الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب قال : كان أيوب بن أموص نبي الله الصابر طويلاً جعد الشعر واسع العينين حسن الخلق ، وكان على جبينه مكتوب : المبتلى الصابر ، وكان قصير العنق عريض الصدر غليظ الساقين والساعدين ، كان يعطي الأرامل ويكسوهم جاهداً ناصحاً لله .

وأخرج الحاكم عن وهب قال : أيوب بن أموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل .

وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال : أول نبي بعث إدريس ، ثم نوح ثم إبراهيم ، ثم إسماعيل وإسحاق ، ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ، ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهارون ، ثم إلياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب .

وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : كان أيوب أعبد أهل زمانه وأكثرهم مالاً ، فكان لا يشبع حتى يشبع الجائع ، وكان لا يكتسي حتى يكسي العاري ، وكان إبليس قد أعياه أمر أيوب لقوته فلا يقدر عليه ، وكان عبداً معصوماً .

وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر ، عن وهب أنه سئل : ما كانت شريعة قوم أيوب ؟ قال : التوحيد وإصلاح ذات البين . وإذا كانت لأحد منهم حاجة خر لله ساجداً ثم طلب حاجته . قيل : فما كان ماله ؟ قال : كان له ثلاثة آلاف فدان ، مع كل فدان عبد ، مع كل عبد وليدة ومع كل وليدة أتان وأربعة عشرة ألف شاة ، ولم يبت ليلة له إلا وضيف وراء بابه ، ولم يأكل طعامه إلا ومعه مسكين .

وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان الثوري قال : ما أصاب إبليس من أيوب في مرضه إلا الأنين .

وأخرج ابن عساكر عن عقبة بن عامر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم .

«قال الله لأيوب : تدري ما جرمك إليّ حتى ابتليتك ؟ فقال : لا يا رب . قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين » .

وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب ، أنه استعان به مسكين على ظلم يدرؤه عنه فلم يعنه ، ولم يأمر بمعروف وينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله .

وأخرج ابن عساكر عن الليث بن سعد قال : كان السبب الذي ابتلي فيه أيوب ، أنه دخل أهل قريته على ملكهم - وهو جبار من الجبابرة - وذكر بعض ما كان ظلمه الناس ، فكلموه فأبلغوا في كلامه ورفق أيوب في كلامه له مخافة منه لزرعه ، فقال الله : «اتقيت عبداً من عبادي من أجل زرعك ؟ » فأنزل الله به ما أنزل من البلاء .

وأخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني ، قال : أجدب الشام ، فكتب فرعون إلى أيوب : أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعة .

فأقبل بخيله وماشيته وبنيه فأقطعهم ، فدخل شعيب فقال فرعون : أما تخاف أن يغضب غضبة فيغضب لغضبه أهل السماوات والأرض والجبال والبحار ؟ فسكت أيوب ، فلما خرجا من عنده أوحى الله إلى أيوب : أوسكت عن فرعون لذهابك إلى أرضه ؟ استعد للبلاء . قال : فديني ؟ قال : أسلمه لك . قال : لا أبالي .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم وابن عساكر ، عن يزيد بن ميسرة قال : لما ابتلى الله أيوب بذهاب المال والأهل والولد ، فلم يبق له شيء ، أحسن الذكر والحمد لله رب العالمين . ثم قال : أحمدك رب الذي أحسنت إليّ . . . . قد أعطيتني المال والولد لم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخلها ذلك ، فأخذت ذلك كله مني وفرغت قلبي ، فليس يحول بيني وبينك شيء لا يعلم عدوي إبليس الذي وصفت إلا حسدني ، فلقي إبليس من هذا شيئاً منكراً .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله ، قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاً ، وأنا أعلم مكان جائع فصدقني . فصدّق من في السماء وهما يسمعان ، ثم خر ساجداً وقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني . فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه .

أخرح ابن عساكر عن الحسن قال : ضرب أيوب بالبلاء ، ثم بالبلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال ، ثم ابتلي في بدنه ، ثم ابتلي حتى قذف في بعض مزابل بني إسرائيل ، فما يعلم أيوب دعا الله يوماً أن يكشف ما به ليس إلا صبراً واحتساباً ، حتى مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله . فسمع أيوب فشق عليه فقال : رب { مسني الضر } ثم رد ذلك إلى ربه فقال : { وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : { وآتيناه أهله } في الدنيا { ومثلهم معهم } في الآخرة .

وأخرج أحمد عن نوف البكالي قال : مر نفر من بني إسرائيل بأيوب فقالوا : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه . فسمعها أيوب فعند ذلك قال : { مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } وكان قبل ذلك لا يدعو .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } قال : إنه لما مسه الضر أنساه الله الدعاء أن يدعوه فيكشف ما به من ضر ، غير أنه كان يذكر الله كثيراً ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيقان ، فلما انتهى الأجل وقضى الله أنه كاشف ما به من ضر أذن له في الدعاء ويسرّه له ، كان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى : «لا ينبغي لعبدي أيوب أن يدعوني ثم لا أستجيب له » فلما دعا استجاب له وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين ، رد أهله ومثلهم معهم ، وأثنى عليه فقال : { إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب } .