تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

115- قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحد من العالمين .

استجاب الحق سبحانه وتعالى لدعاء عيسى عليه السلام ، ولكن بالجد اللائق بجلاله سبحانه . . لقد طلبوا خارقة ، واستجاب الله تعالى على أن يعذب من يكفر منهم بعد هذه الخارقة عذابا شديدا بالغا في شدته لا يعذبه أحدا من العالمين فقد مضت سنة الله تعالى من قبل بهلاك من يكذبون بالرسل بعد المعجزة ، حيث لا عذر لمن يرى الآيات تترى في الرسول ثم يطلب معجزة على النحو الذي اقترحه ، فيجاب لها ، ثم بعد ذلك يكفر ، ونحن نثق بأن الأمر كان معجزة في حد ذاتها فنزلت مائدة من السماء عليها طعام كثير ويكفي جميع الموجودين .

أما صفة المائدة ، وأنواع طعامها ، فلم يجئ فيها دليل يعول عليه .

قال ابن جرير الطبري : ( وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة فأن يقال : كان عليها مأكول ، وجائز أن يكون هذا المأكول سمكا وخبزا ، وجائز أن يكون من ثمار الجنة ، وغير نافع العلم به ، ولا ضار الجهل به ، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل ( 43 ) .

وهذه القصة لم ترد في الأناجيل الموجودة في أيدينا ، والقرآن الكريم قد بين كثيرا مما أخفاه أهل الكتاب ، أو ضاع منهم علمه بسبب ما ، والقرآن مهيمن على هذه الكتب السابقة ومتمم لها .

وبعض القصص ورد في القرآن ولم يرد في التوراة أو الأناجيل ، لأن التحريف قد دخل في التوراة والأناجيل ولم يدخل في القرآن الكريم .

قال تعالى : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . ( المائدة : 15 ) .

وقد ورد في كتب التفسير وصف للمائدة وأنواع الطعام التي نزلت ، مثل ما روي أن الملائكة نزلت بالمائدة عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم ( 44 ) .

قال ابن كثير : و هذه أخبار أسانيدها ضعيفة ولا تخلوا عن غرابة ونكارة ( 45 ) .

هل نزلت المائدة بالفعل ؟

تفيد الآيات القرآنية أن الحواريين قد طلبوا من عيسى أن يدعو ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، وأن عيسى قد دعا ربه فعلا أن ينزلها .

لكن هل نزلت المائدة بالفعل ؟

يرى الحسن ومجاهد أن المائدة لم تنزل ، فقد روى ابن جرير بسنده عن قتادة قال : كان الحسن يقول لما قيل لهم : فمن يكفر بعد منكم قالوا : لا حاجة لنا فيها ، فلم تنزل .

والجمهور يرون أنها نزلت لأن الله وعد بذلك في قولها إني منزلها عليكم .

وروح الآيات القرآنية تؤيد رأي الجمهور وكذلك الآثار التي وردت ترجح رأي الجمهور .