تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم ، أي : في كل شيء يحصل فيه اختلاف ، بخلاف مسائل الإجماع ، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة ، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق ، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض ، ثم لا يكفي ذلك{[213]}  حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر ، وطمأنينة نفس ، وانقياد بالظاهر والباطن .

فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان . فمَن استكمل هذه المراتب وكملها ، فقد استكمل مراتب الدين كلها . فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر ، ومَن تركه ، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين .


[213]:- في ب: هذا التحكيم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

58

وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم . إذ يقسم الله - سبحانه - بذاته العلية ، أنه لا يؤمن مؤمن ، حتى يحكم رسول الله [ ص ] في أمره كله . ثم يمضي راضيا بحكمه ، مسلما بقضائه . ليس في صدره حرج منه ، ولا في نفسه تلجلج في قبوله :

( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليمًا ) . .

ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام . يقرره الله سبحانه بنفسه . ويقسم عليه بذاته . فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام ، ولا تأويل لمؤول .

اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام . . وهي أن هذا القول مرهون بزمان ، وموقوف على طائفة من الناس ! وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا ؛ ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا . فهذه حقيقة كلية من حقائق الإسلام ؛ جاءت في صورة قسم مؤكد ؛ مطلقة من كل قيد . . وليس هناك مجال للوهم أو الإيهام بأن تحكيم رسول الله [ ص ] هو تحكيم شخصه . إنما هو تحكيم شريعته ومنهجه . وإلا لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله مكان بعد وفاته [ ص ] وذلك قول أشد المرتدين ارتدادا على عهد أبى بكر - رضي الله عنه - وهو الذي قاتلهم عليه قتال المرتدين . بل قاتلهم على ما هو دونه بكثير . وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله ، في حكم الزكاة ؛ وعدم قبول حكم رسول الله فيها ، بعد الوفاة !

وإذا كان يكفي لإثبات " الإسلام " أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله . . فانه لا يكفي في " الإيمان " هذا ، ما لم يصحبه الرضى النفسي ، والقبول القلبي ، وإسلام القلب والجنان ، في اطمئنان !

هذا هو الإسلام . . وهذا هو الإيمان . . فلتنظر نفس أين هي من الإسلام ؛ وأين هي من الإيمان ! قبل ادعاء الإسلام وادعاء الإيمان !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

وقوله : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة قال : خاصم الزبير رجلا{[7832]} في شُرَيج{[7833]} من الحَرَّة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زُبير ثم أرْسل الماء إلى جارك " فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أنْ كان ابن عمتك ؟{[7834]} فَتَلَوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدْر ، ثم أرسل الماء إلى جارك " واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حَقّه في صريح الحكم ، حين أحفظه الأنصاري ، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة . قال الزبير : فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية .

وهكذا رواه البخاري هاهنا أعني في كتاب : " التفسير " من صحيحه من حديث معمر : وفي كتاب : " الشرب " من حديث ابن جُرَيْج ومعمر أيضا ، وفي كتاب : " الصلح " من حديث شعيب بن أبي حمزة ، ثلاثتهم عن الزهري عن عروة ، فذكره{[7835]} وصورته صورة الإرسال ، وهو متصل في المعنى .

وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير : أن الزبير كان يحدث : أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة ، كانا يسقيان بها كلاهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير : " اسق ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟{[7836]} فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر " فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ{[7837]} الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم ، قال عروة : فقال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

هكذا رواه الإمام أحمد{[7838]} وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير ؛ فإنه لم يسمع منه ، والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله ، فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في تفسيره فقال :

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، حدثنا الليث ويونس ، عن ابن شهاب ، أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام : أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج في الحَرة ، كانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاري : سَرِّح الماء يَمُر . فأبى عليه الزبير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عَمَّتك ؟ فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر " واستوعى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للزبير حَقّه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ{[7839]} الأنصاري رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك : { فَلا وَرَبِّكَ لا يَؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

وهكذا رواه النسائي من حديث ابن وهب ، به{[7840]} ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث ، به{[7841]} وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير ، وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير ، والله أعلم . والعجب كل العجب من الحاكم أبي عبد الله النيسابوري ، فإنه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه ، عن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير فذكره ، ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . فإني لا أعلم أحدا قام بهذا الإسناد عن الزهري يذكر عبد الله بن الزبير ، غير ابن أخيه ، وهو عنه ضعيف . {[7842]}

وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه : حدثنا محمد بن علي أبو دُحَيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا الفضل بن دُكَين ، حدثنا ابن عُيَيْنة ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة - رجل من آل أبي سلمة - قال : خاصم الزبير رجلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير ، فقال الرجل : إنما قضى له لأنه ابن عمته . فنزلت : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ } الآية{[7843]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو حيوة ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن الزُّهري ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ]{[7844]} } [ الآية ]{[7845]} قال : نزلت في الزبير بن العوام ، وحاطب بن أبي بلتعة . اختصما في ماء ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل . هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري{[7846]} .

