{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }
هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها . فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري " ألْحِقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر " - مشتملات على جل أحكام الفرائض ، بل على جميعها كما سترى ذلك ، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك . لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس ، مع إجماع العلماء على ذلك .
فقوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي : أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم ، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية ، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد ، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } فالأولاد عند والديهم موصى بهم ، فإما أن يقوموا بتلك الوصية ، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب .
وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين ، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم ، عليهم .
ثم ذكر كيفية إرثهم فقال : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } أي : الأولاد للصلب ، والأولاد للابن ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، إن لم يكن معهم صاحب فرض ، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك ، وقد أجمع العلماء على ذلك ، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم . وليس لأولاد الابن شيء ، حيث كان أولاد الصلب ذكورًا وإناثا ، هذا مع اجتماع الذكور والإناث . وهنا حالتان : انفراد الذكور ، وسيأتي حكمها . وانفراد الإناث ، وقد ذكره بقوله : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } أي : بنات صلب أو بنات ابن ، ثلاثا فأكثر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة } أي : بنتا أو بنت ابن { فَلَهَا النِّصْفُ } وهذا إجماع .
بقي أن يقال : من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك ؟
فالجواب أنه يستفاد من قوله : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة ، انتقل الفرض عن النصف ، ولا ثَمَّ بعده إلا الثلثان . وأيضا فقوله : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إذا خلَّف ابنًا وبنتًا ، فإن الابن له الثلثان ، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين ، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين .
وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها ، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى .
وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين : { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نص في الأختين الثنتين .
فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى . وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح .
بقي أن يقال : فما الفائدة في قوله : { فَوْقَ اثْنَتَيْن } ؟ . قيل : الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا . ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة ، وبنت ابن أو بنات ابن ، فإن لبنت الصلب النصف ، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس ، فيعطى بنت الابن ، أو بنات الابن ، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين .
ومثل ذلك بنت الابن ، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها .
وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين ، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين ، وقد تم . فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين ، وهو خلاف النص .
وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد .
ودل قوله : { مِمَّا تَرَكَ } أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك ، حتى الدية التي لم تجب إلا بعد موته ، وحتى الديون التي في الذمم{[186]}
ثم ذكر ميراث الأبوين فقال : { وَلِأَبَوَيْهِ } أي : أبوه وأمه { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أي : ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى ، واحدًا أو متعددًا .
فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد .
وأما الأب فمع الذكور منهم ، لا يستحق أزيد من السدس ، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب . وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا ، والباقي تعصيبًا ، لأننا ألحقنا الفروض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر ، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما .
{ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي : والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة ، ثم قدر نصيب الأُم ، فدل ذلك على أن الباقي للأب .
وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له ، بل يرث تعصيبا المال كله ، أو ما أبقت الفروض ، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه ، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي .
وقد دل على ذلك قوله : { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي : ثلث ما ورثه الأبوان . وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب ، وإما ربع في زوجة وأم وأب . فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملا مع عدم الأولاد حتى يقال : إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا .
ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء ، فيكون من رأس المال ، والباقي بين الأبوين .
ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال ، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج ، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس ، وهذا لا نظير له ، فإن المعهود مساواتها للأب ، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم .
{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أشقاء ، أو لأب ، أو لأم ، ذكورًا كانوا أو إناثًا ، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد [ لكن قد يقال : ليس ظاهرُ قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف ، فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون . ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال ، وهو معدوم ، والله أعلم ]{[187]} ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر ، ويشكل على ذلك إتيان لفظ " الإخوة " بلفظ الجمع . وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد ، لا الجمع ، ويصدق ذلك باثنين .
وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان ، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقال في الإخوة للأُم : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع . فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة ، كان للأُم السدس ، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث ، مع حجب الأب إياهم [ إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب ]{[188]} .
ثم قال تعالى : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أي : هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين ، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته ، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة .
وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها ، لكون إخراجها شاقًّا على الورثة ، وإلا فالديون مقدمة عليها ، وتكون من رأس المال .
وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث . وأما غير ذلك فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة ، قال تعالى : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }
فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم ، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن ، في كل زمان ومكان . فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم ، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية .
{ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا ، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال .
وبعد أن بين - ما يجب على الرجال نحو النساء من إعطائهن حقوقهن ، وما يجب على الجميع نحو اليتامى من إكرامهم والمحافظة على أموالهم . . . . بعد أن بين - سبحانه - ذلك ، شرع فى بيان حقوق أكثر الوارثين ، بعد أن أجملها فى قوله - تعالى - { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون } فقال - تعالى : { يُوصِيكُمُ الله . . . . عَذَابٌ مُّهِينٌ } .
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 11 ) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ( 12 ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 13 ) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ( 14 )
قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لقوله - تعالى - { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ } الآية :
" هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التى هى خاتمة هذه السورة هن آيات علم الفرائض . وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ، ومن الأحاديث الواردة فى ذلك مما هو كالتفسير لذلك . وقد ورد الترغيب فى تعلم الفرائض فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العلم ثلاث وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة - أى غير منسوخة - أو سنة قائمة - أى ثابتة - أو فريضه عادلة - أى عادلة فى فسمتها بين أصحابها - " .
وعن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعلموا الفرائض وعلموه الناس ؛ فإنه نصف العلم . وهو أول شئ ينسى . . وهو أول شئ ينزع من أمتى " .
ثم قال ابن كثير : وقال البخارى عن تفسير هذه الآية : عن جابر بن عبد الله قال : عادنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فى بنى سلمة ماشيين فوجدنى النبى صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا . فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش على فأفقت . فقلت : يا رسول الله ما تأمرنى أن أصنع فى مالى ؟ فنزلت { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ } الآية .
