{ 11-13 } { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
يقول تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } هذا عام لجميع المصائب ، في النفس ، والمال ، والولد ، والأحباب ، ونحوهم ، فجميع ما أصاب العباد ، فبقضاء الله وقدره ، قد سبق بذلك علم الله [ تعالى ] ، وجرى به قلمه ، ونفذت به مشيئته ، واقتضته حكمته ، والشأن كل الشأن ، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام ، أم لا يقوم بها ؟ فإن قام بها ، فله الثواب الجزيل ، والأجر الجميل ، في الدنيا والآخرة ، فإذا آمن أنها من عند الله ، فرضي بذلك ، وسلم لأمره ، هدى الله قلبه ، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب ، كما يجري لمن{[1118]} لم يهد الله قلبه ، بل يرزقه الثبات عند ورودها{[1119]} والقيام بموجب الصبر ، فيحصل له بذلك ثواب عاجل ، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب{[1120]} كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب ، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره ، بل وقف مع مجرد الأسباب ، أنه يخذل ، ويكله الله إلى نفسه ، وإذا وكل العبد إلى نفسه ، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد ، قبل عقوبة الآخرة ، على ما فرط في واجب الصبر . هذا ما يتعلق بقوله : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } في مقام المصائب الخاص ، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي ، فإن الله أخبر أن كل من آمن أي : الإيمان المأمور به ، من{[1121]} الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وصدق إيمانه بما يقتضيه الإيمان من القيام بلوازمه وواجباته ، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أحواله وأقواله ، وأفعاله{[1122]} وفي علمه وعمله .
وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان ، كما قال تعالى في الأخبار : أن المؤمنين يثبتهم الله{[1123]} في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
وأصل الثبات : ثبات القلب وصبره ، ويقينه عند ورود كل فتنة ، فقال : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبًا ، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات ، وذلك لما معهم من الإيمان .
ثم بين - سبحانه - أن كل شىء بقضائه وقدره فقال : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } .
والمراد بالمصيبة : الرزية والنكبة ، وكل ما يسوء الإنسان فى نفسه أو ماله أو ولده . . . والمفعول محذوف ، و " من " للتأكيد ، و { مُّصِيبَةٍ } فاعل .
أى : ما أصاب أحدا مصيبة فى نفسه أو ماله أو ولده . . إلا بإذن الله - تعالى - وأمره وإرادته ، لأن كل شىء بقضائه - سبحانه - وقدره .
قال القرطبى : قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله - تعالى - عن المصائب .
فأنزل الله - تعالى - هذه الآية للرد على المشركين ، ولبيان أن كل شىء بإرادته - سبحانه - .
ثم بين - سبحانه - أن الإيمان الحق يعين على استقبال المصائب بصبر جميل فقال : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى : ومن يؤمن بالله - تعالى - إيمانا حقا يهد قلبه إلى الصبر الجميل ، وإلى الاستسلام لقضائه - سبحانه - لأن إيمانه الصادق يجعله يعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، والله - تعالى - عليم بكل شىء ، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء .
قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ } أى : ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره : فصبر واحتسب واستسلم لقضائه - تعالى - هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا .
وفى الحديث المتفق عليه : عجبا للمؤمن ، لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } [ الحديد : 22 ] وهكذا قال هاهنا : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } قال ابن عباس : بأمر الله ، يعني : عن قدره {[28920]} ومشيئته .
{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره ، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله ، هدى الله قلبه ، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه ، ويقينا صادقًا ، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه ، أو خيرًا منه .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني : يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
قال الأعمش ، عن أبي ظِبْيان قال : كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } فسئل عن ذلك فقال : هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم . رواه ابن جرير{[28921]} وابن أبي حاتم في م : " وابن أبي حاتم في تفسيرهما " . {[28922]}
وقال سعيد بن جبير ، ومقاتل بن حيان : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } يعني : يسترجع ، يقول : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ]
وفي الحديث المتفق عليه : " عجبًا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، إن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرًا له ، وإن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " {[28923]}
وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا الحارث بن يزيد ، عن علي بن رَبَاح ؛ أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول : سمعت عبادة بن الصامت يقول : إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ، وتصديق به ، وجهاد في سبيله " . قال : أريد أهونَ من هذا يا رسول الله . قال : " لا تتهم الله في شيء ، قضى لك به " . لم يخرجوه{[28924]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.