تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }

هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها . فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري " ألْحِقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر " - مشتملات على جل أحكام الفرائض ، بل على جميعها كما سترى ذلك ، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك . لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس ، مع إجماع العلماء على ذلك .

فقوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي : أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم ، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية ، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد ، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } فالأولاد عند والديهم موصى بهم ، فإما أن يقوموا بتلك الوصية ، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب .

وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين ، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم ، عليهم .

ثم ذكر كيفية إرثهم فقال : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } أي : الأولاد للصلب ، والأولاد للابن ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، إن لم يكن معهم صاحب فرض ، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك ، وقد أجمع العلماء على ذلك ، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم . وليس لأولاد الابن شيء ، حيث كان أولاد الصلب ذكورًا وإناثا ، هذا مع اجتماع الذكور والإناث . وهنا حالتان : انفراد الذكور ، وسيأتي حكمها . وانفراد الإناث ، وقد ذكره بقوله : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } أي : بنات صلب أو بنات ابن ، ثلاثا فأكثر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة } أي : بنتا أو بنت ابن { فَلَهَا النِّصْفُ } وهذا إجماع .

بقي أن يقال : من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك ؟

فالجواب أنه يستفاد من قوله : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة ، انتقل الفرض عن النصف ، ولا ثَمَّ بعده إلا الثلثان . وأيضا فقوله : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إذا خلَّف ابنًا وبنتًا ، فإن الابن له الثلثان ، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين ، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين .

وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها ، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى .

وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين : { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نص في الأختين الثنتين .

فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى . وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح .

بقي أن يقال : فما الفائدة في قوله : { فَوْقَ اثْنَتَيْن } ؟ . قيل : الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا . ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة ، وبنت ابن أو بنات ابن ، فإن لبنت الصلب النصف ، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس ، فيعطى بنت الابن ، أو بنات الابن ، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين .

ومثل ذلك بنت الابن ، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها .

وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين ، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين ، وقد تم . فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين ، وهو خلاف النص .

وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد .

ودل قوله : { مِمَّا تَرَكَ } أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك ، حتى الدية التي لم تجب إلا بعد موته ، وحتى الديون التي في الذمم{[186]}

ثم ذكر ميراث الأبوين فقال : { وَلِأَبَوَيْهِ } أي : أبوه وأمه { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أي : ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى ، واحدًا أو متعددًا .

فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد .

وأما الأب فمع الذكور منهم ، لا يستحق أزيد من السدس ، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب . وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا ، والباقي تعصيبًا ، لأننا ألحقنا الفروض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر ، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما .

{ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي : والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة ، ثم قدر نصيب الأُم ، فدل ذلك على أن الباقي للأب .

وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له ، بل يرث تعصيبا المال كله ، أو ما أبقت الفروض ، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه ، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي .

وقد دل على ذلك قوله : { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي : ثلث ما ورثه الأبوان . وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب ، وإما ربع في زوجة وأم وأب . فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملا مع عدم الأولاد حتى يقال : إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا .

ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء ، فيكون من رأس المال ، والباقي بين الأبوين .

ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال ، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج ، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس ، وهذا لا نظير له ، فإن المعهود مساواتها للأب ، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم .

{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أشقاء ، أو لأب ، أو لأم ، ذكورًا كانوا أو إناثًا ، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد [ لكن قد يقال : ليس ظاهرُ قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف ، فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون . ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال ، وهو معدوم ، والله أعلم ]{[187]}  ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر ، ويشكل على ذلك إتيان لفظ " الإخوة " بلفظ الجمع . وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد ، لا الجمع ، ويصدق ذلك باثنين .

وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان ، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقال في الإخوة للأُم : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع . فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة ، كان للأُم السدس ، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث ، مع حجب الأب إياهم [ إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب ]{[188]} .

ثم قال تعالى : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أي : هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين ، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته ، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة .

وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها ، لكون إخراجها شاقًّا على الورثة ، وإلا فالديون مقدمة عليها ، وتكون من رأس المال .

وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث . وأما غير ذلك فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة ، قال تعالى : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }

فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم ، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن ، في كل زمان ومكان . فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم ، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية .

{ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا ، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال .


[186]:- في ب: الذمة.
[187]:- زيادة من هامش ب وهناك زيادة أخرى في هامش أ وإن لم يتبين محلها، لكنها ذات صلة بهذا الموضوع وهي قوله: [وعند شيخ الإسلام إذا كان الإخوة غير وارثين فإنهم لا يحجبون الأم] وبعد كلمة الأم كلمة غير واضحة في الأصل.
[188]:- زيادة من هامش ب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِيَ أَوْلاَدِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لّمْ يَكُنْ لّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُمّهِ الثّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُمّهِ السّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ } : بعهد الله إليكم ، { فِي أوْلاَدِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } يقول يعهد إليكم ربكم إذا مات الميت منكم ، وخلف أولادا ذكورا وإناثا ، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بينهم ، للذكر منهم مثل حظّ الأنثيين ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، سواء فيه صغار ولده وكبارهم وإناثهم في أن جميع ذلك بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين ورفع قوله : «مثل » ، بالصفة ، وهي اللام التي في قوله : { للذّكَرِ } ولم ينصب بقوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ } لأن الوصية في هذا الموضع عهد وإعلام بمعنى القول ، والقول لا يقع على الأسماء المخبر عنها ، فكأنه قيل : يقول الله تعالى ذكره : لكم في أولادكم للذكر منهم مثل حظّ الأنثيين . وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم تبيينا من الله الواجب من الحكم في ميراث من مات وخلف ورثة على ما بيّن ، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده ممن كان لا يلاقي العدوّ ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده ، ولا للنساء منهم ، وكانو يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية ، فأخبر الله جلّ ثناؤه أن ما خلفه الميت بين من سمى وفرض له ميراثا في هذه الاَية وفي آخر هذه السورة ، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم : لهم ميراث أبيهم إذا لم يكن له وارث غيرهم ، للذكر مثل حظّ الأنثيين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } كان أهل الجاهلية لا يورّثون الجواري ، ولا الصغار من الغلمان ، لا يرث الرجلَ من ولده إلا من أطاق القتال . فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر ، وترك امرأة يقال لها أم كُحة وترك خمس أخوت ، فجاءت الورثة يأخذون ماله ، فشكت أم كحة ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية : { فإنْ كُنّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلُثا ما تَركَ وإنْ كانَتْ واحِدةً فَلَها النّصْفُ } ثم قال في أم كحة : { ولهُنّ الرّبعُ مِمّا تَركْتُمْ إنْ لمْ يَكنْ لَكُمْ ولَدٌ فإنْ كان لَكُمْ ولَدٌ فلَهُنّ الثمنٌ } .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم ، وقالوا : تعطى المرأة الربع والثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغيره ! فقال بعضهم : يا رسول الله ، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ، ونعطي الصبيّ الميراث ، وليس يغني شيئا ؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا من قاتل ، ويعطونه الأكبر فالأكبر .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل أن المال كان للولد قبل نزوله ، وللوالدين الوصية ، فنسخ الله تبارك وتعالى ذلك بهذه الاَية . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أو عطاء ، عن ابن عباس في قوله : { يُوصِيكمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ } قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحبّ ، فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد ، وللزوج الشطر والربع ، وللزوجة الربع والثمن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } قال : كان ابن عباس يقول : كان المال وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسح الله تبارك وتعالى من ذلك ما أحبّ ، فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مثله . ورُوي عن جابر بن عبد الله ما :

حدثنا به محمد بن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ، فتوضأ ونضح عليّ من وَضوئه فأفقت ، فقلت : يا رسول الله إنما يرثني كلالةٌ ، فكيف بالميراث ؟ فنزلت آية الفرائض .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : ثني محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في بني سملة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم رشّ عليّ فأفقت ، فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ؟ فنزلت { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكمْ } . . . الاَية .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ كُنّ نِساءً فَوْق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلثا ما تَركَ } .

