بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (115)

فأوحى الله تعالى إلى عيسى بقوله : { قَالَ الله إِنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ }

ما سألتم من المائدة { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ } يعني : بعد نزول المائدة { مّنكُمْ } ويكفر بعيسى بعد أكله من المائدة { فَإِنّي أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ العالمين } يعني : أحداً من الخلق . وقال بعضهم : هذه كلمة تهديد ولم ينزل عليهم المائدة .

وروي في بعض التفاسير أنهم قالوا لعيسى : رضينا بما في هذه الآية . فقال عيسى لشمعون وكان أكبر الحواريين : هل معك شيء من الزاد ؟ قال : نعم . فجاءه بخمسة أرغفة ، وسمكتين صغيرتين ، فقطعهما قطعاً صغاراً ثم قال : اجلسوا رفقاء . فقعدوا عشرة عشرة . فألقى عيسى عليه السلام بين كل رفقة قدر ما يحمله بإصبعيه ، فجعل الطعام يزيد حتى جاوز ركبتهم فشبعوا . وفضل خمسة . ثم عاد من الغد ففعل مثل ما فعل بالأمس .

وروي أن الرغيف والسمكتين نزلت من السماء وهم ينظرون إليها . وقيل : كانت مائدة من در وقيل : من بلور وقفت في الهواء . فاجتمعوا يأكلون منها . وروي أن المائدة كان عليها الفواكه ، وكل شيء إلا الخبز واللحم . وروي أن الجميع كانوا خمسة آلاف ونيفاً وروي اثني عشر ألفاً والله أعلم بالصواب .

وقال عامة المفسرين : إن المائدة قد أنزلت عليهم . وروي عن سلمان الفارسي أن عيسى عليه السلام قام ولبس جبة من شعر ، وقام ووضع يمينه على يساره ، وطأطأ رأسه خاشعاً لله تعالى ، وبكى حتى سالت الدموع على لحيته وصدره ، وهو يدعو ويتضرع ، فنزلت مائدة من السماء فوقها منديل والناس ينظرون إليه ، وعيسى عليه السلام ينظر ويبكي ويقول : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة . حتى استقرت المائدة بين يدي عيسى والناس حوله . قال عيسى : بسم الله وكشف المنديل للناس ، فإذا فيه سمكة مشوية لا شوك فيها . والوَدَكُ يسيل منها ، والخل عند رأسها ، والملح عند ذنبها ، وعليها أربعة أرغفة وعليها ألوان البقول إلا الكراث . فقال : كلوا من رزق ربكم فأكل منها ألف رجل . ويقال : خمسة آلاف رجل . ورجعت المائدة كما كانت . وقال بعضهم : نزلت يوماً واحداً ولم تنزل أكثر من ذلك . وقال بعضهم : ثلاثة أيام ، وقال بعضهم : سبعة أيام . وقال بعضهم : أكثر من ذلك . فلما رجعوا عن ذلك الموضع شكوا فيه وكفروا ، فمسخهم الله خنازير .

وروي عن ابن عمر أنه قال : أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .

وروي عن أبي عبد الرحمن السُّلمي قال : نزلت المائدة خبزاً وسمكة . وعن عطية العوفي قال : كانت سمكة فيها طعم كل شيء .