تفسير الأعقم - الأعقم  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

{ فمن يكفر بعد منكم } أي بعد نزولها { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } عالمي زمانهم ، فجحد القوم ، وكفروا بعد نزول المائدة ، فمسخوا قردة وخنازير ، وروي أن عيسى ( عليه السلام ) لما أراد الدعاء لبس صوفاً ثم قال : { اللهم انزل علينا مائدة من السماء } والمائدة الخوان عليها الطعام ، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وأخرى تحتها وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ( عليه السلام ) وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة ، فقال لهم : ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم الله عليها ويأكل منها ، قال شمعون كبير الحواريين : أنت أولى بذلك يا روح الله ، فقام عيسى ( عليه السلام ) فتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل فقال : بسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً ، وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، قال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة ؟ فقال : ليس شيء منهما ، ولكنه شيء اخترعه الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم ، واشكروا الله يمددكم ويزدكم من فضله ، قال الحواريون : يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى ، فقال عيسى ( عليه السلام ) : يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى ، فاضطربت ، ثم قال لها : عودي كما كنت ، فعادت مشوية ، ثم طارت المائدة ، روي ذلك في الكشاف المتقدم ، وقيل : تنزل كل يوم مرة ، وقيل : كانت بكرة وعشياً ، وقيل : كانت غبَّاً تنزل يوم دون يوم ، قيل : أقامت أربعين يوم يأكل منها خمسة آلاف نفس كل يوم فخانوا وادخروا فرفعت ، وقيل : كانت فيها جبن وسكر ، وقيل : ثمار من ثمار الجنة ، وقيل : كان عليها من كل الطعام إلا اللحم ، وقيل : كان في السمكة طعم كل شيء ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلا برئ ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير ، وروي : أنهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله : { فمن يكفر بعد منكم } قالوا : لا نريد فلم تنزل ، وعن الحسن : والله ما نزلت ولو نزلت لكانت عيد إلى يوم القيامة ، لقوله : { وآخرنا } ، قال جار الله : والصحيح أنها نزلت ، وروى الثعلبي : أنها أقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم أكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم ، وروي فيه أيضاً : كانت المائدة إذا وضعت بين يدي بني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي من السماء بكل طعام إلا اللحم ، وروي : أن ما أحد أكل منها من أهل العلل إلاَّ برئ ، ولا فقير إلا استغنى ، وروي أنها كانت إذا نزلت اجتمع اليها الناس الكبار والصغار والفقراء والأغنياء والرجال والنساء ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى ( عليه السلام ) أن اجعل رزقي ومائدتي للفقراء لا الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا فقال لهم عيسى ( عليه السلام ) : هلكتم فشمروا لعذاب الله تعالى ، وروي أنه مسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلاً أصبحوا خنازير يسعون في الكناسات ، وقيل : كانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم من امرأة ولا صبي ، فلما نظرت الخنازير إلى عيسى ( عليه السلام ) بكت وجعل عيسى ( عليه السلام ) يدعوهم بأسمائهم واحداً واحداً فيبكون ولا يقدرون على الكلام ، روى ذلك الثعلبي .