تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

ثم ذكر لهم نبيهم أيضا آية حسية يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم ، وتطمئن لها خواطرهم ، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، فأتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

243

وهي أمور من شأنها أن تصحح التصور المشوش ، وأن تجلو عنه الغبش . . ولكن طبيعة إسرائيل - ونبيها يعرفها - لا تصلح لها هذه الحقائق العالية وحدها . وهم مقبلون على معركة . ولا بد لهم من خارقة ظاهرة تهز قلوبهم ، وتردها إلى الثقة واليقين :

( وقال لهم نبيهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ، فيه سكينة من ربكم ، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة . إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ) . .

وكان أعداؤهم الذين شردوهم من الأرض المقدسة - التي غلبوا عليها على يد نبيهم يوشع بعد فترة التيه ووفاة موسى - عليه السلام - قد سلبوا منهم مقدساتهم ممثلة في التابوت الذي يحفظون فيه مخلفات أنبيائهم من آل موسى وآل هارون . وقيل : كانت فيه نسخة الألواح التي أعطاها الله لموسى على الطور . . فجعل لهم نبيهم علامة من الله ، أن تقع خارقة يشهدونها ، فيأتيهم التابوت بما فيه ( تحمله الملائكة ) فتفيض على قلوبهم السكينة . . وقال لهم : إن هذه الآية تكفي دلالة على صدق اختيار الله لطالوت ، إن كنتم حقا مؤمنين . .

ويبدو من السياق أن هذه الخارقة قد وقعت ، فانتهى القوم منها إلى اليقين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

{ وقال لهم نبيهم } لما طلبوا منه حجة على أنه سبحانه وتعالى اصطفى طالوت وملكه عليهم . { إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت } الصندوق فعلوت من التوب ، وهو الرجوع فإنه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه ، وليس بفاعول لقلة نحو سلس وقلق ، ومن قرأه بالهاء فلعله أبدله منه كما أبدل من تاء التأنيث لاشتراكهما في الهمس والزيادة ، ويريد به صندوق التوراة وكان من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين . { فيه سكينة من ربكم } الضمير للإتيان أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة ، أو للتابوت أي مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة . وكان موسى عليه الصلاة والسلام إذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون . وقيل صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يتبعونه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر . وقيل صورة الأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام . وقيل التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وإتيانه مصير قلبه مقرا للعلم والوقار بعد أن لم يكن . { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون } رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وعمامة هارون ، وآلهما أبناؤهما أو أنفسهما . والآل مقحم لتفخيم شأنهما ، أو أنبياء بني إسرائيل لأنهم أبناء عمهما . { تحمله الملائكة } قيل رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه وقيل كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه ، وكان في أرض جالوت إلى أن ملك الله طالوت فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن فتشاءموا بالتابوت فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة إلى طالوت . { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } يحتمل أن يكون من تمام كلام النبي عليه الصلاة والسلام وأن يكون ابتداء خطاب من الله سبحانه وتعالى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (248)

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 248 )

وأما قول النبي لهم : { إن آية ملكه } فإن الطبري ذهب إلى أن بني إسرائيل تعنتوا وقالوا لنبيهم : وما آية ملك طالوت ؟ وذلك على جهة سؤال الدلالة على صدقه في قوله إن الله قد بعث .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ويحتمل أن نبيهم قال لهم ذلك على جهة التغبيط والتنبيه على هذه النعمة التي قرنها الله بملك طالوت وجعلها آية له دون أن تعن بنو إسرائيل لتكذيب نبيهم ، وهذا عندي أظهر( {[2383]} ) من لفظ الآية ، وتأويل الطبري أشبه بأخلاق بني إسرائيل الذميمة ، فإنهم أهل تكذيب وتعنت واعوجاج ، وقد حكى الطبري معناه( {[2384]} ) عن ابن عباس وابن زيد والسدي .

واختلف المفسرون في كيفية إتيان { التابوت } وكيف كان بدء أمره ، فقال وهب بن منبه : كان التابوت عند بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت ، وصار التابوت عند القوم الذين غلبوا ، فوضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام ، فكانت الأصنام تصبح منكسة ، فجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم ، وقيل : جعل في مخرأة قوم فكانوا يصيبهم الناسور ، فلما عظم بلاؤهم كيف كان( {[2385]} ) ، قالوا : ما هذا إلا لهذا التابوت فلنرده إلى بلاد بني إسرائيل ، فأخذوا عجلة فجعلوا التابوت عليها وربطوها ببقرتين فأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل ، فبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا به على بني إسرائيل ، وهم في أمر طالوت ، فأيقنوا بالنصر ، وهذا( {[2386]} ) هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية . وقال قتادة والربيع : بل كان هذا التابوت مما تركه موسى عند يوشع بن نون ، فجعله يوشع في البرية ، ومرت عليه الدهور حتى جاء وقت طالوت . وكان أمر التابوت مشهوراً عندهم في تركة موسى ، فجعل الله الإتيان به آية لملك طالوت ، وبعث الله ملائكة حملته إلى بني إسرائيل ، فيروى أنهم رأوا التابوت في الهواء يأتي حتى نزل بينهم ، وروي أن الملائكة جاءت به تحمله حتى جعلته في دار طالوت ، فاستوسقت( {[2387]} ) بنو إسرائيل عند ذلك على طالوت ، وقال وهب بن منبه : كان قدر التابوت نحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين ، وقرأ زيد بن ثابت «التابوه » ، وهي لغته ، والناس على قراءته بالتاء .