وفى حديث آخر رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن جابر قال : " جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع . قتل أبوهما معك يوم احد شهيدا . وان عمها أخذ مالها فلم يدع لهما مالا . ولا تنكحان إلا ولهما مقال . فقال صلى الله عليه وسلم : " يقضى الله فى ذلك " فنزلت آية الميراث . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمها فقال صلى الله عليه وسلم : أعط ابنتى سعد الثلثين ، وأمهما الثمني ، وما بقى فهو لك " .
ثم قال ابن كثير : والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتى ، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات ، وإنما كان يورث كلالة . والحديث الثانى عن جبار أشبه بنزول هذه الآية . هذا ، وقوله - تعالى - { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } بيان لما إذا مات الميت وترك أولادا من الذكور والإِناث .
وقوله { يُوصِيكُمُ } من الوصية ، وهى - كما يقول الراغب - : التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم : أرض واصية أى متصلة البنات ويقال : أوصاه ووصاه .
. . ويقال : تواصى القوم إذا أوصى بعضهم بعضا . . . والمراد بقوله { يُوصِيكُمُ } : أى يأمركم أمرا مؤكدا .
والأولاد : جمع ولد - بوزن فعل مثل أسد - والولد : اسم للمولود ذكرا كان أو أنثى والحظ : النصيب المقدر .
والمعنى : يعهد الله إليكم ويأمركم أمرا مؤكدا فى شأن ميراث أولادكم من بعد موتتكم أن يكون نصيب الذكر منهم فى الميراث نصيب الأنثيين .
وصدر - سبحانه - هذه الأحكام بقوله { يُوصِيكُمُ } اهتماما بشأنها ، وإيذانا بوجوب سرعة الامتثال لمضمونها ، إذ الوصيية من الله - تعالى - إيجاب مؤكد ، بدليل قوله - تعالى - { وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ } أى أوجب عليكم الانقياد لهذا الحكم إيجاباً مؤكداً .
وحرف { في } هنا للظرفية المجازية ، ومجروها محذوف قام المضاف إليه مقامه ، لأن ذوات الأولاد لا تصلح ظرفا للوصية ، والتقدير : يوصيكم الله فى توريث أولادكم أو فى شأنهم .
وبدأ - سبحانه - ببيان ميراث الأولاد ، لأنهم أقرب الناس إلى الإِنسان ، ولأن تعلق الإِنسان بأولاده أشد من تعلقه بأى إنسان آخر .
وقوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } جملة مستأنفة لا محل لها من الإِعراب لأنها فى موضع التفصيل والبيان لجملة { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ } .
وقد جعل - سبحانه - نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى ، لأن التكليفات المالية على الأنثى تقل كثيراً عن التكليفات المالية على الذكر ، إذ الرجل مكلف بالنفقة على نفسه وعلى أولاده وعلى زوجته وعلى كل من يعولهم بينما المرأة نصيبها من الميراث لها خاصة لا يشاركها فيه مشارك .
وبهذا يتبين أن الإِسلام قد أكرم المرأة غاية الإِكرام حيث أعطاها هذا النصيب الخاص بها من الميراث بعد أن كانت فى الجاهلية لا ترث شيئاً .
ولم يقل - سبحانه - للذكر ضعف نصيب الأنثى ، لأن الضعف قد يصدق على المثلين فصاعدا ، فلا يكون نصا .
ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر ولا للأنثى نصف حظ الذكر ، لأن المقصود تقديم الذكر لبيان فضله ومزيته على الأنثى .
وعبر بالذكر والأنثى دون الرجال والنساء ، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين فى الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر فى ذلك أصلا ، كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال ولا النساء .
وبعد أن بين - سبحانه - كيفية قسمة التركة إذا كان الورثة أولادا ذكورا وإناثا ، عقب ذلك ببيان كيفية تقسيم التركبة إذا كان الورثة من الأولاد الإِناث فقط فقال - تعالى - : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك .
قال الآلوسى : الضمير للأولاد مطلقا ، ولزوم تغليب الإِناث على الذكور لا يضر ، لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له . ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات اللاتى فى ضمن مطلق الأولاد . . والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية .
والمعنى : فإن كانت المولودات أو البنات نساء خلصا زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن فلهن ثلثا ما ترك المتوفى .
وهذه الجملة الكريمة قد بينت بالقول الصريح نصيب الأكثر من البنتين وهو الثلثان إلا أنها لم تبين نصيب البنتين بالقول الصريح .
وقد روى عن ابن عباس أنه قال : الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا وأما فرض البنتين فهو النصف . ودليله صريح منطوق الآية ، فقد اشترطت أن أخذ ثلثى التركة للنساء يكون إذا كن فوق اثنتين أى ثلاثا فصاعدا ، وذلك ينفى حصول الثلثين للبنتين .
وقال جمهور العلماء : البنتان لاحقتان بالبنات ، فلهما الثلثان إذا انفردتا عن البنين كما أن البنات لهن الثلثان كذلك .
وقد بسط الفخر الرازى أدلة الجمهور على أن للبنتين الثلثين كالبنات فقال ما ملخصه :
وأما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان . قالوا : وإنما عرفنا ذلك بوجوه :
أولها : من قوله - تعالى - { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } وذلك لأن من مات وترك غبنا وبنتا فههنا يجب أن يكون نصيب الابن الثلثين لقوله - تعالى - { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } ، فإذا كان نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين . ونصيب الذكر ههنا هو الثلثان ، وجب لا محالة أن يكون نصيب الابنتين الثلثين .
الثانى : إذا مات وترك إبنا وبنتا فههنا يكون نصيب البنت الثلث بدليل { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } فإذا كان نصيب البنت مع الولد الذكر هو الثلث فبأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث أولى ، لأن الذكر أقوى من الأنثى وإذا كان للبنت الثلث مع أختها وللأخرى كذلك فقد صار لهما الثلثان .
الثالث : أن قوله - تعالى - { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين } يفيد أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الأنثى الواحدة ، وإلا لزم أن يكون حظ الذكر مثل حظ الأنثى الواحدة وذلك خلاف النص . وإذا ثبت أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الواحدة فتقول : وجب أن يكون ذلك هو الثلثان ، لأنه لا قائل بالفرق .
والرابع : أنا ذكرنا فى سبب نزول الآية أنه صلى الله عليه وسلم أعطى بنتى سعد بن الربيع الثلثين ، وذلك يدل على ما قلناه .
الخامس : أنه - سبحانه - ذكر فى هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن ولم يذكر حكم الثنتين وذكر فى شرح ميراث الأخوات - فى آخر السورة { إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ . . . . فَإِن كَانَتَا اثنتين . . . . مِمَّا تَرَكَ } فهنا ذكر ميراث الأخت الواحدة والأختين دون الأخوات ، فصارت كل واحدة من هاتين الآيتين مجملة من وجه ومبينة من وجه فنقول : لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بذلك ، لأنهما أقرب إلى الميت من الأختين .
والوجوه الثلاثة الأول مستنبطة من الآية . والرابع مأخوذ من السنة .
هذا وقد صح عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجمهور فانعقد الإِجماع على أن للبنتين الثلثين .
ثم بين - سبحانه - الحكم فيما إذا ترك الشخص بنتا واحدة فقال : { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف } .
أى وإن كانت المولودة أنثى واحدة ليس معها أخ ولا أخت فلها النصف أى نصف ما تركه المتوفى .
وإلى هنا تكرن الآية قد ذكرت ثلاث حالات للأولاد فى الميراث :
الأولى : أن يترك الميت ذكوراً وإناثاً . وفى هذه الحالة يكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين .
الثانية : أن يترك الميت بنتين فأكثر وليس معهما أخ ذكر : وفى هذه الحالة يكون لهما أولهن الثلثان خلافا لابن عباس فى البنتين - كما سبق أن بينا .
الثالثة : أن يترك الميت بنتا واحدة وليس معها أخر ذكر . وفى هذه الحالة يكون لها النصف .
قال بعض العلماء : هذا توريث الأولاد . ويلاحظ ما يأتى :
أولا : أن نصيب الأولاد إذا كانوا ذكوروا وإناثا إنما يكون بعد أن يأخذ الأبوان والأجداد والجدات وأحد الزوجين أنصبتهم . فإذا كان لمتوفى أب وزوجة وأبناء وبنات ، فان القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين تكون بعد أخذ الأب والزوجة نصييبهما .
ثانيا : أن الأولاد يطلقون على كل فروع الشخص من صلبه : أى أبناؤه وأبناء أبنائه وبناته وبنات أبنائه . أما أولاد بناته فليسوا من أولاده . وقد خالف فى ذلك الشيعة فلم يفرقوا فى نسبة الأولاد بين من يكون من أولاد الظهور ومن يكون من أولاد البطون . أى : لا يفرقون بين من تتوسط بينه وبين المتوفى أنثى ومن لا تتوسط .
ثالثا : أن أبناء المتوفى وبناته يقدمن على أبناء أبنائه وبنات أبنه . أى . أن الطبقة الأولى تمنع من يليها :
رابعا : أن بنات الابن يأخذن البنات تماما إذا لم يكن لشخص أولاد قط لا ذكور ولا إناث .
وبعد أن بين - سبحانه - ميراث الأولاد أعقبه ببيان ميراث الأبوين فقال : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس } .
وقد ذكر - سبحانه - هنا ثلاث حالات للأبوين .
أما الحالة الأولى : فيشترك فيها الأب والأم بأن يأخذ كل واحد منهما السدس إذا كان للميت ولد . وقد عبر - سبحانه - عن هذه الحالة بقوله : { وَلأَبَوَيْهِ } أى لأبوى الميت ذكرا كان أو أنثى . والضمير فى { أبويه } كناية عن غير مذكور . وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه .
والمراد بالأبوين : الأب والأم . والتثنية على لفظ الأب للتغليب .
وقوله { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا } بدل من قوله { وَلأَبَوَيْهِ } بتكرير العامل وهو اللام فى قوله { لِكُلِّ } . وفائدة هذا البدل أنه لو قيل : ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه .
وقوله { السدس } بيان للنصيب الذى يستحقه كل واحد من الأبوين .
أى : أن لكل واحد من أبوى الميت السدس مما ترك من المال { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أى : إن كان لهذا الميت ولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر .
قال القرطبى : فرض الله - تعالى - لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس ، وأبهم الولد فكان الذكر والأنثى فيه سواء . فان مات رجل وترك أبناء وابوين فلابويه لكل واحد منهم السدس وما بقى فللابن . فان ترك ابنة وأبوين فللابنة النصف وللأبوين السدسان وما بقى فلأقرب عصبة وهو الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ، فاجتمع للأب الاستحقاق بجهتين التعصيب والفرض " .
والحالة الثانية : وهى ما إذا مات وورثه أبواه ، وقد بين - سبحانه - حكمها بقوله : { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث } .
أى فإن لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن وورثه أبواه فقط ، ففى هذه الحالة يكون لأم الميت ثلث التركة ، ولأبيه الباقى من التركة وهو الثلثان ، إذ لا وارث له سواهما . فاذا كان معهما أحد الزوجين كان للأم ثلث الباقى بعد نصيب الزوج أو الزوجة وثلثاه للأب وهذا رأى جمهور الصحابة وهو الذى اختاره الأئمة الأربعة وأكثر فقهاء الامصار .
أما الحالة الثالثة : وهى ما إذا مات الميت وترك الأبوين ومعهما إخوة أو أخوات فقد بين - سبحانه - حكمها بقوله : فان كان له إخوة فلأمه السدس أى : فان كان للميت إخوة من الأب والأم . أو من الأب فقط ، أو من الأم فقط ذكورا كانوا أو أناثا أو مختلطين ففى هذه الحالة يكون لأم الميت سدس التركة والباقى . للأب ولا ميراث للإِخوة لحجبهم بالأب وبهذا نرى أن إخوة الميت ينقصون الأم من الثلث إلى السدس وإن كانوا محجوبين بالأب .
وإذا شرط الله فى انقاص نصيبها من الثلث إلى السدس الجماعة من الإِخوة علم أن الأخ الواحد لا يحجبها عن الثلث بل يبقى لها الثلث .