يعني بقوله : { فإنْ كُنّ } فإن كان المتروكات نساء فوق اثنتين . ويعني بقول نِساء : بنات الميت فوق اثنتين ، يقول : أكثر في العدد من اثنتين . { فَلهُنّ ثُلُثا ما تَرَكَ } يقول : فلبناته الثلثان مما ترك بعده من ميراثه دون سائر ورثته إذا لم يكن الميت خلف ولدا ذكرا معهن .

واختلف أهل العربية في المعنيّ بقوله : { فإنْ كُنّ نِساءً } فقال بعض نحويي البصرة بنحو الذي قلنا : فإن كان المتروكات نساء ، وهو أيضا قول بعض نحويي الكوفة .

وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : فإن كان الأولاد نساء . وقال : إنما ذكر الله الأولاد ، فقال : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ } ثم قسم الوصية ، فقال : { فإنْ كُنّ نِساءً } وإن كان الأولاد واحدة ترجمة منه بذلك عن الأولاد .

قال أبو جعفر : والقول الأوّل الذي حكيناه عمن حكيناه عنه من البصريين أولى بالصواب في ذلك عندي ، لأن قوله : «وإن كنّ » ، لو كان معنيا به الأولاد ، لقيل : وإن كانوا ، لأن الأولاد تجمع الذكور والإناث ، وإذا كان كذلك ، فإنما يقال : كانوا لا كنّ .

القول في تأويل قوله تعالى : { وإنْ كانَتْ واحِدةً فَلَها النّصْفُ ولأبَويْهِ لِكُلّ واحِدٍ مِنْهُما السّدُسُ مِمّا تَرك إنْ كان لَهُ وَلَدٌ } .

يعني بقوله : وإن كانت المتروكة ابنة واحدة ، فلها النصف ، يقول : فلتلك الواحدة نصف ما ترك الميت من ميراثه إذا لم يكن معها غيرها من ولد الميت ذكر ولا أنثى .

فإن قال قائل : فهذا فرض الواحدة من النساء ، وما فوق الاثنتين ، فأين فريضة الاثنتين ؟ قيل : فريضتهم بالسنة المنقولة نقل الوراثة التي لا يجوز فيها الشكّ . وأما قوله : { وَلأَبَوَيْهِ } فإنه يعني : ولأبوي الميت لكل واحد منهما السدس من تركته وما خلف من ماله سواء فيه الوالدة والوالد ، لا يزداد واحد منهما على السدس إن كان له ولد ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة .

فإن قال قائل : فإذ كان كذلك التأويل ، فقد يجب أن لا يزاد الوالد مع الابنة الواحدة على السدس من ميراثه عن ولده الميت ، وذلك إن قلته قول خلاف لما عليه الأمة مجمعون من تصييرهم باقي تركة الميت مع الابنة الواحدة بعد أخذها نصيبها منها لوالده أجمع ؟ قيل : ليس الأمر في ذلك كالذي ظننت ، وإنما لكلّ واحد من أبوي الميت السدس من تركته مع ولده ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة ، فريضة من الله له مسماة ، فإن زيد على ذلك من بقية النصف مع الابنة الواحدة إذا لم يكن غيره وغير ابنة للميت واحدة فإنما زيدها ثانيا لقرب عصبة الميت إليه ، إذ كان حكم كل ما أبقته سهام الفرائض ، فلأولي عصبة الميت وأقربهم إليه بحكم ذلك لها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الأب أقرب عصبة ابنة وأولاها به إذا لم يكن لابنه الميت ابن .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَوَاهُ فلأُمّهِ الثّلُثُ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ } : فإن لم يكن للميت ولد ذكر ولا أنثى ، وورثه أبواه دون غيرهما من ولد وارث¹ { فلاّمّهِ الثّلُثُ } يقول : فلأمه من تركته وما خلف بعده ثلث جميع ذلك .

فإن قال قائل : فمن الذي له الثلثان الاَخران ؟ قيل له الأب . فإن قال قائل : بماذا ؟ قلت : بأنه أقرب أهل الميت إليه ، ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان الباقيان ، إذ كان قد بين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباده أن كل ميت فأقرب عصبته به أولى بميراثه بعد إعطاء ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه . وهذه العلة هي العلة التي من أجلها سمى للأم ما سمى لها ، إذا لم يكن الميت خلف وارثا غير أبويه ، لأن الأم ليست بعصبة في حال للميت ، فبين الله جلّ ثناؤه لعباده ما فرض لها من ميراث ولدها الميت ، وترك ذكر من له الثلثان الباقيان منه معها ، إذ كان قد عرّفهم في جملة بيانه لهم من له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم ، وكان بيانه ذلك معينا لهم على تكرير حكمه مع كل من قسم له حقا من ميراث ميت وسمّى له منه سهما .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فلأُمّهِ السّدُسُ } .

