{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي : أنزل الله السماء بالماء بالمنهمر ، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة ، وأبعد ما يكون عن الماء ، تفجرت فالتقى الماء على أمر ، قد قدر .
{ قُلْنَا } لنوح : { احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } أي : من كل صنف من أصناف المخلوقات ، ذكر وأنثى ، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين ، فلأن السفينة لا تطيق حملها { وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } ممن كان كافرا ، كابنه الذي غرق .
{ وَمَنْ آمَنَ } { و } الحال أنه { مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ }
كان من أمره وأمرهم بعد ذلك أن أمر الله - تعالى - نوحا - عليه السلام - أن يحمل فى السفينة بعد أن أتم صنعها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرا وأنثى ، ثم نزل الطرفان ، وسارت السفينة بمن فيها ، وأغرق الله - تعالى - الظالمين ، وقد حكى - سبحانه - كل ذلك فقال - تعالى :
{ حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا . . . }
قوله - سبحانه - { حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين . . . } بيان لمرحلة جديدة من مراحل قصة نوح - عليه السلام - مع قومه .
و { حتى } هنا حرف غاية لقوله - تعالى - قبل ذلك { وَيَصْنَعُ الفلك . . . إلخ } .
والمراد بالأمر فى قوله - سبحانه - { حتى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا . . . } حلول وقت نزول العذاب بهم ، فهو مفرد الأمور ، أى : حتى إذا حل بهم وقت عذابنا . . قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين .
ويصح أن يكون المراد به الأمر بالشئ على أنه مفرد الأوامر ، فيكون المعنى : حتى إذا جاء أمرنا لنوح بركوب السفينة ، وللأرض بتفجير عيونها ، وللسماء بإنزال أمطارها . . قلنا احمل فيها . . .
وجملة ، وفار التنور ، معطوفة على { جَآءَ أَمْرُنَا } وكلمة { فار } من الفور والفوران ، وهو شدة الغليان للماء وغيره .
قال صاحب المنار ما ملخصه : " والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع والقوى ، يقال في الماء إذا غلا وارتفع . . . ويقال فى النار إذا هاجت قال - تعالى - { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } ومن المجاز : فار الغضب ، إذا اشتد . . .
وللمفسرين فى المراد بلفظ { التنور } أقوال منها : أن المراد به الشئ الذى يخبز فيه الخبز ، وهو ما يسمى بالموقد أو الكانون . . .
ومنها أن المراد به وجه الأرض . . .
ومنها : أن المراد به موضع اجتماع الماء في السفينة . . .
ومنها : أن المراد به طلوع الفجر من قولهم : تنور الفجر . . .
ومنها : أن المراد به أعالى الأرض والمواضع المرتفعة فيها . .
وقيل : إن الكلام على سبيل المجاز ، والمراد بقوله - سبحانه - { وَفَارَ التنور } التمثيل بحضور العذاب ، كقولهم ، حمى الوطيس ، إذا اشتد القتال .
وأرجح هذه الأقوال أولها ، لأن التنور فى اللغة يطلق على الشئ الذى يخبز فيه ، وفورانه معناه : نبع الماء منه بشدة مع الارتفاع والغليان ، كما يفوز الماء فى القدر عند الغليان ، ولعل ذلك كان علامة لنوح - عليه السلام - على اقتراب وقت الطوفان .
وقد رجح هذا القول المحققون من المفسرين ، فقد قال الإِمام ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى معى التنور : " وأولى الأقوال عندنا بتأويل قوله { التنور } قول من قال : هو التنور الذى يخبز فيه ، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب ، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب ، إلا أن تقوم حجة على شئ منه بخلاف ذلك ، فيسلم لها .
وذلك لأنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإِفهامهم معنى ما خاطبهم به .
أى : قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه . . . وفار التنور الذى جعلنا فورانه بالماء آية مجئ عذابنا . . احمل فيها - أى السفينة من كل زوجين اثنين .
وقال الإِمام الرازى ما ملخصه : فإن قيل : فما الأصح من هذه الأقوال - فى معنى التنور . . . ؟
قلنا : الأصل حمل الكلام على حقيقته ، ولفظ التنور حقيقة فى الموضع الذى يخبز فيه ، فوجب حمل اللفظ عليه . . .
ثم قال : والذى روى من أن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لا يمتنع لأن هذه واقعة عظيمة ، وقد وعد الله - تعالى - المؤمنين النجاة فلابد أن يجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين " فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذه الواقعة " .
وجملة { قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ } جواب إذا .
ولفظ { زوجين } تثنية زوج ، والمراد به هنا الذكر والأنثى من كل نوع .
