تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المدثر [ وهي ] مكية

{ 1 - 7 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }

تقدم أن المزمل والمدثر بمعنى واحد ، وأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، بالاجتهاد في عبادة الله القاصرة والمتعدية ، فتقدم هناك الأمر له بالعبادات الفاضلة القاصرة ، والصبر على أذى قومه ، وأمره هنا بإعلان الدعوة{[1274]} ، والصدع بالإنذار ، فقال : { قُمِ }


[1274]:- في ب: بالإعلان بالدعوة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المدثر

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المدثر " من أوائل السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ويغلب على الظن أن نزولها كان بعد نزول صدر سورة " اقرأ " .

ويشهد لذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة –رضي الله عنها- : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الوحي وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال له : [ اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق . ] .

وروى الشيخان –أيضا- وغيرهما ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ؟ فقال : يأيها المدثر . قلت : يقولون : اقرأ باسم ربك . .

فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، فقال : يأيها المدثر لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري : هبطت الوادي ، فنوديت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا . . فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فرجعت على أهلي فقلت : دثروني ، دثروني ، فنزلت [ يأيها المدثر ، قم فأنذر . ] .

قال الآلوسي ما ملخصه : وظاهر هذا الحديث يقتضي نزول هذه السورة قبل سورة اقرأ ، مع أن المروي في الصحيحين عن عائشة أن سورة " اقرأ " أول ما نزل على الإطلاق ، وهو الذي ذهب إليه أكثر الأمة ، حتى قال بعضهم وهو الصحيح .

وللجمع بين هذين الحديثين وجوه منها : أن مراد جابر بالأولية أولية مخصوصة ، بما نزل بعد فترة الوحي ، لا أولية مطلقة كما هو الحال بالنسبة لسورة اقرأ . أو أن السؤال في حديث جابر ، كان عن نزول سورة كاملة ، فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها . أو أن جابرا قد قال ذلك باجتهاده ، ويقدم على هذا الاجتهاد ما ذكرته عائشة من أن أول ما نزل على الإطلاق ، هو صدر سورة اقرأ . . ( {[1]} ) .

أقول : وفي هذا الحديث ما يدل على أن الملك قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل رؤيته في هذه المرة ، وفي غار حراء بدأ الوحي ونزل قول الله تعالى : " اقرأ باسم ربك الذي خلق . . . " وذلك يدل على أن " اقرأ " أول ما نزل على الإطلاق ، وهو ما جاء في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها .

وعلى أية حال فسورة المدثر تعتبر من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن ، كما يرى ذلك من تدبر آياتها التي تحض الرسول صلى الله عليه وسلم على إنذار الناس بدعوته .

وعدد آياتها : ست وخمسون آية في المصحف الكوفي ، وخمس وخمسون في البصري .

ومن أهم مقاصدها : تكريم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمره بتبليغ ما أوحاه الله –تعالى- إليه إلى الناس ، وتسليته عما أصابه من أذى ، وتهديد أعدائه بأشد ألوان العقاب ، وبيان حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين ، والرد عليهم بما يبطل دعاواهم . .

قد افتتح الله - تعالى - سورة المدثر ، بالملاطفة والمؤانسة فى النداء والخطاب ، كما افتتح سورة المزمل . والمدثر اسم فاعل من تدثر فلان ، إذا لبس الدثار ، وهو ما كان من الثياب فوق الشعار الذى يلى البدن ، ومنه حديث : " الأنصار شعار والناس دثار " .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { ياأيها المدثر } ملاطفة فى الخطاب من الكريم إلى الحبيب ، إذ ناداه بحاله ، وعبر عنه بصفته ، ولم يقل يا محمد ويا فلان ، ليستشعر اللين والملاطفة من ربه ، كما تقدم فى سورة المزمل . ومثله قول النبى صلى الله عليه وسلم لِعَلىٍّ إذ نام فى المسجد " قم أبا تراب " .

وكان قد خرج مغاضبا لفاطمة - رضى الله عنها - ، فسقط رداؤه وأصابه التراب . ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان ليلة الخندق " قم يا نومان " .