أما الأخوان فيرى جمهور الصحابة والعلماء المجتهدين أنهما ينقصانها من الثلث إلى السدس . لأنه قد ورد فى اللغة اطلاق الجمع على الأثنين كما فى قوله - تعالى - { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } ولأن الشارع قد جعل الأختين كالثلاث فى الميراث . وكذلك جعل البنتين كالثلاث . ولا فرق بين الذكور والاناث .
ويروى عن ابن عباس أن الاخوين لا ينقصان الأم من الثلث إلى السدس فشأنهما شأن الأخ الواحد لأن الله - تعالى - قال { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } بصيغة الجمع ، والجمع أقله ثلاث بخلاف التثنية . والعمل على ما ذهب إليه الجمهور .
وإلى هنا تكون الآية الكريمة بد بينت ميراث الأولاد والأبوين . ثم عقبت ذلك ببيان الوقت الذى تدفع فيه هذه الأموال إلى مستحقيها من الورثة فقالت : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } .
أى هذه الفروض المذكورة إنما تقسم للورثة من بعد إنفاذ وصية يوصى بها الميت إلى الثلث . ومن بعد قضاء دين على الميت .
فالجملة الكريمة متعلقة بما تقدم قبلها من قسمة المواريث ؛ فكأنه قال : قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها الميت ومن بعد قضاء دين عليه .
ثم بين - سبحانه - حكمة هذا التقسيم وأكد وجوب تنفيذه فقال : { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } .
قال الآلوسى : الخطاب للورثة . وقوله { آبَآؤُكُمْ } معطوف عليه . وقوله { وَأَبناؤُكُمْ } مع ما فى حيزه خبر له . وأىّ ما استفهامية مبتدأ . وقوله { أَقْرَبُ } خبره والفعل معلق عنها فهى سادة مسد المفعولين . واما موصولة ، قوله { أَقْرَبُ } خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة الموصول . وأيهم مفعول أول مبنى على الضم لإِضافته وحذف صدر صلته . والمفعول الثاني محذوف . وقوله { نَفْعاً } نصب على التميز وهو منقول من الفاعلية . وجملة { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } أعتراضية مؤكدة لوجوب تنفيذ الوصية .
والمعنى أن الله - تعالى - قد فرض لكم هذه الفرائض ؛ وقسم بينكم الميراث هذا التقسيم العادل فعليكم أن تلتزموا بتنفيذ قسمة الله التى قسمها لكم ، ولا يصح لكم أن تحكموا أهواءكم فى أموالكم ، فإنكم لا تعلمون من أنفع لكم من أصولكم وفروعكم فى دنياكم وآخرتكم .
وقد صدر - سبحانه الجملة الكريمة بذكر الآباء والأبناء لقوة قرابتهم واتحاد اتصالهم ، ومع ذلك لا يدرون النافع مهم ، لأن الله - تعالى - وحده هو العليم بأحوال عباده ، وبما تسره وتعلنه نفوسهم .
ثم أكد الله - تعالى - وجوب الانقياد لما شرعه لهم فى شأن المواريث بتأكيدين :
أولهما : قوله - تعالى - { فَرِيضَةً مِّنَ الله } .
أى : فرض الله ذلك التقسيم لميراث فريضة ، وقدره تقديرا فلا يجوز لكم أن تخالفوه ، لأنه تقدير الله وقسمته ، وليس لأحد أن يخالف قسمة الله وشرعه .
وقوله { فَرِيضَةً } منصوب على أنه مصدر مؤكد لنفسه ، على حد قولهم ؛ هذا ابنى حقا ، لأنه واقع بعد جملة لا محتمل لها غيره ، فيكون فعله الناصب له محذوفا وجوبا . أى فرض ذلك فريضة من الله .
وأما التأكيد الثاني : فهو قوله - تعالى - : { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أى إن الله - تعالى - كان عليما بما يصلح أمر العباد فى دنياهم وآخرتهم ، حكيما فيما قضى وقدر من شئون وتشريعات ، فعليكم أن تقفوا عندما قضى وشرع لتفوزوا بمثوبته ورعايته ورضاه .
قال الفخر الرازى ما ملخصه : ومناسبة هذا الكلام هنا أنه - تعالى - لما ذكر أنصباء الأولاد والأبوين ، وكانت تلك الأنصباء مختلفة .
. والإِنسان ربما خطر بباله أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه لكانت أنفع له وأصلح ، لا سيما وقد كانت قسمة العرب للمواريث مخالفة لما جاءت به الإِسلام . لما كان الأمر كذلك أزال الله هذه الشهبة بأن قال : إنكم تعلمون أن عقولكم لا تحيط بمصالحكم ، فربما اعتقدتم فى شئ أنه صالح لكم وهو عين المضرة ، وربما اعتقدتم فيه أنه عين المضرة وهو عين المصلحة ، وأما الإِله الحكيم الرحيم فهو عالم بمغيبات الأمور وعواقبها ، فاتركوا تقدير المواريث بالمقادير التى تستحسنها عقولكم ، وكونوا مطيعين لأمر الله فى هذه التقديرات التى قدرها لكم ، فقوله { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } إشارة إلى ترك ما يميل إليه الطبع من قسمة المواريث على الورثة . وقوله : { فَرِيضَةً مِّنَ الله } إشارة الى وجوب الانقياد لهذه القسمة التى قدرها الشرع وقضى بها .