قراءة الجمهور { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } بدون تنوين للفظ كل ، وإضافته إلى زوجين .
وقرأ حفص : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } بتنوين لفظ كل وهو تنوين عوض عن مضاف إليه ، والتقدير : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التى أنت فى حاجة إليها ذكرا وأنثى .
ويكون لفظ { زوجين } مفعولا لقوله { احمل } واثنين صفة له .
والمراد بأهله : أهل بيته كزوجته وأولاده ، وأكثر ما يطلق لفظ الأهل على الزوجة ، كما فى قوله - { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً . . . } والمراد بأهله : من كان مؤمنا منهم .
وجملة { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول } استثناء من الأهل .
أى : احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه قضاؤنا بكفره منهم فلا تحمله .
والمراد بمن سبق عليه القول : زوجته التى جاء ذكرها فى سورة التحريم فى قوله - تعالى - { ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا . . } وابنه الذى أبى أن يركب معه السفينة .
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الجملة : والمراد زوجة له أخرى تسمى ( واعلة ) بالعين المهملة ، وفى رواية ( والقة ) وابنه منها واسمه ( كنعان ) . . وكانا كافرين
وجملة { وَمَنْ آمَنَ } معطوفة على قوله { وَأَهْلَكَ } أى : واحمل معك من آمن بك من قومك .
والمعنى للآية الكريمة : لقد امتثل نوح أمر ربه له بصنع السفينة ، حتى إذا ما تم صنعها ، وحان وقت نزول العذاب بالكافرين من قومه ، وتحققت العلامات الدالة على ذلك ، قال الله - تعالى - لنوح : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التى أنت فى حاجة إليها ذكر أو أنثى ، واحمل فيها أيضا من آمن بك من أهل بيتك دون من لم يؤمن ، واحمل فيها كذلك جميع المؤمنين الذين اتبعوا دعوتك من غير أهل بيتك .
وقد ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يدل على قلة عدد من آمن به فقال : { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } .
أى : وما آمن معه إلا عدد قليل من قومه بعد أن لبث فيهم قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية .
قال الآلوسى بعد أن ساق أقوالا فى عدد من آمن بنوح - عليه السلام - من قومه : . . . والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين : زوجته ، وبنوه الثلاثة ونساؤهم ، وانثان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم . . .
ثم مشهد التعبئة عندما حلت اللحظة المرتقبة :
( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ، قلنا : احمل فيها من كل زوجين اثنين ، وأهلك - إلا من سبق عليه القول - ومن آمن ، وما آمن معه إلا قليل . وقال : اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم ) .
وتتفرق الأقوال حول فوران التنور ، ويذهب الخيال ببعضها بعيدا ، وتبدو رائحة الإسرائيليات فيها وفي قصة الطوفان كلها واضحة . أما نحن فلا نضرب في متاهة بغير دليل ، في هذا الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما يقدمه لنا النص ، وفي حدود مدلوله بلا زيادة .
وأقصى ما نملك أن نقوله : إن فوران التنور - والتنور الموقد - قد يكون بعين فارت فيه ، أو بفوارة بركانية . وأن هذا الفوران ربما كان علامة من الله لنوح ، أو كان مصاحبا مجرد مصاحبة لمجيء الأمر ، وبدءا لنفاذ هذا الأمر بفوران الأرض بالماء . وسح الوابل من السماء .
لما حدث هذا ( قلنا : احمل فيها من كل زوجين اثنين . . . ) كأن نظام العملية كان يقتضي أن يؤمر نوح بمراحلها واحدة واحدة في حينها . فقد أمر أولا بصنع الفلك فصنعه ، ولم يذكر لنا السياق الغرض من صنعه ، ولم يذكر أنه أطلع نوحا على هذا الغرض كذلك . ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) . . أمر بالمرحلة التالية .
( قلنا : احمل فيها من كل زوجين اثنين ، وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن ) . .
ومرة أخرى تتفرق الأقوال حول ( من كل زوجين اثنين ) وتشيع في الجو رائحة الإسرائيليات قوية . أما نحن فلا ندع الخيال يلعب بنا ويشتط حول النص : ( احمل فيها من كل زوجين اثنين ) . . مما يملك نوح أن يمسك وأن يستصحب من الأحياء . وما وراء ذلك خبط عشواء . .
( وأهلك - إلا من سبق عليه القول - ) . .
هذه مُواعدة من الله تعالى لنوح ، عليه السلام ، إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة ، والهَتَّان الذي لا يُقْلع ولا يَفتُر ، بل هو كما قال تعالى : { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } [ القمر : 11 - 14 ] .
وأما قوله : { وَفَارَ التَّنُّورُ } فعن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، أي : صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء ، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف .
وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : التنور : فَلَق الصبح ، وتنوير الفجر ، وهو ضياؤه وإشراقه .
وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس : عين بالهند . وعن قتادة : عين بالجزيرة ، يقال لها : عين الوردة .
فحينئذ أمر الله نوحا ، عليه السلام ، أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين - من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح ، قيل : وغيرها من النباتات - اثنين . ذكرا وأنثى ، فقيل : كان أول من أدخل من الطيور الدرة ، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ، فدخل إبليس متعلقًا بذنبه ، فدخل بيده{[14592]} ، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ، فجعل يقول له نوح : مالك ؟ ويحك . ادخل . فينهض ولا يقدر ، فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة .
وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد ، حتى ألقيت عليه الحمى .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم . عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه : وكيف يطمئن أو : تطمئن - المواشي ومعها{[14593]} الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حُمَّى نزلت الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفُوَيسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا . فأوحى الله إلى الأسد ، فعطس ، فخرجت الهرة منه ، فتخبأت الفأرة منها{[14594]} .
وقوله : { وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي : " واحمل فيها أهلك ، وهم أهل بيته وقرابته " إلا من سبق عليه القول منهم ، ممن لم يؤمن بالله ، فكان منهم ابنه " يام " الذي انعزل وحده ، وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله .
وقوله : { وَمَنْ آمَنَ } أي : من قومك ، { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ } أي : نزر {[14595]}يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم{[14596]} نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه{[14597]} الثلاثة سام ، وحام ، ويافث ، وكنائِنِه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . وقيل : بل امرأةُ نوح كانت معهم في السفينة ، وهذا فيه نَظَرٌ ، بل الظاهر أنها هلكت ؛ لأنها كانت على دين قومها ، فأصابها ما أصابهم ، كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قَومها ، والله أعلم وأحكم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلّمَا مَرّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مّقِيمٌ * حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ } .
يقول تعالى ذكره : ويصنع نوح السفينة ، وكلما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه ، يقول : هزئوا من نوح ، ويقولون له : أتحولت نجارا بعد النبوة وتعمل السفينة في البر فيقول لهم نوح : إنْ تسْخروا مّنا : إن تهزءوا منا اليوم ، فإنا نهزأ منكم في الاَخرة كما تهزءون منا في الدنيا . فسوْفَ تعْلمونَ إذا عاينتم عذاب الله ، من الذي كان إلى نفسه مسيئا منا . وكانت صنعة نوح السفينة كما :
حدثني المثنى وصالح بن مسمار ، قالا : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا موسى بن يعقوب ، قال : ثني فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع : أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة ، أخبره أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ رَحِمَ اللّهُ أحَدا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمّ الصّبِيّ » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كانَ نُوحٌ مَكَث في قَومِهِ ألْف سَنَةٍ إلاّ خُمسِين عاما يَدْعُوهُمْ إلى اللّهِ حتى كانَ آخِرَ زَمانِه غَرَس شَجَرَةً ، فعَظُمَتْ وذهَبَتْ كُلّ مَذْهَبٍ ، ثُمّ قَطَعَها ، ثُمّ جَعَل يَعْمَلُ سَفِينَةً ، ويَمُرّونَ فيَسألُونَهُ ، فَيَقُولُ : أعْمَلُها سَفِينَةً ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ : تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي البَرّ فَكَيْفَ تَجْرِي ؟ فَيَقُولُ : سَوْفَ تَعْلَمُونَ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْها وَفارَ التّنّورُ وكَثُرَ المَاءُ في السّكَكِ خَشِيَتْ أُمّ الصَبِيّ عَلَيْهِ ، وكانَتْ تُحِبُبّهُ حُبّا شّدِيدا ، فخَرَجَتْ إلى الجَبَل حتى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ فَلَمّا بَلَغَها المَاءُ خَرَجَتْ حتى بَلَغَتْ ثُلُثَيِ الجَبَل فَلَمّا بَلَغَها المَاءُ خَرَجَتْ حتى اسْتَوَتْ على الجَبَلِ فَلَمّا بَلَغَ المَاءُ رَقَبَتَها رَفَعَتْهُ بينَ يَدَيْها حتى ذَهَبَ بِها المَاءُ ، فَلَوْ رَحِمَ اللّهُ مِنْهُمْ أحَدا لَرَحِمَ أُمّ الصّبِيّ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن طول السفينة ثلاث مئة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعا ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وبابها في عرضها .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، قال : كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومئتي ذراع ، وعرضها ستّ مئة ذراع .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن مفضل بن فضالة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ان عباس ، قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال : فانطلق بهم حتى انتهى بهم إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفّا من ذلك التراب بكفه ، قال : أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كعب حام بن نوح . قال : فضرب الكثيب بعصاه ، قال : قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب . قال له عيسى : هكذا هلكت ؟ قال : لا ، ولكن متّ وأنا شاب ، ولكني ظننت أنها الساعة ، فمن ثم شِبْت . قال : حدّثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ومئتي ذراع ، وعرضها ستّ مئة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدوابّ والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير . فلما كثر أرواث الدوابّ ، أوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث . فلما وقع الفأر بحبل السفينة يقرضه ، أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر ، فقال له عيسى : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت ، قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت ، قال : فطوّقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت . قال : فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا ، فيجلس معنا ، ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال : فقال له : عد بإذن الله ، قال : فعاد ترابا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق عمن لا يتّهم عن عبيد بن عمير الليثي : أنه كان يحدّث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعني قوم نوح فيخنقونه حتى يغشي عليه ، فإذا أفاق قال : اللهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون حتى إذا تمادوا في المعصية ، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة ، وتطاول عليه وعليهم الشأن ، واشتدّ عليه منهم البلاء ، وانتظر النجل بعد النجل ، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله ، حتى إن كان الاَخِرُ منهم ليقول : قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا . حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله تعالى ، كما قصّ الله علينا في كتابه : رَبّ إني دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلاً ونهَارا فَلم يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا إلى آخر القصة ، حتى قالَ رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا إنّكَ إنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِرا كَفّارا إلى آخر القصة . فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله واستنصره عليهم ، أوحي الله إليه أَنِ وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا ولاَ تُخاطبْني في الّذِينَ ظَلمُوا أي بعد اليوم ، إنّهُمْ مُغْرَقُونَ . فأقبل نوح على عمل الفلك ، ولَهِيَ عن قومه ، وجعل يقطع الخشب ، ويضرب الحديد ويهيىء عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو . وجعل قومه يمرّون به وهو في ذلك من عمله ، فيسخرون منه ويستهزئون به ، فيقول : إنْ تَسْخَرُوا منّا فإنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ . قال : ويقولون له فيما بلغني : يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوّة قال : وأعقم الله أرحام النساء ، فلا يولد لهم ولد . قال : ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج ، وأن يصنعه أزور ، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه ، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا ، وأن يجعله ثلاثة أطباق : سفلاً ووسطا وعلوا ، وأن يجعل فيه كُوًى . ففعل نوح كما أمره الله ، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه إذا جاء أمرنا وفار التنور فاحمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن ، وما آمن معه إلا قليل ، وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه ( ف ) قال إذَا جاءَ أمْرُنا وَفارَ التّنّورُ فاسْلُكْ فَيها مِنْ كُلَ زَوْجيْنِ اثْنين واركب . فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله ، وكانوا قليلاً كما قال الله ، وحمل فيها من كلّ زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر ذكر وأنثى ، فحمل فيه بنيه الثلاثة : سام وحام ويافت ونساءهم ، وستة أناس ممن كان آمن به ، فكانوا عشرة نفر : نوح وبنوه وأزواجهم ، ثم أدخل ما أمره به من الدوابّ وتخلّف عنه ابنه يام ، وكان كافرا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعته يقول : كان أوّل ما حمل نوح في الفلك من الدوابّ الدرّة ، وآخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار وأدخل صدره مَسَك إبليس بذنبه ، فلم تستقل رجلاه ، فجعل نوح يقول : ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع . حتى قال نوح : ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك قال : كلمة زلّت عن لسانه . فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله ، فدخل ودخل الشيطان معه ، فقال له نوح : ما أدخلك عليّ يا عدوّ الله ؟ فقال : ألم تقل : ادخل وإن كان الشيطان معك ؟ قال : اخرج عني يا عدوّ الله فقال : ما لك بدّ من أن تحملني . فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك . فلما اطمأنّ نوح في الفلك ، وأدخل فيه مَنْ آمن به ، وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها نوح بعد ستّ مئة سنة من عمره لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر فلما دخل وحمل معه من حمل ، تحرّك ينابيع الغوط الأكبر ، وفتح أبواب السماء ، كما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فَفَتَحْنا أبْوَابَ السّماءِ بِمَاء مُنْهَمرٍ وفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدِرَ فدخل نوح ومن معه الفلك وغطاه عليه وعلى من معه بطبقة ، فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوما وأربعون ليلة . ثم احتمل الماء كما تزعم أهل التوراة ، وكثر الماء واشتدّ وارتفع يقول الله لمحمد : وَحمَلْناهُ على ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ والدسر : المسامير ، مسامير الحديد . فجعلت الفلك تجري به وبمن معه في موج كالجبال ونادى نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك ، وكان في معزل حين رأى نوح من صدق موعد ربه ما رأى فقال : يا بُنَيّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الكافرِينَ وكان شقيا قد أضمر كفرا ، قالَ سآوِي إلى جَبَل يَعْصِمُني منَ المَاءِ وكان عهد الجبال وهي حرز من الأمطار إذا كانت ، فظن أن ذلك كما كان يعهد . قال نوح : لا عاصِمَ اليَوْمَ منْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ فَكانَ مِنَ المُغْرَقينَ وكثر الماء حتى طغى وارتفع فوق الجبال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعا ، فباد ما على وجه الأرض من الخلق من كل شيء فيه الروح أو شجر ، فلم يبق شيء من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك ، وإلا عوج بن عنق فيما يزعم أهل الكتاب . فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر ليال .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن عليّ بن زيد بن جدعان ، قال ابن حميد ، قال سلمة وحدثني حسن بن عليّ بن زيد عن يوسف بن مهران ، قال : سمعته يقول : لما آذى نوحا في الفلك عذرةُ الناس ، أمر أن يمسح ذنب الفيل ، فمسحه فخرج منه خنزيران ، وكفي ذلك عنه . وإن الفأر توالدت في الفلك ، فلما آذته ، أمر أن يأمر الأسد يعطس ، فعطس فخرج من مَنْخِريه هرّان يأكلان عنه الفأر .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : لما كان نوح في السفينة ، قرض الفأر حبال السفينة ، فشكا نوح ، فأوحي الله إليه فمسح ذنب الأسد فخرج سنّوران . وكان في السفينة عذرة ، فشكا ذلك إلى ربه ، فأوحي الله إليه ، فمسح ذنب الفيل ، فخرج خنزيران .
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال : حدثنا الأسود بن عامر ، قال : أخبرنا سفيان بن سعيد ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، بنحوه .
حُدثت عن المسيب بن أبي رَوْق ، عن الضحاك ، قال : قال سليمان القَرَاسِي : عمل نوح السفينة في أربع مئة سنة ، وأنبت الساج أربعين سنة حتى كان طوله أربع مئة ذراع ، والذراع إلى المنكب .
القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حتى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفارَ التّنّورُ قُلْنا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه : فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أيها القوم إذا جاء أمر الله ، من الهالك مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ يقول : الذي يأتيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله ، ويحلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ يقول : وينزل به في الاَخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له ، مقيم عليه أبدا .
وقوله : حتى إذَا جاءَ أمْرُنا يقول : ويصنع نوح الفلك حتى إذا جاء أمرنا الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفان الذي يغرقهم .
وقوله : وَفارَ التّنّورُ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : انبجس الماء من وجه الأرض ، وفار التنور ، وهو وجه الأرض . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال في قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : التنور : وجه الأرض . قال : قيل له : إذا رأيت الماء على وجه الأرض ، فاركب أنت ومن معك قال : والعرب تسمى وجه الأرض : تنور الأرض .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن العوّام ، عن الضحاك ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن عكرمة ، في قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : وجه الأرض .
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الشيباني ، عن عكرمة : وَفارَ التّنّورُ قال : وجه الأرض .
وقال آخرون : هو تنوير الصبح من قولهم : نوّر الصبح تنويرا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا محمد بن فُضَيل ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن عباس مولى أبي جحيفة ، عن أبي جحيفة ، عن عليّ رضي الله عنه ، قوله : حتى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفارَ التّنّورُ قال : هو تنوير الصبح .
حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيل ، قالا : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن زياد مولى أبي جُحيفة ، عن أبي جُحيفة ، عن عليّ في قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : تنوير الصبح .
حدثنا حماد بن يعقوب ، قال : أخبرنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن مولى أبي جُحيفة ، أراه قد سماه عن أبي جحيفة ، عن عليّ : وَفارَ التّنّورُ قال : تنوير الصبح .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن إسحاق ، عن رجل من قريش ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : وَفارَ التّنّورُ قال : طلع الفجر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن رجل قد سماه ، عن عليّ بن أبي طالب ، قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : إذا طلع الفجر .
وقال آخرون : معنى ذلك : وفار على الأرض وأشَرفِ مكان فيها بالماء . وقال : التنور أشرف الأرض . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : حتى إذَا جاء أمْرُنا وَفارَ التّنّورُ كنا نُحَدّث أنه أعلى الأرض وأشرفها ، وكان عَلَما بين نوح وبين ربه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : سمعت قتادة ، قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : أشرف الأرض وأرفعها فار الماء منه .
