{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } له الكمال والثناء والحمد والمجد من جميع الوجوه ، المنزه عن كل آفة ونقص .
{ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } بل الملك كله لله الواحد القهار ، فالعالم العلوي والسفلي ، كلهم مملوكون لله ، ليس لأحد من الملك شيء .
{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } أي : لا يتولى أحدًا من خلقه ليتعزز به ويعاونه ، فإنه الغني الحميد ، الذي لا يحتاج إلى أحد من المخلوقات ، في الأرض ولا في السماوات ، ولكنه يتخذ أولياء إحسانًا منه إليهم ورحمة بهم { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور }
{ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي : عظمه وأجله بالإخبار بأوصافه العظيمة ، وبالثناء عليه ، بأسمائه الحسنى ، وبتجميده بأفعاله المقدسة ، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص الدين كله له .
تم تفسير سورة الإسراء ولله الحمد والمنة والثناء الحسن على يد جامعه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين أمين وصلى الله على محمد وسلم تسليمًا وذلك في 7 جمادى الأولى سنة 1344 .
المجلد الخامس من تيسير الكريم الرحمن من تفسير كلام المنان لجامعه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن ناصر السعدي{[480]} .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية : { وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . } .
أى : وقل - أيها الرسول الكريم - : الحمد الكامل ، والثناء الجميل ، لله - تعالى - وحده ، الذى لم يتخذ ولدًا ؛ لأنه هو الغنى ، كما قال - تعالى - : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض . . } ولم يكن له ، - سبحانه - { شَرِيكٌ فِي الملك } بل هو المالك لكل شىء ليس له فى هذا الكون من يزاحمه أو يشاركه فى ملكه أو فى عبادته . كما قال - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } وكما قال - عز وجل - : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل } أى : ولم يكن له - سبحانه - ناصر ينصره من ذل أصابه أو نزل به ، لأنه - عز وجل - هو أقوى الأقوياء ، وقاهر الجبابرة ، ومذل الطغاة ، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } { وكبره تكبيرا } أى : وعظمه تعظيمًا تامًا كاملاً ، يليق بجلاله عز وجل .
قال الإِمام ابن كثير : عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله كبيرهم وصغيرهم هذه الآية . { الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً . . . }
ثم قال ابن كثير : وقد جاء فى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها آية العز .
وقوله تعالى : { وقل الحمد لله }{[7735]} الآية ، هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذاً : عزير وعيسى والملائكة ذرية لله سبحانه وتعالى عن أقوالهم ، ورادة على العرب في قولهم لولا أولياء الله لذل وقيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذي وعلى جهة الانتصار ، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده ، قال مجاهد : المعنى لم يحالف أحداً ولا ابتغى نصر أحد ، وقوله { وكبره تكبيراً } أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال ، ثم أكدها بالمصدر تحقيقاً لها وإبلاغاً{[7736]} في معناها ، وروى مطرف عن عبد الله بن كعب قال : افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة . نجز تفسير سورة سبحان والحمد لله رب العالمين .
لما كان النهي عن الجهر بالدعاء أو قراءة الصلاة سداً لذريعة زيادة تصميمهم على الكفر أعقب ذلك بأمره بإعلان التوحيد لقطع دابر توهم من توهموا أن الرحمان اسم لمسمى غير مسمى اسم الله ، فبعضهم توهمه إلهاً شريكاً ، وبعضهم توهمه مُعيناً وناصراً ، أمر النبي بأن يقول ما يقلع ذلك كله وأن يعظمه بأنواع من التعظيم .
وجملة { الحمد لله } تقتضي تخصيصه تعالى بالحمد ، أي قصر جنس الحمد عليه تعالى لأنه أعظم مستحق لأن يحمد . فالتخصيص ادعائي بادعاء أن دواعي حمد غير الله تعالى في جانب دواعي حمد الله بمنزلة العدم ، كما تقدم في سورة الفاتحة .
و ( مِن ) في قوله : { من الذل } بمعنى لام التعليل .
والذل : العجز والافتقار ، وهو ضدّ العز ، أي ليس له ناصر من أجل الذل . والمراد : نفي الناصر له على وجه مؤكد ، فإن الحاجة إلى الناصر لا تكون إلا من العجز عن الانتصار للنفس . ويجوز تضمين ( الولي ) معنى ( المانع ) فتكون ( من ) لتعدية الاسم المضمن معناه .
ومعنى { كبره } اعتقد أنه كبير ، أي عظيم العِظم المعنوي الشامل لوجوب الوجود والغِنى المطلق ، وصفات الكمال كلها الكاملة التعلقات ، لأن الاتصاف بذلك كله كمال ، والاتصاف بأضداد ذلك نقص وصغار معنوي .
وإجراء هذه الصلات الثلاث على اسم الجلالة الذي هو متعلق الحمد لأن في هذه الصلاة إيماء إلى وجه تخصيصه بالحمد . والإتيان بالمفعول المطلق بعد { كَبّره } للتوكيد ، ولما في التنوين من التعظيم ، ولأنّ من هذه صفاته هو الذي يقدر على إعطاء النعم التي يعجز غيره عن إسدائها .