أي واذكر أيوبَ حين نادى ربَّه . وسمِّي أيوب لكثرة إيابه إلى الله في جميع أحواله في السرَّاء والضرَّاء ، والشِّدَّة والرَّخاءِ .
ولم يَقُلْ : ارحمني ، بل حَفِظَ أدب الخطايا فقال : { وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .
ومن علامات الولاية أن يكونَ العبدُ محفوظاً عليه وقتُه في أوانِ البلاء .
ويقال إخبارُه عنه أنه قال : { مسني الضر } لم يَسْلُبْه اسمَ الصبرِ حيث أخبر عنه سبحانه بقوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } [ ص :44 ] لأنَّ الغالبَ كان من أحواله الصبر ، فنادِرُ قالتِه لم يَسْلبْ عنه الغالِبَ من حالته . والإشارة من هذا إلى أنَّ الغالبَ من حال المؤمن المعرفةُ ، أو الإيمانُ بالله فهو الذي يستغرقُ جميعَ أوقاته ، ولا يخلو منه لحظةً ؛ ونادِرُ زلاَّتِهِ- مع دائمِ إيمانِه - لا يُزَاحِمُ الوصفَ الغالب .
ويقال ؛ لمَّا لم يكن قوله : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } على وجه الاعتراض على التقدير- بل كان على وجه إظهار العجز - فلم يكن ذلك مُنافياً لصفة الصبر .
ويقال : استخرج منه هذا القولَ ليكونَ فيه مُتنفسٌ للضعفاء في هذه الأمة حتى إذا ضَجَّوا في حالِ البلاء لم يكن ذلك منافياً لصفة الصبر .
ويقال لم يكن هذا القولُ منه على جهة الشكوى ، وإنما كان من حيث الشكر { أنِّى مسني الضُّرُّ } الذي تخصُّ به أولياءك ، ولولا أنك أرحم الراحمين لَمَا خصصتني بهذا ، ولكن برحمتك أهَّلْتني لهذا .
ويقال لم يكن هذا القولُ من أيوب ولكنه استغاثةُ البلاء منه ، فلم يُطِقْ البلاءُ صُحْبَتَه فضجَّ منه البلاءُ لا أيوبُ ضَجَّ من البلاء . . . وفي معناه أنشدوا .
صابَرَ الصبرَ فاستغاثَ به الصبرُ *** فصاح المحبُّ بالصبر صبرا
ويقال همزة الاستفهام فيه مضمرة ، ومعناه : أيمسني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين ؟ كما قال : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ } [ الشعراء :22 ] أي أتلك نعمة تمنها عليَّ أن عبدت بني إسرائيل ؟
ويقال إن جبريلَ - عليه السلام - أتى أيوبَ فقال : لِمَ تسكت ؟ فقال : ماذا أصنع ؟ فقال : إن الله سيان عنده بلاؤك وشفاؤك . . . فاسأل الله العافيةَ فقال أيوب : { أني مسني الضر } فقال تعالى : { فكشفنا ما به من ضر } [ الأنبياء :84 ] والفاء تقتضي التعقيب ، فكأنه قال : فعافيناه في الوقت . وكأنه قال : يا أيوب ، لو طلبتَ العافيةَ قبل هذا لاستَجْبْنَا لك .
ويقال سقطت دودةٌ كانت تأكل من بدنه على الأرض فرفعها أيوبُ ووضعها على موضعها ، فعقرته عقرةً عِيلَ صَبْرُه فقال : مسني الضر ، فقيل له : يا أيوب : أتصبر معنا ؟ لولا أني ضربتُ تحت كل شَعْرَةٍ من شعراتك كذا خيمة من الصبر . . . ما صَبَرْتَ ساعةً !
ويقال كانت الدودات التي تأكل منه أكلت ما عَلاَ بَدَنَه ، فلم يَبْقَ منه إلا لسانهُ وقلبه ، فصعدت دودة إلى لسانه ، وأخرى إلى قلبه فقال : { مَسَّنِى الضُّرُّ } . . . فلم يبق لي إلا لسانٌ به اذكرك ، أو قلبٌ به أعرفك ، وإذا لم يَبْقَ أو لي ذلك فلا يمكنني أن أعيش وأصبر !
ويقال استعجمت عليه جهةُ البلاء فلم يعلم أن يصيبه بذلك تطهيراً أو تأديباً أو تعذيباً أو تقريباً أو تخصيصاً أو تمحيصاً .
ويقال قيل لأيوب عليه السلام سَلْ العافية فقال : عِشْتُ في النِّعم سبعين سنة فحتى يأتي عليَّ سبعون سنة في البلاء . . . وعندئذٍ أسأل الله العافية !