وقال آخرون : هو التنور الذي يختبز فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : حتى إذا جاءَ أمْرُنا وفارَ التّنّورُ قال : إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الماء فإنه هلاك قومك .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي محمد ، عن الحسن ، قال : كان تنورا من حجارة كان لحواء حتى صار إلى نوح ، قال : فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَفارَ التّنّورُ قال : حين انبجس الماء وأمر نوح أن يركب هو ومن معه في الفلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَفارَ التّنّورُ قال : انبجس الماء منه آية أن يركب بأهله ومن معه في السفينة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه ، إلا أنه قال : آية أن يركب أهله ومن معه في السفينة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : آية بأن يركب بأهله ومن معهم في السفينة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : نبع الماء في التنور ، فعلمت به امرأته فأخبرته . قال : وكان ذلك في ناحية الكوفة .
قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا علي بن ثابت ، عن السري بن إسماعيل ، عن الشعبي : أنه كان يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الحميد الحِمّاني ، عن النضر أبي عمر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : فار التنور بالهند .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَفارَ التّنّورُ كان آية لنوح إذا خرج منه الماء فقد أتي الناس الهلاك والغرق .
وكان ابن عباس يقول في معنى فار : نبع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : وَفارَ التّنّورُ قال : نبع .
قال أبو جعفر : وفوران الماء سَوْرة دفعته ، يقال منه : فار الماء يفور فوَرَانا وفَوْرا ، وذاك إذا سارت دفعته .
وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله : التّنّور قول من قال : هو التنور الذي يخبز فيه لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب إلا أن تقوم حجة على شيء منه بخلاف ذلك فيسلم لها . وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به .
قُلْنَا لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذّبهم به ، وفار التنور الذي جعلنا فورانه بالماء آية مجيء عذابنا بيننا وبينه لهلاك قومه : احْمِلْ فِيها يعني في الفلك مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يقول : من كلّ ذكر وأنثى . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قال : ذكر وأنثى من كلّ صنف .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فالواحد زوج ، والزوجين ذكر وأنثى من كلّ صنف .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قال : ذكر وأنثى من كل صنف .
قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قُلْنا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يقول : من كل صنف اثنين .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني بالزوجين اثنين : ذكرا وأنثى .
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين : الزوجان في كلام العرب : الاثنان ، قال : ويقال عليه زَوْجَا نعال : إذا كانت عليه نعلان ، ولا يقال عليه زوج نعال ، وكذلك عنده زوجا حمام ، وعليه زوجا قيود . وقال : ألا تسمع إلى قوله : وأنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ والأُنْثَى فإنما هما اثنان . وقال بعض البصريين من أهل العربية في قوله : قلْنا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قال : فجعل الزوجين : الضربين ، الذكور والإناث ، قال : وزعم يونس أن قول الشاعر :
وأنْتَ امْرُءٌ تَعْدُو على كُلّ غِرّةٍ *** فتُخْطِيءُ فِيها مَرّةً وتُصِيبُ
يعني به الذئب . قال : فهذا أشذّ من ذلك . وقال آخر منهم : الزوج : اللون ، قال : وكل ضرب يدعي لونا ، واستشهد ببيت الأعشى في ذلك :
وكُلّ زَوْجٍ مِنَ الديباجِ يَلْبَسُهُ *** أبُو قُدَامَةَ مَحْبُوّ بِذَاكَ مَعا
بذِيَ بهْجَةٍ كَنّ المَقانِبُ صَوْبَهُ *** وَزَيّنَهُ أزْوَاجُ نَوْرٍ مُشَرّبِ
وذكر أن الحسن قال في قوله : مِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ السماء زوج ، والأرض زوج ، والشتاء زوج ، والصيف زوج ، والليل زوج ، والنهار زوج ، حتى يصير الأمر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء .
وقوله : وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ يقول : واحمل أهلك أيضا في الفلك ، يعني بالأهل : ولده ونساءه وأزواجه إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ يقول : إلا من قلت فيهم إني مهلكه مع من أهلك من قومك .
ثم اختلفوا في الذي استثناه الله من أهله ، فقال بعضهم : هو بعض نساء نوح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ قال : العذاب ، هي امرأته كانت من الغابرين في العذاب .
وقال آخرون : بل هو ابنه الذي غرق . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن المسيب ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، في قوله : وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ قال : ابنه غرق فيمن غرق .
وقوله : وَمَنْ آمَنَ يقول : واحمل معهم من صدّقك واتبعك من قومك . يقول الله : وما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ يقول : وما أقرّ بوحدانية الله مع نوح من قومه إلا قليل .
