قوله عز وجل : { وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ } ، يعني : اذكر أيوب عليه السلام روي في الخبر أن أيوب كان بمنزلة الملك ، وهو أيوب بن مرضي النبي عليه السلام وكانت له أموال من صنوف مختلفة ، وكانت له ضياع كثيرة ، وكان له ثلاثمائة زوج ثيران ، وغلمان يعملون له في ضياعه ، وأموال السوائم من الغنم والإبل والبقر ، وكان متعبداً ناسكاً منفقاً متصدقاً ، فحسده إبليس عدو الله وقال : إن هذا يذهب بالدنيا والآخرة . وأراد أن يفسد عليه إحدى الدارين أو كلتيهما ، فسأل الله تعالى وقال : إن عبدك أيوب يعبدك ، لأنك أعطيته السعة في الدنيا ، ولولا ذلك لم يعبدك قال الله تعالى : إني أعلم منه أنه يعبدني ويشكرني ، وإن لم يكن له سعة في الدنيا .
فقال : يا رب سلطني عليه . فسلطه على كل شيء منه إلا على روحه .
وجاء إبليس إلى غنمه كهيئة النار ، وضرب عليها فأهلك جميع غنمه ، فجاءت رعاته فأخبروه بالقصة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وقال : هو الذي أعطى وهو الذي أخذ ، وهو أحق به . ويقال : إنه أحرق غنمه ورعاته ، فجاء إبليس على هيئة راع من رعاته فأخبره بذلك ، فقال له أيوب : لو كان فيك خير لهلكت مع أصحابك . ثم جاء إلى إبله وبقره ففعل مثل ذلك ، ثم جاء إلى زرعه كهيئة النار فأفسد جميع زرعه ، فأخبر بذلك ، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ، وقال : هو الذي أعطى وهو الذي أخذ ، وهو أحق به .
وكان له سبعة بنين وثلاث بنات ؛ ويقال : سبعة بنين وسبع بنات في بيت ، فجاء إبليس عليه اللعنة فهدم البيت عليهم فماتوا كلهم ، فذكر ذلك لأيوب فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه على ذلك ، ولم يجزع وقال : هو الذي أعطى ثم أخذ . ثم جاء إلى أيوب وهو في الصلاة ، فلما سجد نفخ في أنفه وفمه نفخة ، فانتفخ أيوب عليه السلام وخرجت به قروح ، وجعل تسيل منها الصديد ، وتفرق عنه أقرباؤه وأصدقاؤه ، ولم يبق معه إلا امرأته .
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : كان اسم امرأته ماحين بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب ، ويقال : كان اسمها رحمة . فتأذى به جيرانه ، وقالوا لامرأته : احمليه من هاهنا ، فإنا نتأذى به . فحملته حتى أخرجته إلى كناسة قوم ، ووضعته عليها ، وجعلت تدخل على الناس وتخدمهم ، وتأخذ شيئاً وتنفقه عليه . فكان ذلك البلاء ما شاء الله ، فجاء إبليس في صورة طبيب ، وقال للمرأة : إن أردت أن يبرأ من علته ، فمريه يشرب الخمر ، ويتكلم بكلمة الكفر . فأخبرته المرأة بذلك ، فقال لها : ذلك إبليس الذي أمرك بهذا ، فألحَّت عليه ، فغضب وقال : والله لئن برئت ، لأضربنك مائة سوط . فقالت : متى تبرأ ؟ فقال عند ذلك : ربِّ { أَنّى مَسَّنِىَ الضر } .
ويقال : إنه اشتهى شيئاً يتخذ بالسمن ، فدخلت امرأته على امرأة غني من الأغنياء وسألتها ذلك ، فأبت عليها ؛ ثم نظرت إلى ذوائبها ، فرأت ذوائبها مثل الحبل ، فقالت : لئن دفعت إليّ ذوائبك ، دفعت إليك ما تطلبين مني . فدفعت بالمقراض وقطعت ذوائبها ودفعتها إليها ، وأخذت منها ما سألت ، وجاءت به إلى أيوب فقال لها : من أين لك هذا ؟ فأخبرته بالقصة ، فبكى أيوب عند ذلك ، وقال : رَبِّ { أَنّى مَسَّنِىَ الضر } .
قال بعضهم : مكث أيوب في بلائه سبع سنين ، وقال بعضهم : عشر سنين ، وروى بعضهم ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« إنَّ أيُّوبَ نَبِيَّ الله لَبِثَ فِي بَلاَئِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً ، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ ، إلاَّ رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِهِ كَانا يَعُودَانِهِ وَيَغْدُوانِ إلَيْهِ وَيَرُوحَانِ ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : وَالله لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْباً مَا أذْنَبَهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ . فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : وما ذلك ؟ قالَ لَهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ الله تَعَالَى ، فَيَكْشِف ما بِهِ . ثُمَّ رَاحَا إلَيْهِ فَلَمْ يَصْبِرَا ، حَتَّى ذَكَرا ذلكَ لَهُ ، فَعِنْدَ ذلكَ قالَ : ربِّ { مَسَّنِىَ الضر } » . قال : فلما كان ذات يوم ، خرجت امرأته ، فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام في مكانه أن { اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ ص : 42 ] فشرب واغتسل ، فأذهب الله عز وجل ما به من البلاء ، فقال أيوب : كان الركض برجلي أشد علي من البلاء الذي كنت فيه . قال ابن عباس : لما قال الله تعالى له : { اركض بِرِجْلِكَ } ففعل ، فانفجرت عين اغتسل منها فصح جسده . ثم قيل له : اركض برجلك ففعل ، فخرجت عين فشرب منها ، فالتأم ما في جوفه . فلما رجعت إليه المرأة ، لم تعرفه ، فقالت له : بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله المبتلى ؟ فوالله ما رأيت أحداً أشبه به منك إذ كان صحيحاً . قال : فإني أيوب . قال : وكان له آنذاك أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين : إحداهما على أندر القمح فأفرغت الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأُخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ؛ ذلك قوله تعالى : { إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضر } ، أصابني البلاء والشدة { وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين } فعرض ولم يفصل بالدعاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.