وقيل لمَّا كَشَفَ الله عنه البلاء قيل له : ما أشدُّ ما لقيتَ في أيام البلاء ؟ فقال شماتة الأعداء .
وفي القصة أن تلامذة أيوب كسروا أقلامهم ، وحرَّقوا ما كتبوه عنه وقالوا : لو كان لك عند الله منزلةٌ لمَا ابْتلاكَ بكل هذا البلاء !
وقيل لم يبقَ معه إلا زوجُه ، وكانت من أولاد يوسف النبي عليه السلام ، فهي التي بقيت معه وكانت تخدمه وتتعهده .
ويقال إنما بقيت تلك المرأة معه لأنها كانت من أهل البلاء من آل يعقوب- عليه السلام .
وقيل إنما قال : مسني الضرُّ لمَّا قال لها الشيطان : إنْ أردتِ أنْ يَشْفَى مريضُكِ فاسجدي لي ، ولم تعلم أنه إبليس لأنه ظَهَرَ لها في صورة إنسان ، فأخبرت أيوبَ بذلك فقال عندئذٍ : { مَسَّنْىَ الضُّرُّ } .
ويقال لمَّا ظهر به البلاءُ اجتمع قومُه وقالوا لها : أخْرِجي هذا المريضَ من قريتنا ، فإننا نخاف العَدْوَى وأنْ يَمَسَّنَا بلاؤه ، وأنْ تُعْدَى إلينا عِلَّتُه ، فأخْرَجَتْه إلى باب القرية فقالو : إنا إذا أصبحنا وقعت أبصارُنا عليه ، فنتشاءم به ، فأبْعِديه عن أبصارنا ، فحملَتْه إلى أرضٍ قَفْرٍ ، وكانت تدخل البلد ، وتُسْتَأْجَر للخَبْزِ والعمل في الدور ، فتأخذ الأجرة وتحملها إليه ، فلما عَلِموا أنَّها امرأتُه استقذروها ولم يستعلموها .
ويقال إنها كانت ذات ذوائب وقرون ، وكان أيوب يأخذ بذوائبها عند نهوضه ، فباعت ذوائبها برغيفٍ أخذته لتحمله إليه ، فوسوس له الشيطان بأنها فعلت الفحشاء ، وأن شعرها جُزَّ في ذلك فَحَلَفَ أيوبُ أنْ يَجْلِدَها إذا صحَّ حَدْسًه ، وكانت المحنةُ على قلبِ تلك المرأة أشَدَّ مما على بَدَنِ أيوب من كل المحن .
وقيل إن امرأته غَابَتْ ودخلَتْ البلدَ ، فعافى اللَّهُ أيوبَ عليه السلام ، وعاد شاباً طرياً كما قال في قصته قوله : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ ص :42 ] فلما رجعت امرأته ولم تَرَه حسبت أنه أكله سَبْعٌ أو أصابته آفةٌ ، فأخذت تبكي وتولول ، فقال لها أيوب - وهي لم تعرفه لأنه عاد صحيحاً - مالَكِ يا امرأة ؟
قالت : كان لي ها هنا مريض فَفَقَدْته . فقال لها أيوب : أنا ذاك الذي تطلبينه !
وفي بعض الأخبار المروية أنه بقي في بلائه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات .
وقيل تعرَّضَ له إبليسُ فقال : إنْ أردتَ العافيةَ فاسجُدْ لي سجدةً ، فقال : { مسني الضُّرُّ } .
ويقال إن أيوب - عليه السلام - كان مُكَاشَفاً بالحقيقة ، مأخوذاً عنه ، فكان لا يُحِسُّ بالبلاء ، فَسَتَرَ عليه مرةً ، ورَدَّه إليه ، فقال : { مسني الضُّرُّ } .
ويقال أَدْخَلَ على أيوب تلك الحالة ، واستخرج منه هذه القالة ليظهر عليه إقامة العبودية .
ويقال أوحى الله إلى أيوب - عليه السلام - أنَّ هذا البلاء اختاره سبعون نبياً قَبْلَكَ فما اخْتَرْتُه إلا لَكَ ، فلمَّا أراد كَشْفَه عنه قال : { مسني الضُّرُّ } .
وقيل كوشف بمعنىً من المعاني فلم يَجِدْ أَلَمَ البلاء فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } لِفَقْدِي ألَمْ الضُّرِّ .
وقال جعفر الصادق : حَبَسَ عنه الوحيَ أربعين يوماً فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } لما لِحَقَه من الضعف بقيام الطاعة فاستجاب إليه بأنْ ردَّ عليه قُوَّتَه ليقوم بحقِّ الطاعة .
ويقال طلب الزيادةَ في الرضا فاستُجِيبَ له بكَشْفِ ما كان به من ضعف الرضا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.