واختلفوا في عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه في الفلك ، فقال بعضهم في ذلك : كانوا ثمانية أنفس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَليلٌ قال : ذكر لنا أنه لم يتمّ في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه ، ونساؤهم ، فجميعهم ثمانية .
حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة ، قالا : حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن أبيه ، عن الحكم : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ قال : نوح ، وثلاثة بنيه ، وأربع كنائنه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : حُدثت أن نوحا حمل معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه ، وامرأة نوح ، فهم ثمانية بأزواجهم . وأسماء بنيه : يافث ، وسام ، وحام ، وأصاب حام زوجته في السفينة ، فدعا نوح أن يغير نطفته فجاء بالسودان .
وقال آخرون : بل كانوا سبعة أنفس . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ قال : كانوا سبعة : نوح ، وثلاث كنائن له ، وثلاثة بنين .
وقال آخرون : كانوا عشرة سوى نسائهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما فار التنور ، حمل نوح في الفلك من أمره الله به ، وكانوا قليلاً كما قالالله ، فحمل بنيه الثلاثة : سام ، وحام ، ويافث ، ونساءهم ، وستة أناسي ممن كان آمن ، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم .
وقال آخرون : بل كانوا ثمانين نفسا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانا .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، كان بعضهم يقول : كانوا ثمانين ، يعني القليل الذي قال الله : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن الخُباب ، قال : ثني حسين بن واقد الخُراساني ، قال : ثني أبو نَهِيك ، قال : سمعت ابن عباس يقول : كان في سفينة نوح ثمانون رجلاً ، أحدهم جُرْهُم .
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ يصفهم بأنهم كانوا قليلاً ، ولم يحدد عددهم بمقدار ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح ، فلا ينبغي أن يتجاوز في ذلك حد الله ، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حد من كتاب الله أو أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ حتى إذا جاء أمرنا } غاية لقوله { ويصنع الفلك } وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام . { وفار التّنور } نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور ، و{ التنور } تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها ، أو ي الهند أو بعين وردة من أرض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو أشرف موضع فيها . { قلنا احمل فيها } في السفينة . { من كل } من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها . { زوجين اثنين } ذكرا وأنثى هذا على قراءة حفص والباقون أضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف أنثى . { وأهلك } عطف على { زوجين } أو { اثنين } ، والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم . { إلا من سبق عليه القول } بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين . { ومن آمن } والمؤمنين من غيرهم . { وما آمن معه إلا قليل } قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم . روي أنه عليه الصلاة والسلام اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين ، وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في أسفلها الدواب والوحش وفي أوسطها الأنس وفي أعلاها الطير .
{ حتى } غاية ل { يصنع الفلك } [ هود : 38 ] أي يصنعه إلى زمن مجيء أمرنا ، ف { إذا } ظرف مضمن معنى الشرط ولذلك جيء له بجواب . وهو جملة { قلنا احمل } . وجعل الشرط وجوابه غاية باعتبار ما في حرف الشرط من معنى الزمان وإضافته إلى جملة الشرط ، فحصل معنى الغاية عند حصول مضمون جملة الجزاء ، وهو نظم بديع بإيجازه .
والأمر هنا يحتمل أمْر التكوين بالطوفان ، ويحتمل الشّأن وهو حادث الغرق ، وإضافته إلى اسم الجلالة لتهويله بأنّه فوق ما يعرفون .
والفوران : غليان القدر ، ويطلق على نبع الماء بشدة ، تشبيهاً بفوران ماء في القدر إذا غلي ، وحملوه على ما جاء في آيات أخرى من قصة نوح عليه السّلام مثل قوله : { وفجّرنا الأرض عيوناً } [ القمر : 12 ] . ولذلك لم يتضح لهم إسناده إلى التنور ، فإن التنور هو الموقد الذي ينضج فيه الخبز ، فكثرت الأقوال في تفسير التنور ، بلغت نسبة أقوال منها ما لا ينبغي قبوله . ومنها ما له وجه وهو متفاوت .
فمن المفسرين من أبقى التنور على حقيقته ، فجعل الغوران خروج الماء من أحد التنانير وأنه علامة جعلها الله لنوح عليه السّلام إذ أفار الماء من تنوره علم أن ذلك مبدأ الطوفان فركِب الفلكَ وأركبَ من معه .
ومنهم من حمل التنور على المَجاز المفرد ففسره بسطح الأرض ، أي فار الماء من جميع الأرض حتى صار بسطح الأرض كفوهة التنور .