إن قال قائل : وما المعنى الذي من أجله ذكر حكم الأبوين مع الإخوة ، وترك ذكر حكمهما مع الأخ الواحد ؟ قلت : اختلاف حكمهما مع الإخوة الجماعة والأخ الواحد ، فكان في إبانة الله جلّ ثناؤه لعباده حكمهما فيما يرثان من ولدهما الميت مع إخوته غنى ، وكفاية عن أن حكمهما فيما ورثا منه غير متغير عما كان لهما ، ولا أخ للميت ، ولا وارث غيرهما ، إذ كان معلوما عندهم أن كل مستحقّ حقا بقضاء الله ذلك له ، لا ينتقل حقه الذي قضى به له ربه جلّ ثناؤه ، عما قضى به له إلى غيره ، إلا بنقل الله ذلك عنه إلى من نقله إليه من خلقه ، فكان في فرضه تعالى ذكره للأم ما فرض ، إذا لم يكن لولدها الميت وارث غيرها وغير والده ، لوائح الدلالة الواضحة للخلق أن ذلك المفروض هو ثلث مال ولدها الميت حقّ لها واجب ، حتى يغير ذلك الفرض من فرض لها ، فلما غير تعالى ذكره ما فرض لها من ذلك مع الإخوة الجماعة وترك تغييره مع الأخ الواحد ، علم بذلك أن فرضها غير متغير عما فرض لها إلا في الحال التي غيره فيها من لزم العباد طاعته دون غيرها من الأحوال .

ثم اختلف أهل التأويل في عدد الإخوة الذين عناهم الله تعالى ذكره بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةُ } فقال جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان ومن بعدهم من علماء أهل الإسلام في كل زمان : عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فلأُمّهِ السّدُسُ } اثنين كان الإخوة أو أكثر منهما ، أنثيين كانتا أو كنّ إناثا ، أو ذكرين كانا أو كانوا ذكورا ، أو كان أحدهما ذكرا والاَخر أنثى . واعتلّ كثير ممن قال ذلك بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جلّ ثناؤه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فنقلته أمة نبيه نقلاً مستفيضا قطع العذر مجيئه ، ودفع الشكّ فيه عن قلوب الخلق وروده .

ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول : بل عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } : جماعة أقلها ثلاثة . وكان ينكر أن يكون الله جل ثناؤه حجب الأم عن ثلثها مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة ، فكان يقول في أبوين وأخوين : للأم الثلث وما بقي فللأب ، كما قال أهل العلم في أبوين وأخ واحد . ذكر الرواية عنه بذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : ثني ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أنه دخل على عثمان رضي الله عنه ، فقال : لم صار الأخوان يردّان الأم إلى السدس ، وإنما قال الله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : هل أستطيع نقض أمر كان قبلي ، وتوارثه الناس ، ومضى في الأمصار ؟ .

قل أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن المعني بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } اثنان من إخوة الميت فصاعدا ، على ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، لنقل الأمة وراثة صحة ما قالوه من ذلك عن الحجة وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك .

فإن قال قائل : وكيف قيل في الأخوين إخوة ، وقد علمت أن للأخوين في منطق العرب مثالاً لا يشبه مثال الإخوة في منطقها ؟ قيل : إن ذلك وإن كان كذلك ، فإن من شأنها التأليف بين الكلامين بتقارب معنييهما وإن اختلفا في بعض وجوههما . فلما كان ذلك كذلك ، وكان مستفيضا في منطقها منتشرا مستعملاً في كلامها : ضربت من عبد الله وعمرو رءوسهما ، وأوجعت منهما ظهورهما ، وكان ذلك أشدّ استفاضة في منطها من أن يقال : أوجعت منهما ظهرهما ، وإن كان مقولاً : أوجعت ظهرهما كما قال الفرزدق :

