{ 8 - 11 } { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }
يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء فقال : { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى } من بني آدم وغيرهم ، { وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ } أي : تنقص مما فيها إما أن يهلك الحمل أو يتضاءل أو يضمحل { وَمَا تَزْدَادُ } الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها ، { وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه .
ثم صور - سبحانه - سعة علمه تصويراً عميقاً ، تقشعر منه الجلود ، وترتجف له المشاعر ، وساق سنة من سننه التي لا تتغير ولا تتبدل ، فقال - تعالى - :
{ لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ . . . } .
قوله - سبحانه - { الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ } كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته - سبحانه - .
{ وتغيض } من الغيض النقص . يقال : غاض الماء إذا نقص .
و { ما } موصولة والعائد محذوف . أى : الله وحده هو الذي يعلم ما تحمله كل أنثى في بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى . . . وهو وحده - سبحانه - الذي يعلم ما يكون في داخل الأرحام من نقص في الخلقة أو زيادة فيها ، ومن نقص في مدة الحمل أو زيادة فيها ، ومن نقص في العدد أو زيادة فيه . . .
قال ابن كثير : " قوله { وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ } قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر . حدثنا معن ، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعملها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ، ولا تدري نفس بأى أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " .
وقال العوفى عن ابن عباس { وَمَا تَغِيضُ الأرحام } يعنى السقط { وَمَا تَزْدَادُ } .
يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهم من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص . فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله - تعالى - وكل ذلك بعلمه - سبحانه- .
وقوله : { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } أى : وكل شئ عنده - سبحانه - بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه ، كما قال - تعالى - { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وكما قال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } فهو - سبحانه - يعلم كمية كل شئ وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله .
لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور - قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث :
فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب ، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث ، من الأجنة من كل نوع من الحيوان ؛ وهذه البدأة{[6911]} تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة .
و { ما } في قوله : { ما تحمل } يصح أن تكون بمعنى الذي ، مفعولة { يعلم } ويصح أن تكون مصدرية ، مفعولة أيضاً ب { يعلم } ، ويصح أن تكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء ، والخبر : { تحمل } وفي هذا الوجه ضعف{[6912]} .
وفي مصحف أبي بن كعب : «ما تحمل كل أنثى وما تضع » .
وقوله : { وما تغيض الأرحام } معناه : ما تنقص ، وذلك أنه من معنى قوله : { وغيض الماء }{[6913]} [ هود : 44 ] وهو بمعنى النضوب فهي - هاهنا - بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه ، فلما قابله قوله : { وما تزداد } فسر بمعنى النقصان : ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان : فقال مجاهد «غيض الرحم » أن يهرق دماً على الحمل ، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب ، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم ، فهذا هو معنى قوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل .
وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض ، فيكون قوله : { وما تزداد } - بعد ذلك - جارياً مجرى { تغيض } على غير مقابلة ، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه .
وقال الضحاك : غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد ، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاماً في خلقه .
وقال قتادة : الغيض : السقط ، والزيادة : البقاء بعد تسعة أشهر .
وقوله : { وكل شيء عنده بمقدار } لفظ عام في كل ما يدخله التقدير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.