بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

{ يُوصِيكُمُ الله في أولادكم } أي يبين الله لكم ميراث أولادكم كما بيّن قسمة المواريث ، يعني : إذا مات الرجل أو المرأة وترك أولاداً ذكوراً وإناثاً ، يكون { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأنثيين } يعني لكل ابن سهمان ، ولكل بنت سهم . وروى ابن أبي نجيح عن عطاء قال : كان ابن عباس يقول : كان الميراث للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للوالدين لكل واحد منهما السدس ، وللمرأة الثمن أو الربع ، وللزوج النصف أو الربع . ثم قال تعالى : { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين } يعني إذا ترك الميت بناتاً ولم يترك أبناء ، فللبنات إن كن اثنتين فصاعداً { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } من الميراث ، ولم يذكر في الآية حكم البنتين ، ولكن أجمع المسلمون ما خلا رواية عن ابن عباس أنه قال : للاثنتين النصف ، كما كان للواحدة وللثلاث بنات الثلثان وأما سائر الصحابة فقد قالوا : إن للاثنتين الثلثين ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هاتان ابنتا سعد وقد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ولم يدع لهما مالاً ، ولا تنكحان إلا ولهما مال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سَيَقْضِي الله ذلك » فأنزل الله تعالى آية الميراث ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمهما وقال : " أَعْطِ لابْنَتَيْ سَعْدٍ الثّلثَيْنِ وَأَعْطِ أمَّهُمَا الثُّمُنَ وَالبَاقِي لَكَ "

ثم قال تعالى : { وَإِن كَانَتْ واحدة فَلَهَا النصف } يعني : إن ترك الميت بنتاً واحدة فلها النصف من الميراث ، والباقي للعصبة بالخبر . قرأ نافع : ( وإن كانت واحدة ) بالرفع على اسم كانت وقرأ الباقون بالنصب على معنى الخبر ؛ ويكون الاسم فيه مضمراً . ثم قال تعالى : { ولأبويه لِكُلّ واحد مّنْهُمَا السدس مِمَّا تَرَكَ } الميت من المال { وَإِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } ذكر أو أنثى أو ولد الابن { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ } للميت { وَلَدَ } ولا ولد ابن { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } يعني : إن لم يكن للميت وارث سوى الأبوين { فَلاِمّهِ الثلث } يعني للأم ثلث المال والباقي للأب . قرأ حمزة والكسائي : ( فلإمه ) بكسر الألف لكسر ما قبله ، وقرأ الباقون بالضم . ثم قال تعالى : { وَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِهِ السدس } يعني : إذا كان للميت إخوة ، وقد اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسم الإخوة يقع على الاثنين فصاعداً ، إلا في قول ابن عباس ثلاثة فصاعداً ، واتفقوا أن الذكور والإناث فيه سواء ، فيكون للأم السدس والباقي للأب { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ } يعني : أن قسمة المواريث من بعد وصية { يُوصِى بِهَا } الميت { أَوْ دَيْنٍ } يعني بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية .

وروى الحارث عن علي رضي الله عنه قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقرؤون { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } يعني أن في الآية تقديماً وتأخيراً ، وروي عن ابن عباس هكذا . قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ( يوصى بها ) على فعل ما لم يسم فاعله . وقرأ الباقون { يُوصِى بِهَا } يعني الميت إن كان يوصي بها أو عليه دين .

ثم قال تعالى : { آباؤكم وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً } يعني في الآخرة ، إذا كان أحدهما أرفع درجة من الآخر يسأل الله تعالى حتى يرفع إليه الآخر لتقر عينه به فقال : { لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } يعني أيهم أرفع درجة ، فيلتحق به صاحبه . ويقال : معناه أن الله علمكم قسمة المواريث ، وأنكم لا تدرون { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } حتى تعطوه حصته ، ويقال { لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } موتاً فيرث منه الآخر . ثم قال تعالى : { فَرِيضَةً مّنَ الله } يعني بيان قسمة المواريث من الله تعالى ، ويقال : القسمة فريضة من الله تعالى ، لا يجوز تغييرها عما أمر الله به . ثم قال تعالى : { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً } بالمواريث { حَكِيماً } حكم قسمتها وبيّنها لأهلها . وقال الزجاج : معناه وكان الله { عليماً } بالأشياء قبل خلقها ، { حكيماً } فيما يقرر بتدبيره منها . وقال بعضهم : لأن الله تعالى لم يزل ، ولا يزال فالخبر منه بالماضي كالخبر منه بالاستقبال . وقال سيبويه : كأن القوم شاهدوا علماً وحكماً ، فقيل لهم : إن الله كان عليماً كذلك ، لم يزل على ما شاهدتم .