بِمَا في فُؤَادَيْنَا مِنَ الحُبّ والهَوَى ***فَيَبْرَأُ مِنْهَاضُ الفُؤَادِ المَشَغّفُ

غير أن ذلك وإن كان مقولاً ، فأفصح منه : بما في أفئدتنا ، كما قال جلّ ثناؤه : { إنْ تَتوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُما } . فلما كان ما وصفت من إخراج كل ما كان في الإنسان واحدا إذا ضمّ إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر ، فصار اثنين من اثنين ، فلفظ الجمع أفصح في منطقها وأشهر في كلامها ، وكان الأخوان شخصين كل واحد منهما غير صاحبه من نفسين مختلفين أشبه معناهما معنى ما كان في الإنسان من أعضائه واحدا لا ثاني له ، فأخرج أنثييهما بلفظ أنثى العضوين اللذين وصفت ، فقيل إخوة في معنى الأخوين ، كما قيل ظهور في معنى الظهرين ، وأفواه في معنى فموين ، وقلوب في معنى قلبين . وقد قال بعض النحويين : إنما قيل إخوة ، لأن أقلّ الجمع اثنان ، وذلك أنه إذا ضمّ شيء إلى شيء صارا جميعا بعد أن كانا فردين فجمعا ، ليعلم أن الاثنين جمع . وهذا وإن كان كذلك في المعنى ، فليس بعلة تنبىء عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملاً مستفيضا على ألسن العرب لاثنينه بمثال ، وصورة غير مثال ثلاثة فصاعدا منه ، وصورتها ، لأن من قال أخواك قاما ، فلا شكّ أنه قد علم أن كل واحد من الأخوين فرد ضمّ أحدهما إلى الاَخر ، فصارا جميعا بعد أن كانا شتى عنوان الأمر . وإن كان كذلك فلا تستجيز العرب في كلامها أن يقال : أخواك قاموا ، فيخرج قولهم : قاموا ، وهو لفظ للخبر عن الجميع خبرا عن الأخوين وهما بلفظ الاثنين ، لأن لكل ما جرى به الكلام على ألسنتهم مثالاً معروفا عندهم ، وصورة إذا غير مغير ما قد عرفوه فيهم أنكروه ، فكذلك الأخوان وإن كان مجموعين ضمّ أحدهما إلى صاحبه ، فلهما مثال في المنطق ، وصورة غير مثال الثلاثة منهم فصاعدا وصورتهم ، فغير جائز أن يغير أحدهما إلى الاَخر إلا بمعنى مفهوم . وإذا كان ذلك كذلك فلا قول أولى بالصحة مما قلنا قبل .

فإن قال قائل : ولم نقصت الأم عن ثلثها بمصير إخوة الميت معها اثنين فصاعدا ؟ قيل : اختلفت العلماء في ذلك ، فقال بعضهم : نقصت الأم عن ذلك دون الأب ، لأن على الأب مؤنهم دون أمهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَورِثَهُ أبَوَاهُ فلأُمّهِ الثّلُثُ فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمّهِ السّدُسُ } أنزلوا الأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ، ويحجبها ما فوق ذلك . وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث ، لأن أباهم يلي نكاحهم ، والنفقة عليهم دون أمهم .

وقال آخرون : بل نقصت الأم السدس وقصر بها على سدس واحد معونة لإخوة الميت بالسدس الذي حجبوا أمهم عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : السدس الذي حجبته الإخوة الأم لهم إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أمهم . وقد روي عن ابن عباس خلاف هذا القول ، وذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس ، قال : الكلالة : من لا ولد له ولا والد .

قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب أن يقال في ذلك : إن الله تعالى ذكره فرض للأم مع الإخوة السدس لما هو أعلم به من مصلحة خلقه . وقد يجوز أن يكون ذلك كان لما ألزم الاَباء لأولادهم ، وقد يجوز أن يكون ذلك لغير ذلك ، وليس ذلك مما كلفنا علمه ، وإنما أمرنا بالعمل بما علمنا . وأما الذي روي عن طاوس عن ابن عباس ، فقول لما عليه الأمة مخالف ، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن لا ميراث لأخي ميت مع والده ، فكفى إجماعهم على خلافه شاهدا على فساده .

