نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

ولما كان ظاهر سؤالهم من{[28258]} الاستفهام عن الاستطاعة للاضطراب{[28259]} وإن كان للإلهاب ، أكد{[28260]} الجواب فقال : { إني منزلها عليكم } أي الآن بقدرتي الخاصة بي { فمن يكفر بعد } أي بعد إنزالها { منكم } وهذا السياق مشعر بأنه يحصل{[28261]} منهم كفر ، وقد وجد ذلك حتى في الحواريين على ما يقال في يهودا الإسخريوطي أحدهم الذي دل على عيسى عليه السلام ، فألقى شبهه عليه ، ولهذا{[28262]} خصه بهذا العذاب فقال : { فإني أعذبه } أي على سبيل البتّ والقطع { عذاباً لا أعذبه } أي مثله أبداً فيما يأتي من الزمان { أحداً من العالمين * } وفي هذا أتم زاجر لهذه الأمة عن اقتراح الآيات ، وفي ذكر قصة المائدة في هذه السورة التي افتتحت بإحلال المآكل واختتمت بها أعظم تناسب ، وفي ذلك كله إشارة إلى تذكير هذه الأمة بما أنعم عليها بما أعطى نبيها من المعجزات ومنَّ عليها به{[28263]} من حسن الاتباع ، وتحذير من كفران هذه النعم المعددة{[28264]} عليهم ، وقد اختلف المفسرون في حقيقة هذه المائدة وفي أحوالها ؛ قال أبو حيان : وأحسن ما يقال فيه ما خرجه{[28265]} الترمذي في أبواب التفسير عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً ، وأمروا أن لا يدخروا لغد ولا يخونوا ، فخانوا وادخروا{[28266]} ورفعوا{[28267]} لغد ، فمسخوا{[28268]} قردة وخنازير " انتهى . قلت : ثم{[28269]} صحح الترمذي وقفه على عمار وقال : لا نعلم{[28270]} للحديث المرفوع أصلاً ، غير أن ذلك لا يضره لكونه لا يقال من قِبَل الرأي ، ولا أعلم{[28271]} أحداً ذكر عماراً فيمن أخذ عن أهل الكتاب ، فهو مرفوع حكماً ، وهذا الخبر يؤكد{[28272]} أن الخبر في الآية على بابه ، فيدفع قول من قال : إنها لم تنزل ، لأنهم لما سمعوا الشرط قالوا : لا حاجة لنا بها ، لأن خبره تعالى لا يخلف ولا يبدل القول لديه ، وهذا الرزق الذي من السماء قد وقع مثله لآحاد الأمة ؛ روى البيهقي في أواخر الدلائل عن أبي هريرة قال : كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في رمضان ، فأقبلت تطلب{[28273]} من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقيت رجلاً من اليهود فقال : ما لك يا أم شريك ؟ قالت{[28274]} : أطلب رجلاً يصحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فتعالي فأنا{[28275]} أصحبك ، قالت : فانتظرني حتى أملأ سقائي ماءً ، قال : معي ماء{[28276]} {[28277]} ما لا تريدين{[28278]} ماءً ، فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا ، فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى وقال : يا أم شريك ! تعالي إلى العشاء ! فقالت : اسقني من الماء فإني عطشى ، ولا أستطيع أن{[28279]} آكل حتى أشرب ، فقال لها : لا أسقيك حتى تهودي{[28280]} ! فقالت : لا جزاك الله خيراً ! غربتني ومنعتني أن{[28281]} أحمل ماء ، فقال : لا والله لا{[28282]} أسقيك منه قطرة حتى تهودي ، فقالت : لا والله لا أتهود أبداً بعد إذ هداني الله للإسلام ؛ فأقبلت إلى بعيرها فعقلته{[28283]} ووضعت رأسها على ركبته فنامت ، قالت : فما أيقظني إلا برد دلو{[28284]} قد وقع{[28285]} على جبيني{[28286]} ، فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، فشربت حتى رويت ، ثم نضحت على سقائي حتى ابتل ثم ملأته ، ثم رفع بين يديّ وأنا أنظر حتى توارى عني في السماء ، فلما أصبحت جاء اليهودي فقال : يا أم شريك ! قلت : والله قد سقاني الله ، قال : من أين أنزل عليك ؟ من السماء ؟ قلت : نعم ، والله لقد أنزل الله عليّ من السماء ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء ؛ ثم أقبلت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصت عليه القصة ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نفسها فقالت : يا رسول الله ! لست أرضي نفسي لك ولكن بضعي لك فزوجني من شئت ، فزوجها زيداً وأمر لها بثلاثين صاعاً وقال : كلوا ولا تكيلوا ، وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لجارية لها : بلغي{[28287]} هذه العكة رسول{[28288]} الله صلى الله عليه وسلم ، قولي : أم شريك تقرئك السلام ، وقولي : هذه عكة سمن أهديناها لك ، فانطلقت بها الجارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{[28289]} فأخذوها ففرغوها ، وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : علقوها ولا توكوها ، فعلقوها في مكانها ، فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمناً ، فقالت : يا فلانة{[28290]} ! أليس أمرتك أن{[28291]} تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالت : قد والله انطلقت بها كما قلت ، ثم أقبلت بها أضربها{[28292]} ما يقطر منها شيء ولكنه قال : علقوها ولا توكوها ، فعلقتها في مكانها ، وقد{[28293]} أوكتها أم شريك حين رأتها{[28294]} مملوءة فأكلوا منها حتى فنيت ، ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعاً لم ينقص منه شيء ، قال : وروي ذلك من وجه آخر ، ولحديثه{[28295]} شاهد صحيح عن جابر رضي الله عنه .