والأن نجيء إلى نظام التوارث . حيث يبدأ بوصية الله للوالدين في أولادهم ؛ فتدل هذه الوصية على أنه - سبحانه - أرحم وأبر وأعدل من الوالدين مع أولادهم ؛ كما تدل على أن هذا النظام كله مرده إلى الله سبحانه ؛ فهو الذي يحكم بين الوالدين وأولادهم ، وبين الأقرباء وأقاربهم . وليس لهم إلا أن يتلقوا منه سبحانه ، وأن ينفذوا وصيته وحكمه . . وأن هذا هو معنى " الدين " الذي تعنى السورة كلها ببيانه وتحديده كما أسلفنا . . كذلك يبدأ بتقرير المبدأ العام للتوارث : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) . . ثم يأخذ في التفريع ، وتوزيع الأنصبة ، في ظل تلك الحقيقة الكلية ، وفي ظل هذا المبدأ العام . . ويستغرق هذا التفصيل آيتين : أولاهما خاصة بالورثة من الأصول والفروع ، والثانية خاصة بحالات الزوجية والكلالة . ثم تجيء بقية أحكام الوراثة في آخر آية في السورة استكمالا لبعض حالات الكلالة [ وسنعرضها في موضعها ] :
( يوصيكم الله في أولادكم : للذكر مثل حظ الأنثيين . فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك . وإن كانت واحدة فلها النصف . ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك - إن كان له ولد - فإن لم يكن له ولد ، وورثه أبواه ، فلأمه الثلث . فإن كان له إخوة فلأمه السدس - من بعد وصية يوصي بها أو دين - آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما . . ولكم نصف ما ترك أزواجكم - إن لم يكن لهن ولد - فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - من بعد وصية يوصين بها أو دين - ولهن الربع مما تركتم - إن لم يكن لكم ولد - فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم - من بعد وصية توصون بها أو دين - وإن كان رجل يورث كلالة ، أو امرأة ، وله أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث - من بعد وصية يوصى بها أو دين - غير مضار ، وصية من الله ، والله عليم حليم ) . .
هاتان الآيتان ، مضافا إليهما الآية الثالثة التي في نهاية السورة ، ونصها : ( يستفتونك . قل : الله يفتيكم في الكلالة : إن امرؤ هلك ليس له ولد ، وله أخت ، فلها نصف ما ترك . وهو يرثها - إن لم يكن لها ولد - فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك . وإن كانوا إخوة رجالا ونساء ، فللذكر مثل حظ الأنثيين . يبين الله لكم أن تضلوا ، والله بكل شيء عليم ) . .
هذه الآيات الثلاث تتضمن أصول علم الفرائض - أي علم الميراث - أما التفريعات فقد جاءت السنة ببعضها نصا ، واجتهد الفقهاء في بقيتها تطبيقا على هذه الأصول . وليس هنا مجال الدخول في هذه التفريعات والتطبيقات فمكانها كتب الفقه - فنكتفي - في ظلال القرآن - بتفسير هذه النصوص ، والتعقيب على ما تتضمنه من أصول المنهج الإسلامي . .
( يوصيكم الله في أولادكم : للذكر مثل حظ الأنثيين . . ) . .
وهذا الافتتاح يشير - كما ذكرنا - إلى الأصل الذي ترجع إليه هذه الفرائض ، وإلى الجهة التي صدرت منها ، كما يشير إلى أن الله أرحم بالناس من الوالدين بالأولاد ، فإذا فرض لهم فإنما يفرض لهم ما هو خير مما يريده الوالدون بالأولاد . .
وكلا المعنيين مرتبطان ومتكاملان . .
إن الله هو الذي يوصي ، وهو الذي يفرض ، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس - كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء ، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة - ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين ، وعن الله يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم - وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - وهذا هو الدين . فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شؤون حياتهم كلها من الله وحده ؛ وليس هناك إسلام ، إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور - جل أو حقر - من مصدر آخر . إنما يكون الشرك أو الكفر ، وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس .
وإن ما يوصي به الله ، ويفرضه ، ويحكم به في حياة الناس - ومنه ما يتعلق بأخص شؤونهم ، وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم - لهو أبر بالناس وأنفع لهم ، مما يقسمونه هم لأنفسهم ، ويختارونه لذرياتهم . . فليس للناس أن يقولوا : إنما نختار لأنفسنا . وإنما نحن أعرف بمصالحنا . . فهذا - فوق أنه باطل - هو في الوقت ذاته توقح ، وتبجح ، وتعالم على الله ، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول !
قال العوفي عن ابن عباس : " [ ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) . . وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض ، للولد الذكر ، والأنثى ، والأبوين ، كرهها الناس - أو بعضهم - وقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير . وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ، ولا يجوز الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعل رسول الله [ ص ] ينساه ، أو نقول له فيغير ! فقالوا : يا رسول الله ، تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم . ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئا - وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر ] . . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . .
فهذا كان منطق الجاهلية العربية ، الذي كان يحيك في بعض الصدور ؛ وهي تواجه فريضة الله وقسمته العادلة الحكيمة . . ومنطق الجاهلية الحاضرة الذي يحيك في بعض الصدور اليوم - وهي تواجه فريضة الله وقسمته - لعله يختلف كثيرا أو قليلا عن منطق الجاهلية العربية . فيقول : كيف نعطي المال لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري ؟ وهذا المنطق كذاك . . كلاهما لا يدرك الحكمة ، ولا يلتزم الأدب ؛ وكلاهما يجمع من ثم بين الجهالة وسوء الأدب !
وحين لا يكون للميت وارث إلا ذريته من ذكور وإناث ، فإنهم يأخذون جميع التركة ، على أساس أنللبنت نصيبا واحدا ، وللذكر نصيبين اثنين .
وليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس . إنما الأمر أمر توازن وعدل ، بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي ، وفي النظام الاجتماعي الإسلامي : فالرجل يتزوج امرأة ، ويكلف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة ، وهي معه ، وهي مطلقة منه . . . أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط ، وإما أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء . وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأبناء في أي حال . . فالرجل مكلف - على الأقل - ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي ، وفي النظام الاجتماعي الإسلامي . ومن ثم يبدو العدل كما يبدو التناسق بين الغنم والغرم في هذا التوزيع الحكيم . ويبدو كل كلام في هذا التوزيع جهالة من ناحية وسوء أدب مع الله من ناحية أخرى ، وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسري لا تستقيم معها حياة .
ويبدأ التقسيم بتوريث الفروع عن الأصول :
( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ) .
فإذا لم يكن له ذرية ذكور ، وله بنتان أو أكثر فلهن الثلثان . فإن كان له بنت واحدة فلها النصف . . ثم ترجع بقية التركة إلى أقرب عاصب له : الأب أو الجد . أو الأخ الشقيق . أو الأخ لأب . أو العم . أو أبناء الأصول . . .