والمراد بالقيام فى قوله - تعالى - : قم فأنذر ، المسارعة والمبادرة والتصميم على تنفيذ ما أمره - سبحانه - به ، والإِنذار هو الإِخبار الذى يصاحبه التخويف .

أى : قم - أيها الرسول الكريم - وانهض من مضجعك ، وبادر بعزيمة وتصميم ، على إنذار الناس وتخويفهم من سوء عاقبتهم ، إذا ما استمروا فى كفرهم ، وبلغ رسالة ربك إليهم دون أن تخشى أحدا منهم ، ومرهم بأن يخلصوا له - تعالى - العبادة والطاعة .

والتعبير بالفاء فى قوله : { فَأَنذِرْ } للإِشعار بوجوب الإِسراع بهذا الإِنذار بدون تردد .

وقال : فأنذر ، دون فبشر ، لأن الإِنذار هو المناسب فى ابتداء تبليغ الناس دعوة الحق حتى يرجعوا عما هم فيه من ضلال .

ومفعول أنذر محذوف . أى : قم فأنذر الناس ، ومرهم بإخلاص العبادة لله .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المدثر

وهي مكية .

ثبت في صحيح البخاري [ من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ]{[29456]} عن جابر أنه كان يقول : أول شيء نزل من القرآن : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ }

وخالفه{[29457]} الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } كما سيأتي [ بيان ]{[29458]} ذلك هناك .

قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وَكِيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ، قال : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } قلت : يقولون : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلتُ له مثل ما قلتَ لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاورت بحرَاء ، فلما قضيت جواري هبطتُ فنُوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا . فرفعت رأسي فرأيت شيئًا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني . وصبوا علي ماء باردا . قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال : فنزلت { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } {[29459]}

هكذا ساقه من هذا الوجه . وقد رواه مسلم{[29460]} من طريق عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : " فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قبَلَ السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجَثَثْتُ{[29461]} منه حتى هَوَيتُ إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي ، فقلت : زملوني زملوني . فزملوني ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } إلى : { فَاهْجُرْ } -

قال أبو سلمة : والرجز : الأوثان - ثم حَميَ الوحيُ وتَتَابع " .

هذا لفظ البخاري{[29462]} وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ، لقوله : " فإذا الملك الذي جاءني{[29463]} بحراء " ، وهو جبريل حين أتاه بقوله : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا . ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا حجاج ، حدثنا لَيْث ، حدثنا عُقَيل ، عن ابن شهاب{[29464]} قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السماء ، فرفعت بصري قِبَل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني [ بحراء الآن ]{[29465]} قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فَجُثت{[29466]} منه فَرَقًا ، حتى هَوَيت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني . فزملوني ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } ثم حمي الوحي [ بعدُ ]{[29467]} وتتابع " . أخرجاه من حديث الزهري ، به{[29468]} .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر{[29469]} البَجَلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مُلَيْكة يقول : سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا . قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر . وقال بعضهم ليس بساحر . وقال بعضهم : كاهن . وقال بعضهم : ليس بكاهن . وقال بعضهم : شاعر . وقال بعضهم ليس بشاعر . وقال بعضهم : [ بل ]{[29470]} سحر يُؤثر . فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزنَ وقَنعَ رأسه ، وتَدَثَّر ، فأنزل الله { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } {[29471]} .


[29456]:- (1) زيادة من م.
[29457]:- (2) في م: "وخالف".
[29458]:- (3) زيادة من م.
[29459]:- (4) صحيح البخاري برقم (4922).
[29460]:- (5) صحيح مسلم برقم (161).
[29461]:- (6) في م: "فجثيت".
[29462]:- (1) صحيح البخاري برقم (4926).
[29463]:- (2) في م: "الذي كان".
[29464]:- (3) في أ: "ابن هشام".
[29465]:- (4) زيادة من م، أ، والمسند.
[29466]:- (5) في م: "فجثيت".
[29467]:- (6) زيادة من المسند.
[29468]:- (7) المسند (3/325)، وصحيح البخاري برقم (4926)، وصحيح مسلم برقم (161).
[29469]:- (8) في أ: الحسن بن بشير".
[29470]:- (9) زيادة من م.
[29471]:- (10) المعجم الكبير للطبراني (11/125)، وقال الهيثمي في المجمع (7/131): "وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف".