تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

{ 83 - 84 } { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

أي : واذكر عبدنا ورسولنا ، أيوب - مثنيا معظما له ، رافعا لقدره - حين ابتلاه ، ببلاء شديد ، فوجده صابرا راضيا عنه ، وذلك أن الشيطان سلط على جسده ، ابتلاء من الله ، وامتحانا فنفخ في جسده ، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة ، واشتد به البلاء ، ومات أهله ، وذهب ماله ، فنادى ربه : رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الضّرّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىَ لِلْعَابِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر أيوب يا محمد ، إذ نادى ربه وقد مسه الضرّ والبلاء . رَبّ إنّي مَسّنِيَ الضّرّ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِين فَاسْتَجَبْنا لَهُ

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

وقوله : { وأيوب } أحسن ما فيه النصب بفعل مضمر تقديره واذكر أيوب ، وفي قصص أيوب عليه السلام طول واختلاف من المفسرين ، وتلخيص ذلك أنه روي أن أيوب عليه السلام ، كان نبياً مبعوثاً إلى قوم ، وكان كثير المال من الإِبل والبقر والغنم ، وكان صاحب البثنية من أرض الشام يغمر كذلك مدة ، ثم إن الله تعالى ، لما أراد محنته وابتلاءه ، أذن لإِبليس في أن يفسد ماله ، فاستعان بذريته فأحرقوا ماله ونعمه أجمع ، فكان كلما أخبر بشيء من ذلك حمد الله تعالى وقال هي عارية استردها صاحبها والمنعم بها ، فلما رأى إبليس ذلك جاء فأخبر بعجزه عنه ، وأذن الله له في إهلاكه بنيه وقرابته ففعل ذلك أجمع ، فدام أيوب على شكره وصبره ، فأخبره إبليس بعجزه ، فأذن الله له في إِصابته في بدنه وحجر عليه لسانه وعينيه وقبله ، فجاءه إبليس وهو ساجد ، فنفخ في أنفه نفخة احترق بدنه وجعلها الله تعالى أُكلة في بدنه ، فلما عظمت وتقطع أخرجه الناس من بينهم وجعلوه على سباطة{[8253]} ولم يبق معه بشر حاشى زوجته ، ويقال كانت بنت يوسف الصديق ، وقيل اسمها رحمة ، وقيل في أيوب إنه من بني إسرائيل ، وقيل من الروم من قرية عيصو ، فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه يأكل وتقوم عليه ، فدام في هذا العذاب مدة طويلة قيل ثلاثين سنة ، وقيل ثماني عشرة ، وقيل اثنتي عشرة ، وقيل تسعة أعوام ، وقيل ثلاثة ، وهو في كل ذلك صابر وشاكر ، حتى جاءه فيما روي ثلاثة ممن كان آمن به فوقذوه بالقول وأنبوه ونجهوه{[8254]} . وقالوا ما صنع بك ربك هذا إلا لخبث باطنه فيك ، فراجعهم أيوب في آخر قولهم بكلام مقتضاه أنه ذليل لا يقدر على إِقامة حجة ولا بيان ظلامة ، فخاطبه الله تعالى معاتباً على هذه المقالة ومبيناً أنه لا حجة لأَحد مع الله يُسأل عما يفعل .


[8253]:السباطة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يكنس من المنازل، وفي بعض الكتب: "وضعوه على تل وجعلوا عليه عريشة".
[8254]:النجه: استقبالك الرجل بما يكره وردك إياه عن حاجته، وفي الحديث: (بعدما نجهها عمر)، أي بعدما ردها وانتهرها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

عطف على { وداوود وسليمان } [ الأنبياء : 78 ] أي وآتينا أيوب حكماً وعلماً إذ نادى ربه . وتخصيصه بالذكر مع من ذكر من الأشياء لما اختصّ به من الصبر حتى كان مثلاً فيه . وتقدمت ترجمة أيوب في سورة الأنعام .

وأما القصة التي أشارت إليها هذه الآية فهي المفصلة في السفر الخاص بأيوب من أسفار النبيئين الإسرائلية . وحاصلها أنه كان نبيئاً وذا ثروة واسعة وعائلة صالحة متواصلة ، ثم ابتلي بإصابات لحقت أمواله متتابعة فأتت عليها ، وفقد أبناءه السبعة وبناته الثلاثَ في يوم واحد ، فتلقى ذلك بالصبر والتسليم . ثم ابتلي بإصابة قروح في جسده وتلقى ذلك كله بصبر وحكمة وهو يبْتهل إلى الله بالتمجيد والدعاء بكشف الضر . وتلقى رثاءَ أصحابه لحاله بكلام عزيز الحكمة والمعرفة بالله ، وأوحى الله إليه بمواعظ . ثم أعاد عليه صحته وأخلفه مالاً أكثر من ماله وولدت له زوجه أولاداً وبناتتٍ بعدد من هَلكوا له من قبلُ .

وقد ذكرت قصته بأبْسط من هنا في سورة ص ، ولأهل القصص فيها مبالغات لا تليق بمقام النبوءة .

و ( إذْ ) ظرف قيّد به إيتاءُ أيوب رباطة القلب وحكمة الصبر لأن ذلك الوقت كان أجلى مظاهر علمه وحكمته كما أشارت إليه القصة . وتقدم نظيره آنفاً عند قوله تعالى : { ونوحاً إذ نادى من قبل } [ الأنبياء : 76 ] فصار أيوب مضرب المثل في الصبر .

وقوله { أنِّي مسنِي الضرُ } بفتح الهمزة على تقدير باء الجر ، أي نادى ربه بأني مسني الضر .

والمسّ : الإصابة الخفيفة . والتعبير به حكاية لما سلكه أيوب في دعائه من الأدب مع الله إذ جعل ما حلّ به من الضر كالمس الخفيف .

والضرّ بضمّ الضاد ما يتضرر به المرء في جسده من مرض أو هزال ، أو في ماله من نقص ونحوه .

وفي قوله تعالى : { وأنت أرحم الراحمين } التعريض بطلب كشف الضرّ عنه بدون سؤال فجعل وصفَ نفسه بما يقتضي الرحمة له ، ووصفَ ربه بالأرحمية تعريضاً بسؤاله ، كما قال أمية بن أبي الصلت :

إذا أثنى عليك المرء يوماً *** كفاه عن تعرضه الثناء

وكونُ الله تعالى أرحم الراحمين لأن رحمته أكمل الرحمات لأن كل من رحِم غيرَه فإما أن يرحمه طلباً للثناء في الدنيا أو للثواب في الآخرة أو دفعاً للرقة العارضة للنفس من مشاهدة من تحق الرحمة له فلم يخل من قصد نفع لنفسه ، وإما رحمته تعالى عباده فهي خلية عن استجلاب فائدة لذاته العلية .