{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ْ } أي : لا تصل في ذلك المسجد الذي بني ضرارا أبدا . فاللّه يغنيك عنه ، ولست بمضطر إليه .
{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ْ } ظهر فيه الإسلام في " قباء " وهو مسجد " قباء " أسس على إخلاص الدين للّه ، وإقامة ذكره وشعائر دينه ، وكان قديما في هذا عريقا فيه ، فهذا المسجد الفاضل { أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ْ } وتتعبد ، وتذكر اللّه تعالى فهو فاضل ، وأهله فضلاء ، ولهذا مدحهم اللّه بقوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ْ } من الذنوب ، ويتطهروا من الأوساخ ، والنجاسات والأحداث .
ومن المعلوم أن من أحب شيئا لا بد أن يسعى له ويجتهد فيما يحب ، فلا بد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ والأحداث ، ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه ، وكانوا مقيمين للصلاة ، محافظين على الجهاد ، مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة شرائع الدين ، وممن كانوا يتحرزون من مخالفة اللّه ورسوله .
وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية في مدحهم عن طهارتهم ، فأخبروه أنهم يتبعون الحجارة الماء ، فحمدهم على صنيعهم .
{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ْ } الطهارة المعنوية ، كالتنزه من الشرك والأخلاق الرذيلة ، والطهارة الحسية كإزالة الأنجاس ورفع الأحداث .
ثم نهى الله - تعالى - ورسوله والمؤمنين عن الصلاة في هذا المسجد نهيا مؤكداً فقال - سبحانه - : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } .
أى : لا تصل . أيها الرسول الكريم . في هذا المسجد في أى وقت من الأوقات لأنه لم يبين لعبادة الله ، وإنما بنى للشقاق والنفاق .
قال القرطبى : قوله - تعالى - { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } يعنى مسجد الضرار . لا تقم فيه للصلاة ، وقد يعبر عن الصلاة بالقيام . يقال : فلان يقوم الليل أى : يصلى ، ومنه الحديث الصحيح : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقد روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها هذا المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار . .
وقوله : { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } جملة مسوقة لمدح مسجد قباء وتشريفه .
أى : لمسجد بنى أساسه ، ووضعت قواعده لعى تقوى الله وإخلاص العبادة له منذ أول يوم بدئ في بنائه ، أحق أن تقوم للصلاة فيه من غيره .
قال الآلوسى ما ملخصه : واللام في قوله " لمسجد " إما للابتداء أو للقسم . أى : والله لمسجد ، وعلى التقديرين فمسجد مبتدأ ، والجملة بعده صفته ، وقوله { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } خبر المبتدأ : " وأحق " أفعل تفضيل ، والمفضل عليه كل مسجد . أو مسجد الضرار على الفرض والتقدير ، أو على زعمهم ، وقيل إنه بمعنى حقيق ، أى : ذلك المسجد بأن تصلى فيه . .
وقوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين } جملة مسوقة لتكريم رواد هذا المسجد ومديحهم .
أى : في هذا المسجد رجال أتقياء الظاهر والباطن ، إذهم يحبون الطهارة من كل رجس حسى ومعنوى ، ومن كان كذلك أحبه الله ورضى عنه .
{ لا تقم فيه أبدا } للصلاة . { لمسجد أُسّس على التقوى } يعني مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه أوفق للقصة ، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبي سعيد رضي الله عنه : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة " . { من أول يوم } من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله :
لمن الديار بقُنة الحجر *** أقوين من حجَجِ ومن دهرِ
{ أحق أن تقوم فيه } أولى بأن تصلي فيه . { فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا } من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى ، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها . { والله يحب المطّهّرين } يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه . قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال عليه الصلاة والسلام : " أمؤمنون أنتم " فسكتوا . . فأعادها فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أترضون بالقضاء ؟ قالوا : نعم . قال عليه الصلاة والسلام : " أتصبرون على البلاء " قالوا : نعم ، قال : " أتشكرون في الرخاء " ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم : " أنتم مؤمنون ورب الكعبة " . فجلس ثم قال : " يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط " ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.