{ قَالَ الله } استئناف كما سبق { إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ } ورودُ الإجابة منه تعالى بصيغة التفعيل المُنْبئة عن التكثير مع كون الدعاء منه عليه السلام بصيغة الإفعال لإظهار كمالِ اللطف والإحسان ، كما في قوله تعالى : { قُلِ الله يُنَجّيكُمْ منْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ } [ الأنعام ، الآية 64 ] الخ ، بعد قوله تعالى : { لئِنْ أنجانا مِنْ هذه } [ الأنعام ، الآية 63 ] الخ ، مع ما فيه من مراعاة ما وقعَ في عبارة السائلين ، وفي تصدير الجملة بكلمة التحقيق وجعلِ خبرِها اسماً ، تحقيقٌ للوعد وإيذان بأنه تعالى منجزٌ له لا محالة من غير صارفٍ يَثنيه ولا مانعٍ يَلويه ، وإشعارٌ بالاستمرار أي إني منزلُ المائدة عليكم مراتٍ كثيرة ، وقرئ بالتخفيف ، وقيل : الإنزالُ والتنزيلُ بمعنى واحد { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ } أي بعد تنزيلها { منكُمْ } متعلق بمحذوفٍ وقع حالاً من فاعل ( يكفرْ ) { فَإِنّي أُعَذّبُهُ } بسبب كفره بعد معاينة هذه الآيةِ الباهرة { عَذَاباً } اسم مصدرٍ بمعنى التعذيب ، وقيل : مصدر بحذف الزوائد ، وانتصابه على المصدرية بالتقديرين المذكورين ، وجَوَّز أن يكون الفعل مفعولاً به على الاتساع ، وقوله تعالى : { لا أُعَذّبُهُ } في محل النصب على أنه صفة لعذاباً ، والضمير له أي ( أعذبه ) تعذيباً لا أعذب مثل ذلك التعذيب { أَحَداً من العالمين } أي من عالَمِي زمانِهم أو من العالمين جميعاً ، قيل : لما سمعوا هذا الوعيد الشديد خافوا أن يكفر بعضُهم ، فاستعفَوْا وقالوا : لا نريدها فلم تنزِلْ ، وبه قال مجاهدٌ والحسن رحمهما الله : والصحيحُ الذي عليه جماهيرُ الأمة ومشاهيرُ الأئمة أنها قد نزلت . روي ( أنه عليه السلام لما دعا بما دعا وأُجيب بما أجيب ، إذا بسفْرةٍ حمراءَ نزلت بين غمامتين ، غمامةٌ من فوقها وغمامةٌ من تحتها ، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمةً للعالمين ، ولا تجعلها مُثْلةً وعقوبة ، ثم قام وتوضأ وصلى وبكى ، ثم كشف المنديل وقال : بسم الله خيرِ الرازقين ، فإذا سَمَكةٌ مشوية بلا فلوس{[194]} ولا شَوْك تسيل دسَماً ، وعند رأسها مِلْحٌ وعند ذنبها خَلٌّ ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكُرَّاثَ ، وإذا خمسةُ أرغفةٍ على واحد منها زيتونٌ ، وعلى الثاني عَسَلٌ ، وعلى الثالث سَمْنٌ ، وعلى الرابع جُبْنٌ ، وعلى الخامس قدَيدٌ ، فقال شمعونُ رأسُ الحواريين : يا روحَ الله أمن طعام الدنيا أو من طعام الآخرة ؟ قال : ليس منهما ولكنه شيء اخترعه الله تعالى بالقُدرة العالية ، كلوا ما سألتم واشكروا يُمدِدْكم الله ويزِدْكم من فضله ، فقالوا : يا روحَ الله لو أَرَيتَنا من هذه الآية آيةً أخرى ؟ فقال : يا سمكةُ احْيَيْ بإذنِ الله ، فاضطربت ، ثم قال لها : عُودي كما كنت ، فعادَتْ مشويةً ثم طارت المائدة ، ثم عَصَوا فمُسخوا قردةً وخنازيرَ ) . وقيل : كانت تأتيهم أربعين يوماً غِباً{[195]} ، يجتمع عليها الفقراء والأغنياء ، والصغار والكبار ، يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظللها . ولم يأكل منها فقير إلا غَنِيَ مدةَ عُمُرِه ، ولا مريضٌ إلا برِئَ ولم يمرَضْ أبداً ، ثم أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام : أنِ اجعلْ مائدتي في الفقراء والمرضَى دون الأغنياء والأصحاء ، فاضطرب الناسُ لذلك فمُسِخَ منهم من مُسِخَ ، فأصبحوا خنازيرَ يسعَوْن في الطرقات والكُناسات{[196]} ، ويأكلون العَذِرة في الحُشوش{[197]} ، فلما رأى الناس ذلك فزِعوا إلى عيسى عليه السلام وبكَوُا الممسوخين ، فلما أبصرت الخنازيرُ عيسى عليه السلام بكتْ وجعلت تطيف به ، وجعل يدعوهم بأسمائهم واحداً بعد واحد ، فيبكُون ويُشيرون برؤوسهم ، ولا يقدِرون على الكلام ، فعاشوا ثلاثةَ أيام ثم هلَكوا . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن عيسى عليه السلام قال لهم : صوموا ثلاثين يوماً ثم سَلوا الله ما شئتم يُعطِكم ، فصاموا فلما فرَغوا قالوا : إنا لو عمِلنا لأحدٍ فقضَيْنا عملَه لأطعَمَنا ، وسألوا الله تعالى المائدة ، فأقبلت الملائكةُ بمائدة يحمِلونها عليها سبعةُ أرغفةٍ وسبعةُ أحواتٍ ، حتى وضعتْها بين أيديهم ، فأكل منها آخِرُ الناس كما أكل منها أولُهم . قال كعب : نزلت منكوسةً تطير بها الملائكةُ بين السماء والأرض ، عليها كلُّ الطعام إلا اللحمَ . وقال قتادة : كان عليها ثمرٌ من ثمار الجنة . وقال عطيةُ العوفي : نزلت من السماء سمكةٌ فيها طعمُ كل شيء . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت سمكةٌ وخمسةُ أرغفةٍ فأكلوا ما شاء الله تعالى والناس ألفٌ ونيِّفٌ ، فلما رجعوا إلى قُراهم ونشروا الحديث ضحِك من لم يشهَدْ وقالوا : ويحكم إنما سحَر أعينَكم ، فمن أراد الله به الخيرَ ثبّته على بصيرة ، ومن أراد فتنته رجَع إلى كفره ، فمُسخوا خنازيرَ ، فمكثوا كذلك ثلاثةَ أيام ثم هلكوا لم يتوالدوا ، ولم يأكُلوا ولم يشربوا ، وكذلك كلُّ ممسوخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.