والنص يقول : ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) . . وهذا يثبت الثلثين للبنات - إذا كن فوق اثنتين - أما إثبات الثلثين للبنتين فقط فقد جاء من السنة ومن القياس على الأختين في الآية التي في آخر السورة .
فأما السنة فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . قال : [ جاءت امرأة سعد بن الربيع ، إلى رسول الله [ ص ] فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا ؛ وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ؛ ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال : فقال : " يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الميراث . فأرسل رسول الله [ ص ] إلى عمهما ، فقال : " اعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " ] . .
فهذه قسمة رسول الله [ ص ] للبنتين بالثلثين . فدل هذا على أن البنتين فأكثر ، لهما الثلثان في هذه الحالة .
وهناك أصل آخر لهذه القسمة ؛ وهو أنه لما ورد في الآية الأخرى عن الأختين : ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) . . كان إعطاء البنتين الثلثين من باب الأولى ، قياسا على الأختين . وقد سويت البنت الواحدة بالأخت الواحدة كذلك في هذه الحالة .
وبعد الانتهاء من بيان نصيب الذرية يجيء بيان نصيب الأبوين - عند وجودهما - في الحالات المختلفة . مع وجود الذرية ومع عدم وجودها :
( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك - إن كان له ولد - فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث . فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) .
والأبوان لهما في الإرث أحوال :
الحال الأول : أن يجتمعا مع الأولاد ، فيفرض لكل واحد منهما السدس والبقية للولد الذكر أو للولد الذكر مع أخته الأنثى أو أخواته : للذكر مثل حظ الأنثيين . فإذا لم يكن للميت إلا بنت واحدة فرض لهاالنصف ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس . وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب ، فيجمع له في هذه الحالة بين الفرض والتعصيب . أما إذا كان للميت بنتان فأكثر فتأخذان الثلثين ، ويأخذ كل واحد من الأبوين السدس .
والحال الثاني : ألا يكون للميت ولد ولا إخوة ولا زوج ولا زوجة ، وينفرد الأبوان بالميراث . فيفرض للأم الثلث ، ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب ، فيكون قد أخذ مثل حظ الأم مرتين . فلو كان مع الأبوين زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف ، أو الزوجة الربع . وأخذت الأم الثلث [ إما ثلث التركة كلها أو ثلث الباقي بعد فريضة الزوج أو الزوجة على خلاف بين الأقوال الفقهية ] وأخذ الأب ما يتبقى بعد الأم بالتعصيب على ألا يقل نصيبه عن نصيب الأم .
والحال الثالث : هو اجتماع الأبوين مع الإخوة - سواء كانوا من الأبوين أو من الأب ، أو من الأم - فإنهم لا يرثون مع الأب شيئا ، لأنه مقدم عليهم وهو أقرب عاصب بعد الولد الذكر ؛ ولكنهم - مع هذا - يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس . فيفرض لها معهم السدس فقط . ويأخذ الأب ما تبقى من التركة . إن لم يكن هناك زوج أو زوجة . أما الأخ الواحد فلا يحجب الأم عن الثلث ، فيفرض لها الثلث معه ، كما لو لم يكن هناك ولد ولا إخوة .
ولكن هذه الأنصبة كلها إنما تجيء بعد استيفاء الوصية أو الدين :
( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) . .
قال ابن كثير في التفسير : " أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية " . . وتقديم الدين مفهوم واضح . لأنه يتعلق بحق الآخرين . فلا بد من استيفائه من مال المورث الذي استدان ، ما دام قد ترك مالا ، توفية بحق الدائن ، وتبرئة لذمة المدين . وقد شدد الإسلام في إبراء الذمة من الدين ؛ كي تقوم الحياة على أساس من تحرج الضمير ، ومن الثقة في المعاملة ، ومن الطمأنينة في جو الجماعة ، فجعل الدين في عنق المدين لا تبرأ منه ذمته ، حتى بعد وفاته :
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال : قال رجل : يا رسول الله . أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله [ ص ] : " نعم . إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر " . ثم قال : " كيف قلت ؟ " فأعاد عليه . فقال : " نعم . إلا الدين . فإن جبريل أخبرني بذلك " . . [ أخرجه مسلم ومالك والترمذي والنسائي ] .
وعن أبي قتادة كذلك : أتي النبي [ ص ] برجل ليلصلي عليه . فقال [ ص ] : " صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا " فقلت : هو علي يا رسول الله . قال : " بالوفاء ؟ " قلت : بالوفاء . فصلى عليه .
وأما الوصية فلأن إرادة الميت تعلقت بها . وقد جعلت الوصية لتلافي بعض الحالات التي يحجب فيها بعض الورثة بعضا . وقد يكون المحجوبون معوزين ؛ أو تكون هناك مصلحة عائلية في توثيق العلاقات بينهم وبين الورثة ؛ وإزالة أسباب الحسد والحقد والنزاع قبل أن تنبت . ولا وصية لوارث . ولا وصية في غير الثلث . وفي هذا ضمان ألا يجحف المورث بالورثة في الوصية .
وفي نهاية الآية تجيء هذا اللمسات المتنوعة المقاصد :
( آباءكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . فريضة من الله . إن الله كان عليما حكيما ) . .
واللمسة الأولى لفتة قرآنية لتطييب النفوس تجاه هذه الفرائض . فهنالك من تدفعهم عاطفتهم الأبوية إلى إيثار الابناء على الآباء ، لأن الضعف الفطري تجاه الابناء أكبر . وفيهم من يغالب هذا الضعف بالمشاعر الأدبية والأخلاقية فيميل إلى إيثار الآباء . وفيهم من يحتار ويتأرجح بين الضعف الفطري والشعور الأدبي . . كذلك قد تفرض البيئة بمنطقها العرفي اتجاهات معينة كتلك التي واجه بها بعضهم تشريع الإرث يوم نزل ، وقد أشرنا إلى بعضها من قبل . . فأراد الله سبحانه أن يسكب في القلوب كلها راحة الرضى والتسليم لأمر الله ، ولما يفرضه الله ؛ بإشعارها أن العلم كله لله ؛ وأنهم لا يدرون أي الأقرباء أقرب لهم نفعا . ولا أي القسم أقرب لهم مصلحة :
( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) . .