قال القاضي أبو محمد : وكثر الرواة في قصص( {[2388]} ) التابوت وصورة حمله بما لم أر لإثباته وجهاً للين إسناده .

قوله عز وجل :

{ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : السكينة ريح هفافة( {[2389]} ) لها وجه كوجه الإنسان ، وروي عنه أنه قال : هي ريح خجوج ولها رأسان ، وقال مجاهد : السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان وذنب ، وقال أقبلت السكينة والصرد وجبريل مع إبراهيم من الشام . وقال وهب بن منبه عن بعض علماء بني إسرائيل : السكينة رأس هرة ميتة كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ الهر أيقنوا بالنصر . وقال ابن عباس : السكينة طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، وقاله السدي . وقال وهب بن منبه : السكينة روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شيء أخبرهم ببيان ما يريدون . وقال عطاء بن أبي رباح : السكينة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها . وقال الربيع بن أنس : { سكينة من ربكم } أي رحمة من ربكم ، وقال قتادة : { سكينة من ربكم } أي وقار لكم من ربكم .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم ، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى ، فالمعهود أن الله ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده( {[2390]} ) ، والسكينة على هذا فعيلة مأخوذة من السكون ، كما يقال عزم عزيمة وقطع قطيعة .

واختلف المفسرون في البقية ما هي ؟ : فقال ابن عباس : هي عصا موسى ورضاض( {[2391]} ) الألواح ، وقال الربيع : هي عصا موسى وأمور من التوراة . وقال عكرمة : هي التوراة والعصا ورضاض الألواح .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا ما روي من أن موسى عليه السلام لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل القى الألواح غضباً فتكسرت . فنزع منها ما بقي صحيحاً وأخذ رضاض ما تكسر فجعل في التابوت . وقال أبو صالح : البقية عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة والمن . وقال عطية بن سعد : هي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح . وقال الثوري : من الناس من يقول البقية قفيز منّ ورضاض الألواح .

ومنهم من يقول : العصا والنعلان . وقال الضحّاك : البقية الجهاد وقتال الأعداء .

قال القاضي أبو محمد : أي الأمر بذلك في التابوت ، إما أنه مكتوب فيه ، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك ، وأسند الترك إلى آل موسى وهارون من حيث كان الأمر مندرجاً من قوم إلى قوم( {[2392]} ) ، وكلهم آل لموسى وهارون ، وآل الرجل قرابته وأتباعه ، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد : حمل الملائكة هو سوقها التابوت دون شيء يحمله سواها حتى وضعته بين يدي بني إسرائيل وهم ينظرون إليه بين السماء والأرض ، وقال وهب بن منبه والثوري عن بعض أشياخهم ، حملها إياه هو سوقها الثورين أو البقرتين اللتين جرتا العجلة به ، ثم قرر تعالى أن مجيء التابوت آية لهم إن كانوا ممن يؤمن ويبصر بعين حقيقة .


[2383]:- يريد: وهذا عندي هو أظهر معنى يُفهم من الآية، فهو أظهر من قول الطبري. وفيه أن لفظ الآية قد يشهد أيضا للطبري مع كون ما قاله أشبه بأخلاق بني إسرائيل، ويؤيده قوله تعالى: [إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين] وقد كان رجوع التابوت المسلوب منهم إليهم دلالة واضحة على صدقه في قوله: [إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا] ويشير كلام ابن كثير إلى تأييد ما قاله الإمام الطبري، فانظر وتأمل.
[2384]:- أي حكى معنى ما ذكره من تأويل الآية عن ابن عباس، وابن زيد، والسدي.
[2385]:- أي سواء كان في الكنيسة، أو في القرية، أو في البراز.
[2386]:- أي سوق الملائكة للبقرتين الجارَّتين لعجلة التابوت.
[2387]:- يعني أنهم استوثقوا على طالوت، أي اجتمعوا على طاعته، واستقر أمر الملك فيه.
[2388]:- كل ذلك روايات إسرائيلية لا تعتمد، ولم يثبت شيء من ذلك عن طريق السنة الصحيحة.
[2389]:- يقال: ريح هفافة: سريعة المرور في هبوبها، وريح خَجُوج: شديدة المرور في هبوبها.
[2390]:- إنما قال ابن عطية ذلك لأن هذه التفاسير كلها متلقاة من الإسرائيلين، ولذلك كانت التفاسير متناقضة، فالتناقض منهم وليس من هؤلاء الأعلام الذين نقلوها عنهم، فمرة يجعلونها حيوانا، وتارة يجعلونها جمادا، وأخرى روحا، ومن ثم قال القاضي رحمه الله: والصحيح إلخ، فإن المعهود أن الله سبحانه ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده. والذي ثبت في السكينة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تنزلت على بعض الصحابة عند قراءته للقرآن كما في صحيح الإمام مسلم، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أسيد بن الحضير بينما هو يقرأ في مربده لحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك الملائكة كانت تستمع لك) فأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة مرّة. وعن نزول الملائكة مرة أخرى، فدل ذلك على أن السكينة كانت في تلك الظُّلَّة، وأنها تنزل مع الملائكة، وقد يكون في هذا حجة لمن قال: إن السكينة روح، أو شيء له روح، لأنه لا يصح استماع القرآن إلا لمن يعقل، والله أعلم.
[2391]:- هو دقاق الشيء وفُتاته، أي ما يفتت منه عند الكسر.
[2392]:- الاندراج: الانقراض، والمراد أنه كلما انقرض جيل ورثه جيل آخر.