القول في تأويل قوله تعالى : { مِنْ بعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { مِنْ بعْدِ وَصِيّة يُوصِي بِهَا أوْ دَيْنٍ } أن الذي قسم الله تبارك وتعالى لولد الميت الذكور منهم والإناث ولأبويه من تركته من بعد وفاته ، إنما يقسمه لهم على ما قسمه لهم في هذه الاَية من بعد قضاء دين الميت الذي مات وهو عليه من تركته ومن بعد تنفيذ وصيته في بابها ، بعد قضاء دينه كله . فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت ولا لأحد ممن أوصى له بشيء إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته ، وإن أحاط بجميع ذلك . ثم جعل أهل الوصايا بعد قضاء دينه شركاء ورثته فيما بقي لما أوصى لهم به ما لم يجاوز ذلك ثلثه ، فإن جاوز ذلك ثلثه جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو ردّه إلى ورثته ، إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك ، وإن شاءوا ردّوه¹ فأما ما كان من ذلك إلى الثلث فهو ماض عليهم . وعلى كل ما قلنا من ذلك الأمة مجمعة . وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبر ، وهو ما :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث الأعور ، عن عليّ رضي الله عنه قال : إنكم تقرءون هذه الاَية : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا زكرياء بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ رضوان الله عليه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : حدثنا أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } قال : يبدأ بالدين قبل الوصية .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والعراق : { يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } ، وقرأ بعض أهل مكة والشام والكوفة : «يُوصَى بِها » على معنى ما لم يسمّ فاعله .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بها أوْ دَيْنٍ } على مذهب ما قد سمي فاعله ، لأن الاَية كلها خبر عمن قد سمي فاعله ، ألا ترى أنه يقول : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ } ؟ فكذلك الذي هو أولى بقوله : { يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } أن يكون خبرا عمن قد سمي فاعله¹ لأن تأويل الكلام : ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، من بعد وصية يوصي بها ، أو دين يُقْضَى عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : { إباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعا } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { آباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ } هؤلاء الذين أوصاكم الله به فيهم من قسمة ميراث ميتكم فيهم على ما سمّى لكم وبينه في هذه الاَية { آباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفعا } يقول : أعطوهم حقوقهم من ميراث ميتهم الذي أوصيتكم أن تعطوهموها ، فإنكم لا تعلمون أيهم أدنى وأشدّ نفعا لكم في عاجل دنياكم وآجل أخراكم .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { لا تَدْرُون أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } فقال بعضهم : يعني بذلك : أيهم أقرب لكم نفعا في الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس ، قوله : { آباؤُكمْ وأبْناؤُكمْ لا تَدْرُونَ أيّهمْ أقْرَب لَكمْ نَفْعا } يقول : أطوعكم لله من الأباء والأبناء ، أرفعكم درجة يوم القيامة ، لأن الله سبحانه يشفّع المؤمنين بعضهم في بعض .

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : { لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعا } قال بعضهم : في نفع الاَخرة ، وقال بعضهم : في نفع الدنيا .

وقال آخرون في ذلك بما قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { لا تَدْرُون أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } قال : أيهم خير لكم في الدين والدنيا الوالد أو الولد الذين يرثونكم لم يدخل عليكم غيرهم ، فرضي لهم المواريث لم يأت بآخرين يشركونهم في أموالكم .

القول في تأويل قوله تعالى : { فَرِيضةً مِنَ اللّهِ إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما } .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ } وإن كان له إخوة فلأمه السدس ، فريضةً ، يقول : سهاما معلومة موقتة بينها الله لهم . ونصب قوله : «فريضة » على المصدر من قوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأنْثَيَيْنِ فَرِيضةً } فأخرج فريضة من معنى الكلام ، إذ كان معناه ما وصفت . وقد يجوز أن يكون نصبه على الخروج من قوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس فريضة ، فتكون الفريضة منصوبة على الخروج من قوله : { فإنْ كان لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمّهِ السّدُسُ } كما تقول : هو لك هبة ، وهو لك صدقة مني عليك .

