تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (92)

ف { قَالَ ْ } لهم مترققا لهم : { يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ْ } أي : كيف تراعوني لأجل رهطي ، ولا تراعوني لله ، فصار رهطي أعز عليكم من الله .

{ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ْ } أي : نبذتم أمر الله ، وراء ظهوركم ، ولم تبالوا به ، ولا خفتم منه .

{ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ْ } لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فسيجازيكم على ما عملتم أتم الجزاء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (92)

84

وعندئذ تأخذ شعيبا الغيرة على جلال ربه ووقاره ؛ فيتنصل من الاعتزاز برهطه وقومه ؛ ويجبههم بسوء التقدير لحقيقة القوى القائمة في هذا الوجود ، وبسوء الأدب مع الله المحيط بما يعملون . ويلقي كلمته الفاصلة الأخيرة . ويفاصل قومه على أساس العقيدة ، ويخلي بينهم وبين الله ، وينذرهم العذاب الذي ينتظر أمثالهم ، ويدعهم لمصيرهم الذي يختارون :

( قال : يا قوم : ارهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ؟ إن ربي بما تعملون محيط . ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل ، سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ) . .

ارهطي أعز عليكم من الله ؟ . .

أجماعة من البشر مهما يكونوا من القوة والمنعة فهم ناس ، وهم ضعاف ، وهم عباد من عباد الله . . أهؤلاء أعز عليكم من الله ؟ . . أهؤلاء أشد قوة ورهبة في نفوسكم من الله ؟

( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) . .

وهي صورة حسية للترك والإعراض ، تزيد في شناعة فعلتهم ، وهم يتركون الله ويعرضون عنه ، وهم من خلقه ، وهو رازقهم وممتعهم بالخير الذي هم فيه . فهو البطر وجحود النعمة وقلة الحياء إلى جانب الكفر والتكذيب وسوء التقدير .

( إن ربي بما تعملون محيط ) . .

والإحاطة أقصى الصور الحسية للعلم بالشيء والقدرة عليه .

إنها غضبة العبد المؤمن لربه أن يستباح جلاله - سبحانه - ووقاره . الغضبة التي لا يقوم إلى جوارها شيء من الاعتزاز بنسبه ورهطه وعشيرته وقومه . . إن شعيبا لم ينتفخ ولم ينتفش أن يجد القوم يرهبون رهطه ، فلا تمتد إليه أيديهم بالبطش الذي يريدونه ! ولم يسترح ولم يطمئن إلى أن يكون رهطه هم الذين يحمونه ويمنعونه من قومه - الذين افترق طريقهم عن طريقه - وهذا هو الإيمان في حقيقته . . أن المؤمن لا يعتز إلا بربه ؛ ولا يرضى أن تكون له عصبة تخشى ولا يخشى ربه ! فعصبية المسلم ليست لرهطه وقومه ، إنما هي لربه ودينه . وهذا هو مفرق الطريق في الحقيقة بين التصور الإسلامي والتصور الجاهلي في كل أزمانه وبيئاته !