ذكر سبب آخر غريب جدا :

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن لَهِيعة ، عن أبي الأسود قال : اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انطلقا{[7847]} إليه " فلما أتيا إليه قال الرجل : يا ابن الخطاب ، قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا ، فقال : ردنا إلى عمر . فردنا إليك . فقال : أكذاك ؟ فقال : نعم فقال عمر : مَكَانَكُمَا حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما . فخرج إليهما مشتملا على سيفه ، فضرب الذي قال رُدَّنا إلى عمر فقتله ، وأدبر الآخر فارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قتل عُمَر والله صاحبي ، ولولا أني أعجزتُه لقتلني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كنت أظن أن يجترئ عُمَر على قتل مؤمن " فأنزل الله : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ }{[7848]} الآية ، فهدر دم ذلك الرجل ، وبرئ عمر من قتله ، فكره الله أن يسن ذلك بعد ، فقال : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا } [ النساء : 66 ] .

وكذا رواه ابن مَرْدُويه من طريق ابن لَهِيعة ، عن أبي الأسود به .

وهو أثر غريب ، وهو مرسل ، وابن لهيعة ضعيف{[7849]} والله أعلم .

طريق أخرى : قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دُحَيْم في تفسيره : حدثنا شُعَيب بن شعيب حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عتبة بن ضَمْرَة ، حدثني أبي : أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل ، فقال المقضيّ عليه : لا أرضى . فقال صاحبه : فما تريد ؟ قال : أن نذهب إلى أبي بكر الصديق ، فذهبا إليه ، فقال الذي قُضي له : قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي{[7850]} فقال أبو بكر : فأنتما على ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم فأبى صاحبه أن يرضى ، قال : نأتي عمر بن الخطاب ، فأتياه ، فقال المقضى له : قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى لي عليه ، فأبى أن يرضى ، [ ثم أتينا أبا بكر ، فقال : أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يرضى ]{[7851]} فسأله عمر ، فقال : كذلك ، فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قدْ سَلَّه ، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى ، فقتله ، فأنزل الله : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [ إلى آخر ]{[7852]} الآية{[7853]} .


[7832]:في أ: "رجلا من الأنصار".
[7833]:في ر: "شريح".
[7834]:في أ: "عمك".
[7835]:صحيح البخاري برقم (4585)، (2361)، (2362)، (2708).
[7836]:في أ: "عمك".
[7837]:في ر: "أخفظ".
[7838]:المسند (1/165).
[7839]:في ر: "أخفظ".
[7840]:سنن النسائي (8/238).
[7841]:المسند (4/4)، وصحيح البخاري برقم (2359)، وصحيح مسلم برقم (2357)، وسنن أبي داود برقم (3637)، وسنن الترمذي برقم (1363)، وسنن النسائي (8/245)، وسنن ابن ماجة برقم (15).
[7842]:المستدرك (3/364).
[7843]:ورواه الحميدي في مسنده برقم (300)، وسعيد بن منصور في سننه برقم (660) من طريق سفيان بن عيينة به مرسلا.
[7844]:زيادة من أ.
[7845]:زيادة من ر، أ.
[7846]:ذكره السيوطي في الدر (2/584).
[7847]:في ر، أ: "نعم انطلقا".
[7848]:في ر، أ جاءت الآية تامة.
[7849]:ذكره السيوطي في الدر (2/585).
[7850]:في أ: "عليه".
[7851]:زيادة من أ، ر.
[7852]:زيادة من أ، ر.
[7853]:وذكره المؤلف ابن كثير في مسند عمر بن الخطاب.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

{ فلا وربك } أي فوربك ، ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله : { لا يؤمنون } لأنها تزاد أيضا في الإثبات كقوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد } .

