تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما ، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد . واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها ، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد ، ولم يذكر أنه أنزلها ، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك ، ويدل على ذلك ، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى ، ولا له وجود . ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله ، والله لا يخلف الميعاد ، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه .

أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا ، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم ، ينقله الخلف عن السلف ، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل ، ويدل على هذا المعنى قوله : { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } والله أعلم بحقيقة الحال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

واستجاب الله دعاء عبده الصالح عيسى بن مريم ؛ ولكن بالجد اللائق بجلاله سبحانه . . لقد طلبوا خارقة . واستجاب الله . على أن يعذب من يكفر منهم بعد هذه الخارقة عذابا شديدا بالغا في شدته لا يعذبه أحدا من العالمين :

( قال الله : إني منزلها عليكم ، فمن يكفر بعد منكم ، فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) . .

فهذا هو الجد اللائق بجلال الله ؛ حتى لا يصبح طلب الخوارق تسلية ولهوا . وحتى لا يمضي الذين يكفرون بعد البرهان المفحم دون جزاء رادع !

وقد مضت سنة الله من قبل بهلاك من يكذبون بالرسل بعد المعجزة . . فأما هنا فإن النص يحتمل أن يكون هذا العذاب في الدنيا ، أو أن يكون في الآخرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ اللّهُ إِنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّيَ أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ الْعَالَمِينَ } . .

وهذا جواب من الله تعالى القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم من إنزاله مائدة عليهم ، فقال تعالى ذكره : إني منزلها عليكم أيها الحواريون فمطعكموها . " فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ " يقول : فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه وينكر نبوّة نبي عيسى صلى الله عليه وسلم ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته ، فإني أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من عالمي زمانه . ففعل القوم ، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم فيما ذكر لنا ، فعذّبوا فيما بلغنا بأن مسخوا قردة وخنازير . كالذي :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ . . . . " الاية ، ذكر لنا أنهم حوّلوا خنازير .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عديّ ، ومحمد بن جعفر ، عن عوف ، عن أبي المغيرة القوّاس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : إن أشدّ الناس عذابا ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن عوف ، قال : سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول : قال عبد الله بن عمرو : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة : مَنْ كفر من أصحاب المائدة ، والمنافقون ، وآل فرعون .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : " فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ " بعد ما جاءته المائدة ، " فإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لا أُعَذّبُهُ أحَدا مِنَ العالَمِينَ " يقول : أعذّبه بعذاب لا أعذّبه أحدا من العالمين غير أهل المائدة .