذلك ما يسمى بالسيئة أو الحسنة، من دون أن يلغي ذلك إرادة الإنسان واختياره، لأن ذلك من قبيل الأسباب العادية، ولذلك فإن من الممكن أن ينسب العمل إليه بالذات بواسطة مباشرته له، ولكن هؤلاء القوم {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}، لأنهم لا يعرفون طبيعة الأشياء، من خلال ما أودعه الله فيها من سننه الكونية والاجتماعية...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

نستنتج من الآيات السابقة واللاحقة أنّ هاتين الآيتين تقصدان مجموعة من المنافقين تسللوا إِلى صفوف المسلمين، وقد قرأنا في الآيات السابقة أن هؤلاء قد أبدوا الخوف والقلق من المشاركة في مسؤولية الجهاد، وقد ظهر عليهم الضجر والاستياء حين نزول حكم الجهاد، فردّ عليهم القرآن الكريم وأنبّهم لموقفهم هذا بقوله: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) موضحاً أن الحياة بكل زخارفها سرعان ما تزول، وإِنّ ما يناله المؤمنون الذين يخشون الله ولا يعصونه من الخير والثواب هو خير من كل ما في هذه الدنيا من خيرات. وفي هذا المقطع القرآني ردّ آخر على أُولئك المنافقين، حيث بيّن أن الموت آتيهم يوماً لا محالة، حتى إِذا تحصنوا في قلاع عالية ومنيعة بحسب ظنّهم، ومادام الموت يدرك الإِنسان بهذه الصورة أليس من الخير له أن يموت على طريق مثمر وصحيح كالجهاد؟!... وممّا يلفت الانتباه أنّ القرآن الكريم يطلق في مواقع متعددة اسم «اليقين» على الموت، كما في الآية (99) من سورة الحجر، والآية (48) من سورة المدثر ومعنى هذه العبارة القرآنية هو أن الإِنسان مهما كانت عقيدته يؤمن بوجود الموت إِيماناً لا يخامره فيه شك مطلقاً، ومهما أنكر المرء من حقائق لا يستطيع إنكار الموت الذي يشهده بأم عينه أو يسمع عنه كل يوم، والإِنسان الذي يحب الحياة ويخال أن الموت هو الفناء الذي لا حياة بعده أبداً يخاف من ذكر الموت ويفر من مظاهره. الآيتان الأخيرتان تؤكدان حقيقة عدم جدوى الفرار من الموت، فهو يدرك الإِنسان يوماً ما لا محالة، وهو حقيقة قطعية يقينية في عالم الوجود. وعبارة (يدرككم) الواردة في الآية الأُولى تعني الملاحقة، واللاحق هو الموت الذي يدرك الإِنسان، وتوحي بأنّ الفرار لا ينقذ الإِنسان من هذا المصير الحتمي...

وتؤكد الحقيقة المذكورة الآية الثّامنة من سورة الجمعة إِذ تقول: (قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإِنّه ملاقيكم). إِذن ليس من العقل والمنطق أن يدرك الإِنسان هذه الحقيقة ويفر بعد ذلك من ميدان الجهاد، ويحرم نفسه أشرف ميتة وهي الشهادة في سبيل الله، فيموت على فراشه فلو عاش الإِنسان بعد فراره من الجهاد أيّاماً أو شهوراً أو سنوات لتكرر ما فعل ولتكررت أمامه المشاهد الماضية، فهل من العقل أن يحرم الإِنسان نفسه لأجل هذه المتكررات من الثواب الأبدي الذي يناله المجاهد في سبيل الله؟! وهنا أمر ثان يجب الانتباه له في الآية الأُولى من هاتين الآيتين، وهو عبارة (بروج مشيدة) التي تؤكد أنّ الموت لا تحول دونه القلاع والحصون المنيعة العالية، والسرّ في هذا الأمر هو أنّ الموت الطبيعي لا يداهم الإِنسان من خارج وجوده خلافاً لما يتصورون ولا يحتاج إِلى اجتياز القلاع والحصون، بل يأتي من داخل وجود الإِنسان حيث تقف أجهزة الإِنسان عن العمل بعد نفاذ قدرتها المحدودة على البقاء. نعم، الموت غير الطبيعي يأتي الإِنسان طبعاً من خارج وجوده، وبذلك قد تنفع القلاع والحصون في تأخير هذا النوع من الموت عنه. ولكن ماذا ستكون النهاية والنتيجة؟ هل بمقدور القلاع والحصون أن تحول دون وصول الموت الطبيعي الذي سيدرك الإِنسان دون شك في يوم من الأيام؟!...