{ حتى يحكموك فيما شجر بينهم } فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه . { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } ضيقا مما حكمت به ، أو من حكمك أو شكا من أجله ، فإن الشاك في ضيق من أمره . { ويسلموا تسليما } وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

قال الطبري : قوله : { فلا } رد على ما تقدم ، تقديره : فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، ثم استأنف القسم بقوله ، { وربك لا يؤمنون } .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وقال غيره : إنما قدم «لا » على القسم اهتماماً بالنفي ، وإظهاراً لقوته ، ثم كررها بعده تأكيداً للتهمم بالنفي ، و كان يصح إسقاط { لا } الثانية ، ويبقى أكثر الاهتمام بتقديم الأولى ، وكان يصح إسقاط الأولى ويبقى معنى النفي ، ويذهب معنى الاهتمام{[4132]} ، و { شجر } معناه : اختلط والتف من أمورهم ، وهو من الشجر ، شبيه بالتفاف الأغصان ، وكذلك الشجير الذي امتزجت مودته بمودة صاحبه{[4133]} ، وقرأ أبو السمال «شجْر » بإسكان الجيم .

قال القاضي أبو محمد : وأظنه فر من توالي الحركات ، وليس بالقوي ، لخفة الفتحة ، و { يحكموك } نصب بحتى ، لأنها هاهنا غاية مجردة . و { يجدوا } عطف عليه ، والحرج : الضيق والتكلف والمشقة ، قال مجاهد : { حرجاً } ، شكاً{[4134]} ، وقوله : { تسليماً } مصدر مؤكد ، منبىء على التحقيق في التسليم ، لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة ، كما قال تعالى : { وكلم الله موسى تكليماً }{[4135]} [ النساء : 164 ] وقد تجيء به مبالغة وإن لم يقع ، ومنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وعجت عجيجاً من جدام المطارف{[4136]} .

وقال مجاهد وغيره : المراد بهذه الآية من تقدم ذكره ، ممن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، وفيهم نزلت ، ورجح الطبري هذا ، لأنه أشبه بنسق الآية وقالت طائفة : نزلت في رجل خاصم الزبير بن العوام في السقي بماء الحرة ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب ذلك الرجل وقال آن كان ابن عمتك ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستوعب للزبير حقه ، فقال : احبس يا زبير الماء حتى يبلغ الجدر ، ثم أرسل الماء ، » فنزلت الآية{[4137]} ، واختلف أهل هذا القول في الرجل ، فقال قوم : هو رجل من الأنصار من أهل بدر ، وقال مكي وغيره : هو حاطب بن أبي بلتعة .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والصحيح الذي وقع في البخاري أنه رجل من الأنصار ، وأن الزبير قال : فما أحسب أن هذه الآية نزلت إلا في ذلك ، وقالت طائفة : لما قتل عمر الرجل المنافق الذي لم يرض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم ، بلغ ذلك النبي وعظم عليه ، وقال : ( ما كنت أظن أن عمر يجترىء على قتل رجل مؤمن ){[4138]} ، فنزلت الآية نافية لإيمان ذلك الرجل الراد لحكم النبي ، مقيمة عذر عمر بن الخطاب في قتله .


[4132]:- يرى الزمخشري أن [لا] الثانية زائدة، كما زيدت في [لئلا يعلم] لتأكيد وجوب العلم، و[لا يؤمنون] جواب القسم. و[حتى] هنا غاية، أي: ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية.
[4133]:- ويقال لعصي الهودج: شجار، لتداخل بعضها في بعض، قال الشاعر: نفسي فداؤك والرماح شواجر والقوم ضنك للقاء قيام وقال طرفة: وهم الحكام أرباب الهدى وسعاة الناس في الأمر الشجر
[4134]:- لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يأتيه البيان والوضوح، وبسبب الضيق قيل للشجر الملتف: حرج وحرجة، والجمع: حراج.
[4135]:- من قوله تعالى في الآية (124) من سورة النساء: {ورسلا قد قصصنا عليك من قبل، ورسلا لم نقصصهم عليك، وكلم الله موسى تكليما}
[4136]:- عجّ يعجّ ويعجّ عجّا وعجيجا: رفع صوته وصاح، وقيده في التهذيب فقال: بالدعاء والاستغاثة، وجذام: قبيلة تهجوها الشاعرة بأنها ليست أهلا للنعيم، والمطارف: أردية من خز مربعة لها أعلام، والواحد: مطرف ومُطرف، وقال الفراء: المطرف من الثياب: ما جعل في طرفيه علمان. والبيت لهند بنت النعمان بن بشير. وسيأتي زيادة إيضاح.
[4137]:- أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، عبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وأصحاب السنن من طريق الزهري، وأخرجه الحميدي، وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير وغيرهم عن أم سلمة. (الدر المنثور). وقول الرجل الأنصاري للرسول عليه الصلاة والسلام: (آن كان) بمد همزة (أن) المفتوحة على سبيل الإنكار، أي: أتحكم عليّ لأجل قرابته لك؟ وقوله في الحديث: (الجدر) معناه: ما رفع حول المزروعة فصار كالجدار.
[4138]:- أخرج الحديث مع اختلاف في بعض الألفاظ ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود