{ 45 ْ } { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ْ }
يخبر تعالى ، عن سرعة انقضاء الدنيا ، وأن الله تعالى إذا حشر الناس وجمعهم ليوم لا ريب فيه ، كأنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار ، وكأنه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس ، وهم يتعارفون بينهم ، كحالهم في الدنيا ، ففي هذا اليوم يربح المتقون ، ويخسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين إلى الصراط المستقيم والدين القويم ، حيث فاتهم النعيم ، واستحقوا دخول النار .
وبعد أن بينت السورة الكريمة أحوال أولئك المشركين في الدنيا ، ومواقفهم من الدعوة الإِسلامية ، أتبعت ذلك بالحديث عن أحوالهم يوم الحشر ، ومن استعجالهم للعذاب ، وعن رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم ، فقال - تعالى - :
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً . . . } .
قوله - سبحانه - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } بيان لأحوالهم السيئة عند جمعهم لحساب يوم القيامة .
إذ الحشر - كما يقول الراغب - إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها .
والمراد به هنا : إخراج الناس من قبورهم وجمعهم في الموقف لحسابهم على أعمالهم الدنيوية .
المقصود بالساعة هنا : المدة القليلة من الزمان ، فقد جرت العادة أن يضرب بها المثل في الوقت القصير .
والمعنى : واذكر يا أيها الرسول الكريم ، وذكرهؤلاء المشركين الذين عموا وصموا عن الحق ، يوم يجمعهم الله - في الآخرة للحساب والعقاب ، فيشتد كريهم ، وينسون تلك الملذات والشهوات . . التي استمتعوا بها في الدنيا ، حتى لكأنهم لم يلبثوا فيها وفى قبورهم ، إلا ساعة من النهار أى : إلا مدة قصيرة من النهار ، يتعارفون بينهم ، أى : لا تتسع تلك المدة إلا للتعارف فيما بينهم .
وقوله : { كَأَن لَّمْ يلبثوا } جملة حالية من ضمير الجمع في يحشرهم .
وخصت الساعة بكونها من النهار ، لأنها أعرف لهم من ساعات الليل .
والمقصود بالتشبيه : بيان أن هذه السنوات الطويلة التي قضاها هؤلاء المشركون في الدنيا يتمتعون بلهوها ولعبها ، ويستبعدون معها أن هناك بعثا وحسابا . . قد زالت عن ذاكرتهم في يوم القيامة ، حتى لكأنهم لم يمكثوا فيها سوا وقت قصير لا يتسع لأكثر من التعارف القليل مع الأقارب والجيران والأصدقاء ، حتى لكأن ذلك النعيم الذي تقلبوا فيه دهراً طويلا لم يروه من قبل . . .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - في سورة الأحقاف : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وقوله - سبحانه ، في سورة الروم { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } فإن قيل : إن هناك بعض الآيات ذكرت أنهم عندما يسألون يحسبون بأنهم لبثوا في الدنيا يوما أو بعض يوم ، أو عشية أو ضحاها كما في قوله - تعالى - : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض عَدَدَ سِنِينَ . قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وكما في قوله - تعالى - { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } فكيف نجمع بين هذه الآيات التي اختلفت إجابتهم فيها ؟
فالجواب : أن أهل الموقف يختلفون في تقدير الزمن الذي لبثوه في الدنيا على حسب اختلاف أحوالهم ، وعلى حسب أهوال كل موقف ، فإن في يوم القيامة مواقف متعددة بعضها أشد من بعض .
وقوله { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } جملة حالية أيضا من ضمير الجمع في يحشرهم .
قال القرطبي : " وهذا التعارف توبيخ وافتضاح ، يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر ، وليس تعارف شفقة ورحمة وعطف . . . والصحيح أنه لا ينقطع هذا التعارف التوبيخي عند مشاهدة أهوال القيامة ، لقوله - تعالى -
{ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول } فأما قوله : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } وأشباهه فمعناه : لا يسأله سؤال رحمة وشفقة . .
وقوله : { قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } جملة مستأنفة مسوقة لبيان حكم الله عليهم في آخرتهم بعد أن ضيعوا دنياهم .
والمراد بلقاء الله : مطلق الحساب والجزاء الكائن في يوم القيامة .
أى : أن هؤلاء الأشقياء الذين أعرضوا عن الحق وأنكروا الحشر ، قد خسروا سعادتهم الأبدية ، وحق عليهم العذاب المهين ، بسبب كفرهم وطغيانهم ، وعدم اهتدائهم إلى طريق النجاة .
{ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون ، والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ، أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره : كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف ، أي : حشراً كأن لم يلبثوا قبله . { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا ، وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة ، أو بيان لقوله : { كأن لم يلبثوا } أو متعلق الظرف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم . { قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله } استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يتعارفون على إرادة القول . { وما كانوا مُهتدين } لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.