واللمسة الثانية لتقرير أصل القضية . فالمسألة ليست مسألة هوى أو مصلحة قريبة . إنما هي مسألة الدين ومسألة الشريعة :
فالله هو الذي خلق الآباء والأبناء . والله هو الذي أعطى الأرزاق والأموال . والله هو الذي يفرض ، وهو الذي يقسم ، وهو الذي يشرع . وليس للبشر أن يشرعوا لأنفسهم ، ولا أن يحكموا هواهم ، كما أنهم لا يعرفون مصلحتهم !
( إن الله كان عليما حكيما ) . .
وهي اللمسة الثالثة في هذا التعقيب . تجيء لتشعر القلوب بأن قضاء الله للناس - مع أنه هو الأصل الذي لا يحل لهم غيره - فهو كذلك المصلحة المبنية على العلم والحكمة . فالله يحكم لأنه عليم - وهم لا يعلمون - والله يفرض لأنه حكيم - وهم يتبعون الهوى .
وهكذا تتوالى هذه التعقيبات قبل الانتهاء من أحكام الميراث ، لرد الأمر إلى محوره الأصيل . محوره الاعتقادي . الذي يحدد معنى " الدين " فهو الاحتكام إلى الله . وتلقي الفرائض منه . والرضى بحكمه : ( فريضة من الله . إن الله كان عليما حكيما ) . .
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ }
وقوله تعالى : { يوصيكم } يتضمن الفرض والوجوب ، كما تتضمنه لفظة أمر- كيف تصرفت ، وأما صيغة الأمر من غير اللفظة ففيها الخلاف الذي سيأتي موضعه إن شاء الله ، ونحو هذه الآية قوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلك وصاكم به }{[3871]} وقيل : نزلت هذه الآية بسبب بنات سعد بن الربيع وقال السدي : نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت ، وقيل : بسبب جابر بن عبد الله ، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، قال جابر بن عبد الله ، وذكر أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب وقاتل العدو ، فنزلت الآيات تبييناً أن لكل أنثى وصغير حظه ، وروي عن ابن عباس : أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد ، والوصية للوالدين ، فنسخ ذلك بهذه الآيات ، و { مثل } مرتفع بالابتداء أو بالصفة ، تقديره حظ مثل حظ ، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «في أولادكم أن للذكر » وقوله تعالى : { فإن كن نساء } الآية الأولاد لفظ يجمع الذكران والإناث ، فلما أراد بهذه الآية أن يخص الإناث بذكر حكمهن أنث الفعل للمعنى ، ولو اتبع لفظ الأولاد لقال كانوا ، واسم - كان - مضمر ، وقال بعض نحويي البصرة : تقديره وإن كن المتروكات «نساء » وقوله : { فوق اثنتين } معناه : «اثنتين » فما فوقهما ، تقتضي ذلك قوة الكلام ، وأما الوقوف مع اللفظ فيسقط معه النص على الاثنتين ، ويثبت الثلثان لهما بالإجماع الذي مرت عليه الأمصار والأعصار ، ولم يحفظ فيه خلاف ، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس : أنه يرى لهما النصف . ويثبت أيضاً ذلك لهما بالقياس على الأختين المنصوص عليهما ، ويثبت لهما بالحديث الذي ذكره الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للابنتين بالثلثين ، ومن قال : { فوق } زائدة واحتج بقوله تعالى : { فوق الأعناق } [ الأنفال : 12 ] هو الفصيح ، وليست { فوق } زائدة بل هي محكمة المعنى لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ ، كما قال دريد بن الصمة «اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم ، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال : وقد احتج لأخذهما الثلثين بغير هذا ، وكله معارض ، قال إسماعيل القاضي : إذا كانت البنت تأخذ مع أخيها الثلث إذا انفرد ، فأحرى أن تأخذ ذلك مع أختها قال غيره : وكما كان حكم الاثنين فما فوقهما من الإخوة للأم واحداً ، فكذلك البنات ، وقال النحاس : لغة أهل الحجاز وبني أسد ، الثلث والربع إلى العشر ، وقد قرأ الحسن ذلك كله بإسكان الأوسط ، وقرأه الأعرج ، ومذهب الزجاج : أنها لغة واحدة ، وأن سكون العين تخفيف ، وإذا أخذ بنات الصلب الثلثين ، فلا شيء بعد ذلك لبنات الابن ، إلا أن يكون معهن أخ لهن ، أو ابن أخ ، فيرد عليهن ، وعبد الله بن مسعود لا يرى لهن شيئاً ، وإن كان الأخ أو ابن الأخ ، ويرى المال كله للذكر وحده دونهن .