وأما قوله : { إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما } فإنه يعني جلّ ثناؤه : إن الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه أيها الناس ، فانتهوا إلى ما يأمركم يصلح لكم أموركم . { حَكِيما } يقول : لم يزل ذا حكمة في تدبيره وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض وفيما يقضي بينكم من الأحكام ، لا يدخل حكمه خلل ولا زلل ، لأن قضاء من لا يخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعقابة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

{ يوصيكم الله } يأمركم ويعهد إليكم . { في أولادكم } في شأن ميراثهم وهو إجمال تفصيله . { للذكر مثل حظ الأنثيين } أي يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه ، وتخصيص الذكر بالتنصيص على حظه لأن القصد إلى بيان فضله ، والتنبيه على أن التضعيف كاف للتفضيل فلا يحرمن بالكلية وقد اشتركا في الجهة ، والمعنى للذكر منهم فحذف للعلم به . { فإن كن نساء } أي إن كان الأولاد نساء خلصا ليس معهن ذكر ، الضمير فأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات . { فوق اثنتين } خبر ثان ، أو صفة للنساء أي نساء زائدات على اثنتين . { فلهن ثلثا ما ترك } المتوفى منكم ، ويدل عليه المعنى . { وإن كانت واحدة فلها النصف } أي وإن كانت المولودة واحدة . وقرأ نافع بالرفع على كان التامة ، واختلف في الثنتين فقال ابن عباس رضي الله عنهما حكمهما حكم الواحدة ، لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما . وقال الباقون حكمهما حكم ما فوقهما لأنه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى وهو الثلثان ، اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان . ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد رد ذلك بقوله : { فإن كن نساء فوق اثنتين } ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالحري أن تستحقه مع أخت مثلها . وأن البنتين أمس رحما من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله تعالى : { فلهما الثلثان مما ترك } . { ولأبويه } ولأبوي الميت . { لكل واحد منهما } بدل منه بتكرير العامل وفائدته التنصيص على استحقاق كل واحد منهما السدس ، والتفصيل بعد الإجمال تأكيدا . { السدس مما ترك إن كان له } أي للميت . { ولد } ذكر أو أنثى غير أن الأب يأخذ السدس مع الأنثى بالفريضة ، وما بقي من ذوي الفروض أيضا بالعصوبة . { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه } فحسب . { فلأمه الثلث } مما ترك وإنما لم يذكر حصة الأب ، لأنه لما فرض أن الوارث أبواه فقط وعين نصيب الأم علم أن الباقي للأب ، وكأنه قال : فلهما ما ترك أثلاثا ، وعلى هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزوجين ثلث ما بقي من فرضه كما قاله الجمهور ، لا ثلث المال كما قاله ابن عباس ، فإنه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذكر المساوي لها في الجهة والقرب وهو خلاف وضع الشرع . { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } بإطلاقه يدل على أن الإخوة يردونها من الثلث إلى السدس ، وإن كانوا لا يرثون مع الأب . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم ، والجمهور على أن المراد بالأخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث سواء كان من الإخوة أو من الأخوات ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا يحجب الأم من الثلث ما دون الثلاثة ولا الأخوات الخلص أخذا بالظاهر . وقرأ حمزة والكسائي { فلأمه } بكسر الهمزة اتباعا للكسرة التي قبلها . { من بعد وصية يوصي بها أو دين متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها أي هذه الأنصباء للورثة من بعد ما كان من وصية . أو دين ، وإنما قال بأو التي للإباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين ، وقدم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها الجميع والدين إنما يكون على الندور . وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بفتح الصاد . { آباؤكم وأنباؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم ، فتحروا فيهم ما أوصاكم الله به ، ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه . روي أن أحد المتوالدين إذا كان أرفع درجة من الآخر في الجنة سأل أن يرفع إليه فيرفع بشفاعته . أو من مورثيكم منهم أو من أوصى منهم فعرضكم للثواب بإمضاء وصيته ، أو من لم يوص فوفر عليكم ماله فهو اعتراض مؤكد لأمر القسمة أو تنفيذ الوصية . { فريضة من الله } مصدر مؤكد ، أو مصدر يوصيكم الله لأنه في معنى يأمركم ويفرض عليكم . { إن الله كان عليما } بالمصالح والرتب . { حكيما } فيما قضى وقدر .