{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما ، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد . واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها ، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد ، ولم يذكر أنه أنزلها ، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك ، ويدل على ذلك ، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى ، ولا له وجود . ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله ، والله لا يخلف الميعاد ، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه .
أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا ، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم ، ينقله الخلف عن السلف ، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل ، ويدل على هذا المعنى قوله : { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } والله أعلم بحقيقة الحال .
واستجاب الله دعاء عبده الصالح عيسى بن مريم ؛ ولكن بالجد اللائق بجلاله سبحانه . . لقد طلبوا خارقة . واستجاب الله . على أن يعذب من يكفر منهم بعد هذه الخارقة عذابا شديدا بالغا في شدته لا يعذبه أحدا من العالمين :
( قال الله : إني منزلها عليكم ، فمن يكفر بعد منكم ، فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) . .
فهذا هو الجد اللائق بجلال الله ؛ حتى لا يصبح طلب الخوارق تسلية ولهوا . وحتى لا يمضي الذين يكفرون بعد البرهان المفحم دون جزاء رادع !
وقد مضت سنة الله من قبل بهلاك من يكذبون بالرسل بعد المعجزة . . فأما هنا فإن النص يحتمل أن يكون هذا العذاب في الدنيا ، أو أن يكون في الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ اللّهُ إِنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّيَ أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ الْعَالَمِينَ } . .
وهذا جواب من الله تعالى القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم من إنزاله مائدة عليهم ، فقال تعالى ذكره : إني منزلها عليكم أيها الحواريون فمطعكموها . " فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ " يقول : فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه وينكر نبوّة نبي عيسى صلى الله عليه وسلم ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته ، فإني أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من عالمي زمانه . ففعل القوم ، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم فيما ذكر لنا ، فعذّبوا فيما بلغنا بأن مسخوا قردة وخنازير . كالذي :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ . . . . " الاية ، ذكر لنا أنهم حوّلوا خنازير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عديّ ، ومحمد بن جعفر ، عن عوف ، عن أبي المغيرة القوّاس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : إن أشدّ الناس عذابا ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن عوف ، قال : سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول : قال عبد الله بن عمرو : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة : مَنْ كفر من أصحاب المائدة ، والمنافقون ، وآل فرعون .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : " فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ " بعد ما جاءته المائدة ، " فإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لا أُعَذّبُهُ أحَدا مِنَ العالَمِينَ " يقول : أعذّبه بعذاب لا أعذّبه أحدا من العالمين غير أهل المائدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.