{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلَّ وَاحِدٍ مَّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأٌمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْدَيْنٍ }
قرا السبعة سوى نافع «واحدةً » بالنصب على خبر كان ، وقرأ نافع واحدة بالرفع على أن كان بمعنى وقع وحصر ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : «النُّصف » بضم النون ، وكذلك قرأه علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت في جميع القرآن ، وقوله : { ولد } يريد ذكراً أو أنثى ، واحداً أو جماعة للصلب أولولد ذكر ، فإن ذلك كيف وقع يجعل فرض الأب السدس ، وإن أخذ النصف في ميراثه فإنما يأخذه بالتعصيب ، وقوله تعالى : { فإن لم يكن له ولد } الآية ، المعنى : فإن لم يكن له ولد ، ولا ولد ولد ، ذكراً كان أو أثنى ، وقوله : { وورثه أبواه } تقتضي قوة الكلام أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره ، فعلى هذا يكون قوله { وورثه } حكماً لهما بالمال فإذا ذكر وحدّ بعد ذلك نصيب أحدهما أخذ النصيب الآخر ، كما تقول لرجلين : هذا المال بينكما ، ثم تقول لأحدهما ، أنت يا فلان لك منه الثلث ، فقد حددت للآخر منه الثلثين ، بنص كلامك ، وعلى أن فريضتهما خلت من الولد وغيره يجيء قول أكثر الناس : إن للأم مع الانفراد الثلث من المال كله ، فإن كان معهما زوج كان «للأم السدس » وهو الثلث بالإضافة إلى الأب ، وعلى أن الفريضة خلت من الولد فقط يجيء قول شريح وابن عباس : إن الفريضة إذا خلت من الولد أخذت «الأم الثلث » من المال كله مع الزوج ، وكان ما بقي للأب ويجيء على هذا ، قوله : { وورثه أبواه } . منفردين أو مع غيرهم . وقرأ حمزة والكسائي «فلأمه » بكسر الهمزة ، وهي لغة حكاها سيبويه ، وكذلك كسر الهمزة من قوله : { في بطون أمهاتكم }{[3872]} وفي { أمها }{[3873]} وفي { أم الكتاب }{[3874]} ، وهذا كله إذا وصلا إتباعاً للكسرة أو الياء التي قبل الهمزة ، وقرأ الباقون كل هذا بضم الهمزة ، وكسر همزة{[3875]} الميم من «امهاتكم » إتباعاً لكسر الهمزة ، ومتى لم يكن وصل وياء أو كسرة فالضم باتفاق ، وقوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } الإخوة يحطون الأم إلى السدس ولا يأخذونه ، أشقاء كانوا أو للأب أو للأم ، وقال من لا يعد قوله إلا في الشذوذ : إنهم يحطون ويأخذون ما يحطون لأنفسهم مع الأب ، روي عن ابن عباس ، وروي عنه خلافه مثل قول «السدس » الذي يحجبون «الأم » عنه ، قال قتادة : وإنما أخذه الأب دونهم ، لأنه يمونهم ، ويلي نكاحهم ، والنفقة عليهم ، هذا في الأغلب ، ومجمعون على أن أخوين فصاعداً يحجبون الأم عنه ، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس ، أن الأخوين ، في حكم الواحد ، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة .
واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان ، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله ، فالمعنى يقتضي أنها جمع ، وذكر المفسرون أن العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية ، كما قال تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين }{[3876]} وكقوله في آية الخصم { إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا }{[3877]} وكقوله : { وأطراف النهار }{[3878]} واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية ، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان ، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك ، إذ معك في الأولى - يحكمان - وفي الثانية - إن هذا أخي ، وأيضاً فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم ، وقد يتسور مع الخصم وغيرهما فهم جماعة ، وأما { النهار } في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع ، ولا يحمل على التثنية ، لأن اللفظ مالك للمعنى وللبنية حق ، وذكر بعض من احتج لقول عبد الله بن عباس : أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد ، كبناء الإفراد وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد فلا يصح أن يدخل هذا على هذا ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي - «يوصي » - بإسناد الفعل إلى الموروث ، إذ قد تقدم له ذكر ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر ، «يوصَى » بفتح الصاد ببنية الفعل للمفعول الذي لم يسَّم فاعله ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «يوصَّى » بفتح الصاد وتشديدها ، وكل هذا في الموضعين ، وقرأ حفص عن عاصم في الأولى بالفتح ، وفي الثانية بالكسر ، وهذه الآية إنما قصد بها تقديم هذين الفعلين على الميراث ، ولم يقصد بها ترتيبهما في أنفسهما ، ولذلك تقدمت الوصية في اللفظ ، والدين مقدم على الوصية بإجماع ، والذي أقول في هذا : إنه قدم الوصية إذ هي أقل لزوماً من الدين ، اهتماماً بها وندباً إليها كما قال تعالى : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة }{[3879]} ، وأيضاً قدمها من جهة أنها مضمنها الوصية التي هي كاللازم يكون لكل ميت ، إذ قد حض الشرع عليها ، وأخر الدين لشذوذه ، وأنه قد يكون ولا يكون ، فبدأ بذكر الذي لا بد منه ، ثم عطف بالذي قد يقع أحياناً ، ويقوي هذا كون العطف ب { أو } ، ولو كان الدين راتباً لكان العطف بالواو ، وقدمت الوصية أيضاً إذ هي حظ مساكين وضعاف ، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة ، وهو صاحب حق له فيه ، كما قال عليه السلام ( إن لصاحب الحق مقالاً ){[3880]} وأجمع العلماء على أن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث ، واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث ، وأن يغض{[3881]} الناس إلى الربع .
{ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ }
{ آباؤكم وأبناؤكم } رفع الابتداء ، والخبر مضمر تقديره : هم المقسوم عليهم ، وهم المعطون ، وهذا عرض للحكمة في ذلك ، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة ، و { لا تدرون } عامل في الجملة بالمعنى ومعلق عن العمل في اللفظ بحسب المعمول فيه ، إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، و { نفعاً } ، قال مجاهد والسدي وابن سيرين : معناه في الدنيا ، أي إذا اضطر إلى ا نفاقهم للحاجة نحا إليه الزجاج ، وقد ينفقون دون اضطرار ، وقال ابن عباس والحسن ، في الآخرة ، أي بشفاعة الفاضل للمفضول ، وقال ابن زيد : فيهما ، واللفظ يقتضي ذلك ، و { فريضة } نصب على المصدر المؤكد ، إذ معنى { يوصيكم } يفرض عليكم ، وقال مكي وغيره : هي حال مؤكدة ، وذلك ضعيف ، والعامل { يوصيكم } ، و { كان } هي الناقصة ، قال سيبويه لما رأوا علماً وحكمة قيل لهم : إن الله لم يزل هكذا وصيغة - كان - لا تعطي إلا المضي ، ومن المعنى بعد يعلم أن الله تعالى كان كذلك ، وهو يكون ، لا من لفظ الآية ، وقال قوم : { كان } بمعنى وجد ووقع ، و { عليماً } حال ، وفي هذا ضعف ، ومن قال : { كان } زائدة فقوله خطأ .