محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

أي اذكر أيوب وما أصابه من البلاء ودعاءه ربه في كشف ما نزل به ، واستجابته تعالى دعاءه وما امتن به عليه في رفع البلاء . وما ضاعف له بعد صبره من النعماء ، لتعلم أن النصر مع الصبر ، وأن عاقبة العسر اليسر . وأن لك الأسوة بمثل هذا النبي الصبور ، فيما ينزل أحيانا بك من ضر . وأن البلاء لم ينج منه الأنبياء . بل هم أشد الناس ابتلاء . كما في الحديث : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ) .

وإن من أسباب الفرج دعاءه تعالى والابتهال إليه والتضرع له ، وذكره بأسمائه الحسنى وصفاته العليا .

وإن البلاء لا يدل على الهوان والشقاء . فإن السعادة والشقاء في هذا العالم لا يترتبان على صالح الأعمال وسيئها . لأن الدنيا ليست دار جزاء . وإن عاقبة الصدق في الصبر ، هي توفية الأجر ومضاعفة البر . وقد روي أن أيوب عليه السلام ، لما امتحن بما فقد معه أرزاقه وهلك به جميع آل بيته ، وبما لبث يعاني من قروح جسد آلاما ، وصبر وشكر ، رحمه مولاه فعادت له صحة بدنه وأوتي أضعاف ما فقده . ورزق عدة أولاد ، وعاش عمرا طويلا أبصر أولاد أولاده إلى الجيل الرابع . ولذا قال تعالى : { وذكرى للعابدين } أي تذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر ، حتى يثابوا كما أثيب في الدنيا والآخرة . وبالجملة فالسر هو تثبيت قلوب المؤمنين وحملهم على الصبر في المجاهدة في سبيل الحق . وقد روى المفسرون هاهنا في بلاء أيوب روايات مختلفات ، بأسانيد واهيات ، لا يقام لها عند أئمة الأثر وزن . ولا تعار من الثقة أدنى النظر . نعم يوجد في التوراة سفر لأيوب فيه من شرح ضره ، بفقد كل مقتنياته ومواشيه وآل بيته ، وبنزول مرض شديد به ، عدم معه الراحة ولذة الحياة ، غرائب . إلا أنها مما لا يوثق بها جميعها . لما داخلها من المزيج ، وتوسع بها في الدخيل ، حتى اختلط الحابل بالنابل . وإن كان يؤخذ من مجموعها بلاء فادح وضر مدهش . ولو علم الله خيرا في أكثر مما أجمله في تنزيله الحكيم ، لتفضل علينا بتفصيله . ولذا يوقف عند إجماله فيما أجمل ، وتفصيله فيما فصل .

تنبيه :

قال بعضهم : أكثر المحققين على أن أيوب كان بعد زمن إبراهيم عليهما السلام . وأنه كان غنيا من أرباب العقار والماشية . وكان أميرا في قومه . وأن أملاكه ومنزله في أرض خصيبة رائعة التربة كثيرة المياه المتسلسلة في الجنوب الشرقي من البحر الميت . ومن جبل سعير بين بلاد أدوم وصحراء العربية . والله أعلم .