وروي بإسناده عن أبي عمران الجوني أن أم أيمن هاجرت من مكة إلى المدينة وليس معها زاد ، فلما كانت عند الروحاء وذلك عند غيبوبة الشمس عطشت عطشاً شديداً ، قالت : فسمعت هفيفاً{[28296]} شديداً فوق رأسي ، فرفعت رأسي فإذا دلو مدلى من السماء برشاء أبيض ، فتناولته بيدي حتى استمسكت به{[28297]} ، قالت : فشربت منه حتى رويت ، قالت : فلقد أصوم بعد تلك الشربة{[28298]} في اليوم الحار الشديد الحر ثم أطوف في الشمس كي أظمأ فما ظمئت بعد تلك الشربة . قال{[28299]} : وفي الجهاد عن البخاري عن أبي هريرة قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عيناً ، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم{[28300]} بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم - فذكر الحديث حتى قال : فابتاع خبيباً - يعني ابن عدي الأنصاري - بنو الحارث{[28301]} بن عامر{[28302]} بن نوفل بن عبد مناف ، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر{[28303]} يوم بدر ، فلبث خبيب عندهم أسيراً ، فأخبرني{[28304]} عبيد الله بن عياض{[28305]} أن ابنة الحارث{[28306]} قالت : والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب ، والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر{[28307]} ، وكانت تقول : إنه لرزق{[28308]} من الله{[28309]} رزق خبيباً "

الحديث .


[28258]:في ظ: في.
[28259]:من ظ، وفي الأصل: الاضطراب.
[28260]:سقط من ظ.
[28261]:تكرر في الأصل.
[28262]:في ظ: لذلك.
[28263]:في ظ: بها.
[28264]:في ظ: المعدودة.
[28265]:في ظ: أخرجه.
[28266]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[28267]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[28268]:من ظ وجامع الترمذي- أبواب التفسير، وفي الأصل: مسخوا.
[28269]:سقط من ظ.
[28270]:في ظ: لا يعلم.
[28271]:في ظ: لا يعلم.
[28272]:في ظ: موكدا.
[28273]:من ظ والدلائل، وفي الأصل: نطلب.
[28274]:في ظ: فقالت.
[28275]:في ظ: وأنا، وفي الدلائل: أنا- راجع "باب فيما ظهر من الكرامات على أم شريك".
[28276]:ليس في ظ والدلائل، وموجود في رواية البيهقي في الخصائ الكبرى.
[28277]:في الدلائل: لا ترددين، وفي الأصل ما لا نريد من، وفي ظ: لا نريد من– كذا.
[28278]:في الدلائل: لا ترددين، وفي الأصل ما لا نريد من، وفي ظ: لا نريد من– كذا.
[28279]:سقط من ظ.
[28280]:زيد بعده في الأصل: معي، ولم تكن الزيادة في ظ والدلائل فحذفناها.
[28281]:زيد من الدلائل.
[28282]:سقط من ظ.
[28283]:في ظ: فعلفته.
[28284]:زيدت الواو بعده في الدلائل.
[28285]:من الدلائل، وفي الأصل و ظ: في جنبي.
[28286]:من الدلائل، وفي الأصل و ظ: في جنبي.
[28287]:من الدلائل، وفي الأصل: تأتي، وفي ظ: بلغي- كذا.
[28288]:من ظ والدلائل، وفي الأصل: لرسول.
[28289]:زيد من الدلائل.
[28290]:من ظ والدلائل، وفي الأصل: فلالل- كذا.
[28291]:سقط من ظ.
[28292]:في الخصائص 2/53: أصوبها.
[28293]:من الدلائل، وفي الأصل و ظ: أوكاها شريك حين رآها- كذا.
[28294]:من الدلائل، وفي الأصل و ظ: أوكاها شريك حين رآها- كذا.
[28295]:في ظ: لحديث في.
[28296]:في الدلائل: حفيفا- والمعنى واحد.
[28297]:سقط من ظ.
[28298]:زيد من الدلائل.
[28299]:سقط من ظ.
[28300]:زيد في ظ: ابن ثابت الأنصاري.
[28301]:العبارة من هنا إلى " ابنة الحارث" ساقطة من ظ.
[28302]:تكرر في الأصل، وما ورد التكرار في صحيح البخاري.
[28303]:تكرر في الأصل، وما ورد التكرار في صحيح البخاري.
[28304]:بين سطري الصحيح: قائله الزهري.
[28305]:من الصحيح، وفي الأصل: عاص- كذا.
[28306]:وقع هنا اختصار، وراجع لمزيد التفصيل صحيح البخاري- باب " هل يستأسر الرجل" من كتاب الجهاد.
[28307]:من الصحيح، وفي الأصل و ظ: تمر.
[28308]:من الصحيح، وفي الأصل و ظ: رزق.
[28309]:زيد بعده في ظ: ما.