ومنهم من حمل { فار } و { التنور } على الحقيقة ، وأخرج الكلام مَخرج التمثيل لاشتداد الحال ، كما يقال : حمي الوطيس . وقع حكاية ذلك في تفسير ابن عطية في هذه الآية وفي الكشاف في تفسير سورة المؤمنون : وأنشد الطبرسي قول الشاعر . وهو النابغة الجعدي :
تفورُ علينا قِدرهم فنديمها *** ونفثأها عنّا إذا قِدرها غلى
يريد بالقدر الحرب ، ونفثأها ، أي نسكنها ، يقال : فثأ القِدر إذا سكن غليانها بصب الماء فيها . وهذا أحسن ما حكي عن المفسرين .
والذي يظهر لي أن قوله : { وفارَ التنور } مثَل لبلوغ الشيء إلى أقصَى ما يتحمل مثله ، كما يقال : بلغ السيل الزُبى ، وامتلأ الصاع ، وفاضت الكأس وتفاقم .
والتنور : محفل الوادي ، أي ضفته ، فيكون مثل طَما الوادي من قبيل بلغ السيل الزُبى . والمعنى : بأن نفاذ أمرنا فيهم وبلغوا من طول مدة الكفر مبلغاً لا يغتفر لهم بعدُ كما قال تعالى : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } [ الزخرف : 55 ] .
والتنور : اسم لمَوقد النار للخبز . وزعمه . الليث مما اتفقت فيه اللغات ، أي كالصابون والسمور . ونسب الخفاجي في شفاء الغليل هذا إلى ابن عباس . وقال أبو منصور : كلام الليث يدل على أنه في الأصل أعجمي .
والدليل على ذلك أنه فعّول من تنر ولا نعرف تنر في كلام العرب لأنه مهمل ، وقال غيره : ليس في كلام العرب نون قبل رَاء فإن نرجس معرب أيضاً .
وقد عدّ في الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن . ونظمها ابن السبكي في شرحه على مختصر ابن الحاجب الأصلي ونسب ذلك إلى ابن دريد . قال أبو علي الفارسي : وزنه فَعّول . وعن ثعلب أنه عربي ، قال : وزنه تَفعول من النور ( أي فالتاء زايدة ) وأصله تنوور بواوين ، فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها ثم حذفت الهمزة تخفيفاً ثم شددت النون عوضاً عما حذف أي مثل قوله : تقَضّى البَازي بمعنى تقضّض .
وقرأ الجمهور { من كلّ زوجين } بإضافة { كل } إلى { زوجين } .
والزوج : شيء يكون ثَانياً لآخَرَ في حالة . وأصله اسم لما ينضم إلى فرد فيصير زوجاً له ، وكل منهما زوج للآخر . والمراد ب { زوجين } هنا الذكر والأنثى من النوع ، كما يدل عليه إضافة { كل } إلى { زوجين } ، أي احمل فيها من أزواج جميع الأنواع .
و { من } تبعيضية ، و { اثنين } مفعول { احمل } ، وهو بيان لئلاّ يتوهّم أن يحمل كل زوجين واحداً منهما لأن الزوج هو واحد من اثنين متصلين ، كما تقدم في قوله تعالى : { ثمانية أزواج } في سورة [ الأنعام : 143 ] . ولئلا يحمل أكثر من اثنين من نوع لتضيق السفينة وتثقل .
وقرأه حفص { من كلَ } بتنوين { كلَ } فيكون تنوين عوض عن مضاف إليه ، أي من كل المخلوقات ، ويكون { زوجين } مفعول { احمل } ، ويكون { اثنين } صفة ل { زوجين } أي لا تزد على اثنين .
وأهل الرجل قرابته وأهل بيته وهو اسم جمع لا واحد له . وزوجه أول من يبادر من اللفظ ، ويطلق لفظ الأهل على امرأة الرجل قال تعالى : { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } [ القصص : 29 ] ، وقال : { وإذ غدوتَ من أهلك } [ آل عمران : 121 ] أي من عند عائشة رضي الله عنها .
و { من سبق عليه القول } أي من مضى قول الله عليه ، أي وعيده . فالتعريف في { القول } للعهد ، يعني إلاّ من كان من أهلك كافراً . ، وماصدق هذا إحدى امرأتيه المذكورة في سورة التّحريم وابنه منها المذكور في آخر هذه القصة . وكان لنوح عليه السّلام امرأتان .
وعدّي { سبَق } بحرف { على } لتضمين { سَبَق } معنى : حَكَم ، كما عدّي باللام في قوله : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } [ الصافات : 171 ] لتضمينه معنى الالتزام النافع .
وجملة { وما آمن معه إلا قليل } اعتراض لتكميل الفائدة من القصة في قلة الصالحين . قيل : كان جميع المؤمنين به من أهله وغيرهم نيفاً وسبعين بين رجال ونساء ، فكان معظم حمولة السفينة من الحَيوان .