فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (83)

{ *وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( 83 ) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتينه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ( 84 ) وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ( 85 ) وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين ( 86 ) } .

{ و } اذكر { أيوب إذ نادى ربه } لما ابتلي بفقد ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته ، وضيق عيشه { أني } أي بأني { مسني الضر } اختلف في الضر الذي كان نزل به ماذا هو ، فقيل إنه قام ليصلي فلم يقدر على النهوض . وقيل إنه أقر بالعجز فلا يكون ذلك منافيا للصبر . وقيل انقطع الوحي عنه أربعين يوما .

وقيل : إن دودة سقطت من لحمه فأخذها وردها في موضعها فأكلت منه فصاح مسني الضر . وقيل : كانت الدود تناول بدنه فيصبر حتى تناولت دودة قلبه . وقيل : إنه ضره قول إبليس لزوجته اسجدي لي ، فخاف ذهاب إيمانها ، وقيل : إنها تقذره قومه ؛ وقيل : أراد بالضر الشماتة ، وقيل غير ذلك .

وأخرج ابن عساكر والديلمي وابن النجار عن عقبة بن عامر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله لأيوب : " تدري ما جرمك عليّ حتى ابتليتك ؟ قال لا يا رب ، قال لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين " . وعن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه ولم يأمر بالمعروف ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله ، وفي إسناده جويبر ، ولما نادى ربه متضرعا إليه وصفه بغاية الرحمة فقال :

{ وأنت أرحم الراحمين } وألطف في السؤال ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر . قيل وإنما شكا إليه تلذذا بالنجوى منه لا تضررا بالشكوى ، والشكاية إليه غاية القرب ، كما أن الشكاية منه غاية البعد ،