المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

وقوله : { وأيوب } أحسن ما فيه النصب بفعل مضمر تقديره واذكر أيوب ، وفي قصص أيوب عليه السلام طول واختلاف من المفسرين ، وتلخيص ذلك أنه روي أن أيوب عليه السلام ، كان نبياً مبعوثاً إلى قوم ، وكان كثير المال من الإِبل والبقر والغنم ، وكان صاحب البثنية من أرض الشام يغمر كذلك مدة ، ثم إن الله تعالى ، لما أراد محنته وابتلاءه ، أذن لإِبليس في أن يفسد ماله ، فاستعان بذريته فأحرقوا ماله ونعمه أجمع ، فكان كلما أخبر بشيء من ذلك حمد الله تعالى وقال هي عارية استردها صاحبها والمنعم بها ، فلما رأى إبليس ذلك جاء فأخبر بعجزه عنه ، وأذن الله له في إهلاكه بنيه وقرابته ففعل ذلك أجمع ، فدام أيوب على شكره وصبره ، فأخبره إبليس بعجزه ، فأذن الله له في إِصابته في بدنه وحجر عليه لسانه وعينيه وقبله ، فجاءه إبليس وهو ساجد ، فنفخ في أنفه نفخة احترق بدنه وجعلها الله تعالى أُكلة في بدنه ، فلما عظمت وتقطع أخرجه الناس من بينهم وجعلوه على سباطة{[8253]} ولم يبق معه بشر حاشى زوجته ، ويقال كانت بنت يوسف الصديق ، وقيل اسمها رحمة ، وقيل في أيوب إنه من بني إسرائيل ، وقيل من الروم من قرية عيصو ، فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه يأكل وتقوم عليه ، فدام في هذا العذاب مدة طويلة قيل ثلاثين سنة ، وقيل ثماني عشرة ، وقيل اثنتي عشرة ، وقيل تسعة أعوام ، وقيل ثلاثة ، وهو في كل ذلك صابر وشاكر ، حتى جاءه فيما روي ثلاثة ممن كان آمن به فوقذوه بالقول وأنبوه ونجهوه{[8254]} . وقالوا ما صنع بك ربك هذا إلا لخبث باطنه فيك ، فراجعهم أيوب في آخر قولهم بكلام مقتضاه أنه ذليل لا يقدر على إِقامة حجة ولا بيان ظلامة ، فخاطبه الله تعالى معاتباً على هذه المقالة ومبيناً أنه لا حجة لأَحد مع الله يُسأل عما يفعل .


[8253]:السباطة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يكنس من المنازل، وفي بعض الكتب: "وضعوه على تل وجعلوا عليه عريشة".
[8254]:النجه: استقبالك الرجل بما يكره وردك إياه عن حاجته، وفي الحديث: (بعدما نجهها عمر)، أي بعدما ردها وانتهرها.