البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المدثر

هذه السورة مكية ، قال ابن عطية بإجماع . وفي التحرير ، قال مقاتل : إلا آية وهي : { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً } .

ومناسبتها لما قبلها أن في ما قبلها { ذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ } ، وفيه { إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ } فناسب { يأَيُّهَا الْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ } ، وناسب ذكر يوم القيامة بعد ، وذكر بعض المكذبين في قوله :{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } .

قال الجمهور : لما فزع من رؤية جبريل على كرسي بين السماء والأرض ورعب منه ، رجع إلى خديجة فقال : زملوني دثروني ، نزلت { يا أيها المدثر } .

قال النخعي وقتادة وعائشة : نودي وهو في حال تدثره ، فدعى بحال من أحواله .

وروي أنه كان تدثر في قطيفة .

قيل : وكان يسمع من قريش ما كرهه ، فاغتم وتغطى بثوبه مفكراً ، فأمر أن لا يدع إنذارهم وإن أسمعوه وآذوه .

وقال عكرمة معناه : يا أيها المدثر للنبوة وأثقالها ، كما قال في المزمل .

وقرأ الجمهور : { المدثر } بشد الدال .

وأصله المتدثر فأدغم ، وكذا هو في حرف أبي على الأصل .

وقرأ عكرمة : بتخفيف الدال ، كما قرىء بتخفيف الزاي في المزمل ، أي دثر نفسه .

وعن عكرمة أيضاً : فتح التاء اسم مفعول ، وقال : دثرت هذا الأمر وعصب بك .