تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

{ 9-10 } { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

يعني : اذكروا يوم الجمع الذي يجمع الله به الأولين والآخرين ، ويقفهم موقفًا هائلاً عظيمًا ، وينبئهم بما عملوا ، فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخلائق ، ويرفع أقوام إلى أعلى عليين ، في الغرف العاليات ، والمنازل المرتفعات ، المشتملة على جميع اللذات والشهوات ، ويخفض أقوام إلى أسفل سافلين ، محل الهم والغم ، والحزن ، والعذاب الشديد ، وذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم ، وأسلفوه أيام حياتهم ، ولهذا قال : { ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } .

أي : يظهر فيه التغابن والتفاوت بين الخلائق ، ويغبن المؤمنون الفاسقين ، ويعرف المجرمون أنهم على غير شيء ، وأنهم هم الخاسرون ، فكأنه قيل : بأي شيء يحصل الفلاح والشقاء والنعيم والعذاب ؟

فذكر تعالى أسباب ذلك بقوله : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ } [ أي : ] إيمانًا تامًا ، شاملاً لجميع ما أمر الله بالإيمان به ، { وَيَعْمَلْ صَالِحًا } من الفرائض والنوافل ، من أداء حقوق الله وحقوق عباده . { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختاره الأرواح ، وتحن إليه القلوب ، ويكون نهاية كل مرغوب ، { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وبعد هذه الدعوة يعود إلى استكمال مشهد البعث الذي أكده لهم أوثق توكيد :

( يوم يجمعكم ليوم الجمع : ذلك يوم التغابن ) . .

فأما أنه يوم الجمع فلأن جميع الخلائق في جميع الأجيال تبعث فيه ، كما يحضره الملائكة وعددهم لا يعلمه إلا الله . ولكن قد يقربه إلى التصور ما جاء في حديث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - عن أبي ذر رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون . أطت السماء وحق لها أن تيط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته لله تعالى ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى . لوددت أني شجرة تعضد " . .

والسماء التي ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك . هي هذا الاتساع الهائل الذي لا يعرف له البشر حدودا . والذي تبدو فيه شمس كشمسنا ذرة كالهباءة الطائرة في الفضاء ! فهل هذا يقرب شيئا للتصور البشري عن عدد الملائكة ? إنهم من بين الجمع في يوم الجمع !

وفي مشهد من هذا الجمع يكون التغابن ! والتغابن مفاعلة من الغبن . وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم ؛ وحرمان الكافرين من كل شيء منه ثم صيرورتهم إلى الجحيم . فهما نصيبان متباعدان . وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شيء ، وليغبن كل فريق مسابقه ! ففاز فيه المؤمنون وهزم فيه الكافرون ! فهو تغابن بهذا المعنى المصور المتحرك ! يفسره ما بعده :

( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) . .