{ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } يعني المائدة .
وقرأ أهل الشام والمدينة ، وقتادة وعاصم : منزلها في التشديد لأنها نزلت وقرأت والتفعل يدل في الكثير مرة بعد مرة لقوله ونزلناه تنزيلاً .
وقرأ الباقون بالتخفيف لقوله : أنزل علينا { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } أي بعد نزول المائدة فمسخوا قردة وخنازير .
وقال عبد اللّه بن عمران : أشد الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .
واختلف العلماء في المائدة هل نزلت عليهم أم لا ؟ فقال مجاهد : ما نزلت المائدة وهذا مثل ضربه اللّه .
وقال الحسن : واللّه ما نزلت مائدة إن القوم لما سمعوا الشرط وقيل لهم { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } الآية ، استغفروا وقالوا : لا نريدها ولا حاجة فيها فلم ينزل ، والصواب أنها نزلت لقوله : { إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } ولا يقع في خبره الخلف ، وتواترت . الأخبار عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وغيرهم من علماء الدين في نزولها ، قال كعب : نزلت يوم الأحد ، لذلك اتخذه النصارى عيداً .
واختلفوا في صفتها وكيف نزولها وما عليها .
فروى قتادة عن جلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت المائدة خبزاً ولحماً وذلك أنهم سألوا عيسى طعاماً يأكلون منه لا ينفد ، قال ، فقيل لهم : فإنها مقيمة لكم ما لم تخونوا أو تخبوا أو ترفعوا فإن فعلتم ذلك عذبتكم ، قال : فما مضى يومهم حتى خبوا ورفعوا وخانوا " .
وقال إسحاق بن عبد اللّه : إن بعضهم سرق منها ، وقال لعلها لا تنزل أبداً فرفعت ومسخوا قردة وخنازير .
وقال ابن عباس : إن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل : صوموا ثلاثين يوماً ثم سلوا اللّه ما شئتم يعطكموه فصاموا ثلاثين يوماً فلما فرغوا قالوا : يا عيسى إنا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا طعاماً ولأصبحنا من وجعنا ، فادع لنا اللّه أن ينزل علينا مائدة من السماء فنزل الملائكة بمائدة يحملونها ، عليه سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم وأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم .
وروى عطاء بن سائب عن باذان وميسرة قالا : كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي من السماء بكل طعام إلاّ اللحم .
وقال ابن جبير عن ابن عباس : أنزل على المائدة كل شيء إلاّ الخبز واللحم .
قال عطاء : نزل عليها كل شيء إلاّ السمك واللحم .
قال العوفي : نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء .
وقال عمار وقتادة : كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمر من ثمار الجنة .
وقال وهب بن منبه : أنزل اللّه أقرصة من شعير وحيتاناً ، فقيل لوهب : ما كان ذلك يغني عنهم ، قال : لا شيء ولكن اللّه أضعف لهم البركة ، فكان لهم يأكلون ثم يخرجون فيجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوها جميعهم وفضل .
وقال الكلبي ومقاتل : استجاب اللّه لعيسى ( عليه السلام ) فقال إني منزلها عليكم كما سألتم فمن أكل من ذلك الطعام ثم لا يؤمن جعلته مثلاً ، ولعنة لمن بعدهم ، قالوا : قد رضينا فدعا شمعون وكان أفضل الحواريين ، فقال : هل لكم طعام ؟ قال : نعم معي سمكتان صغيرتان وستة أرغفة ، فقال : عليّ بها فقطعهن عيسى قطعاً صغاراً ، ثم قال : اقعدوا في روضة فترفقوا رفاقاً كل رفقة عشرة ، ثم قام عيسى ودعا اللّه فاستجاب اللّه له ونزل فيها البركة فصار خبزاً صحاحاً وسمكاً صحاحاً ، ثم قام عيسى فجعل يلقي في كل رفقة ما عملت أصابعه ثم قال : كلوا بسم اللّه فجعل الطعام يكثر حتى بلغ ركبهم فأكلوا ما شاء اللّه وفضل خمس الذيل ، والناس خمسة آلاف ونيف .
وقال الناس جميعاً : نشهد إنك عبده ورسوله ، ثم سألوا مرة أخرى فدعا عيسى ( عليه السلام ) فأنزل اللّه خبزاً وسمكاً وخمسة أرغفة وسمكتين فصنع بها ما صنع في المرة الأولى فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا هذا الحديث ضحك منهم من لم يشهدوا وقالوا لهم : ويحكم إنما سحر أعينكم . فمن أراد به الخير بثَّته على بصيرته ومن أراد فتنته رجع إلى كفره ، فمسخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا إمرأة فمكثوا بذلك أيام ثم هلكوا ولم تبق ، ولم يأكلوا ولم يشربوا فكذلك كل ممسوخ .
وقال كعب الأحبار : نزلت مائدة منكوسة من السماء تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل طعام إلاّ اللحم .
وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشية حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل .
فقال يمان بن رئاب : كانوا يأكلون منها ما شاءوا .
وروى عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي إنه قال : واللّه ما اتبع عيسى ( عليه السلام ) شيئاً من المآذي قط ولا انتهر شيئاً ولا قهقه ضحكاً ولا ذبّ ذباباً عن وجهه ولا أخلف على أنفه من أي شيء قط ولا عتب إليه . ولما سأله الحواريون أن ينزل عليهم المائدة لبس صوفاً وبكى ، وقال : اللهم أنزل علينا مائدة من السماء الآية وارزقنا عليها طعاماً نأكله وأنت خير الرازقين فنزل اللّه سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها [ وهي تجيء مرتفعة ] حتى سقطت من أيديهم فبكى عيسى فقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة .
واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحه ، فقال عيسى : أيكم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم اللّه ويأكل منها ؟ فقال شمعون رئيس الحواريين : أنت بذلك أولى منا ، فقام عيسى وتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيراً ثم كشف المنديل عنها وقال : بسم اللّه خير الرازقين ، فإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها ضلوعها ولا شوك ، فيها سيل من الدسم ، وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، ووجوها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد .
فقال شمعون : يا روح اللّه أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟
فقال عيسى : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكنه شيء فعله اللّه بالقدرة العالية ، فكلوا مما سألتم مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منكم في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.