تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ 7-8 } { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

أي : ليكن لديكم معلومًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين أظهركم ، وهو الرسول الكريم ، البار ، الراشد ، الذي يريد بكم الخير وينصح لكم ، وتريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ، ما لا يوافقكم الرسول عليه ، ولو يطيعكم في كثير من الأمر لشق عليكم وأعنتكم ، ولكن الرسول يرشدكم ، والله تعالى يحبب إليكم الإيمان ، ويزينه في قلوبكم ، بما أودع الله في قلوبكم من محبة الحق وإيثاره ، وبما ينصب على الحق من الشواهد ، والأدلة الدالة على صحته ، وقبول القلوب والفطر له ، وبما يفعله تعالى بكم ، من توفيقه للإنابة إليه ، ويكره إليكم الكفر والفسوق ، أي : الذنوب الكبار ، والعصيان : هي ما دون ذلك من الذنوب{[796]}  بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر ، وعدم إرادة فعله ، وبما نصبه من الأدلة والشواهد على فساده ، وعدم قبول الفطر له ، وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له{[797]} .

{ أُولَئِكَ } أي : الذين زين الله الإيمان في قلوبهم ، وحببه إليهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان { هُمُ الرَّاشِدُونَ } أي : الذين صلحت علومهم وأعمالهم ، واستقاموا على الدين القويم ، والصراط المستقيم .

وضدهم الغاوون ، الذين حبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، وكره إليهم الإيمان ، والذنب ذنبهم ، فإنهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم ، ولما { زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم أول مرة ، قلب الله أفئدتهم .


[796]:- في ب: أي: الذنوب الصغار.
[797]:- في ب: وبما يجعل الله في القلوب من الكراهة له.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَآعْلَمُوَاْ أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مّنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ وَلََكِنّ اللّهَ حَبّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلََئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ * فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَنِعْمَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : لأصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : واعلموا أيها المؤمنون بالله ورسوله ، أنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ فاتقوا الله أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإن الله يخبره أخباركم ، ويعرّفه أنباءكم ، ويقوّمه على الصواب في أموره .

وقوله : لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ يقول تعالى ذكره : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في الأمور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم لَعَنِتّمْ يقول : لنالكم عنت ، يعني الشدّة والمشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم لأنه كان يخطىء في أفعاله كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق : إنهم قد ارتدّوا ، ومنعوا الصدقة ، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين ، فغزاهم فقتل منهم ، وأصاب من دمائهم وأموالهم كان قد قتل ، وقتلتم من لا يحلّ له ولا لكم قتله ، وأخذ وأخذتم من المال ما لا يحلّ له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين ، فنالكم من الله بذلك عنت وَلَكِنّ اللّهَ حَبّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ بالله ورسوله ، فأنتم تطيعون رسول الله ، وتأتمون به فيقيكم الله بذلك من العنت ما لو لم تطيعوه وتتبعوه ، وكان يطيعكم لنالكم وأصابكم .

وقوله : وَزَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ يقول : وحسن الإيمان في قلوبكم فآمنتم وكَرّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ بالله وَالفُسُوقَ يعني الكذب ، والعِصْيانَ يعني ركوب ما نهى الله عنه في خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتضييع ما أمر الله به أُولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ يقول : هؤلاء الذين حبّب الله إليهم الإيمان ، وزيّنه في قلوبهم ، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون السالكون طريق الحقّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا أن فيكم رسول الله } أن بما في حيزه ساد مسد مفعولي اعلموا باعتبار ما قيد به من الحال وهو قوله : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } فإنه حال من أحد ضميري فيكم ، ولو جعل استئنافا لم يظهر للأمر فائدة . والمعنى أن فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي أنكم تريدون أن يتبع رأيكم في الحوادث ، ولو فعل ذلك { لعنتم } أي لوقعتم في الجهد من العنت ، وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وقوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } استدراك ببيان عذرهم ، وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لما سمعوا قول الوليد ، أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إحمادا لفعلهم وتعريضا بذم من فعل ويؤيده قوله : { أولئك هم الراشدون } أي أولئك المستثنون هم الذين أصابوا الطريق السوي ، { وكره } يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فإذا شدد زاد له آخر ، لكنه لما تضمن معنى التبعيض نزل كره منزلة بغض فعدي إلى آخر بإلى ، أو نزل إليكم منزلة مفعول آخر . و{ الكفر } : تغطية نعم الله بالجحود . { والفسوق } : الخروج عن القصد { والعصيان } : الامتناع عن الانقياد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

وقوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } توبيخ للكذبة ووعيد للفضيحة ، أي فليفكر الكاذب في أن الله عز وجل يفضحه على لسان رسوله ؛ ثم قال : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } أي لشقيتم وهلكتم ، والعنت : المشقة ، أي لو يطيعكم أيها المؤمنون في كثير مما ترونه باجتهادكم وتقدمكم بين يديه .

وقوله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم } الآية كأنه قال : ولكن الله أنعم بكذا وكذا ، وفي ذلك كفاية وأمر لا تقومون بشكره فلا تتقدموا في الأمور ، واقنعوا بإنعام الله عليكم ، وحبب الله تعالى الإيمان وزينه بأن خلق في قلوب المؤمنين حبه وحسنه ، وكذلك تكريه الكفر والفسق والعصيان ، وحكى الرماني عن الحسن أنه قال : حبب الإيمان بما وصف من الثواب عليه وكره الثلاثة المقابلة للإيمان بما وصف من العقاب عليها .

وقوله تعالى : { أولئك هم الراشدون } رجوع من الخطاب إلى ذكر الغيب ، كأنه قال : ومن فعل هذا وقبله وشكر عليه فأولئك هم الراشدون .