تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ْ } أي : استضافاهم ، فلم يضيفوهما { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ْ } أي : قد عاب واستهدم { فَأَقَامَهُ ْ } الخضر أي : بناه وأعاده جديدا . فقال له موسى : { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ْ } أي : أهل هذه القرية ، لم يضيفونا مع وجوب ذلك عليهم ، وأنت تبنيه من دون أجرة ، وأنت تقدر عليها ؟ . فحينئذ لم يف موسى عليه السلام بما قال ، واستعذر الخضر منه ، فقال له : { هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ْ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

ثم تسوق لنا السورة الكريمة الحادث الثالث والأخير فى تلك القصة الزاخرة بالمفاجآت والعجائب فتقول : { فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً . . . }

أى : فانطلق موسى والخضر - عليهما السلام - يتابعان سيرهما . حتى إذا أتيا أهل قرية قيل هى " أنطاكية " ، وقيل : هى قرية بأرض الروم .

{ استطعما أهلها } والاستطعام : سؤال الطعام . والمراد به هنا سؤال الضيافة لأنه هو المناسب لمقام موسى والخضر - عليهما السلام - ولأن قوله - تعالى - بعد ذلك : { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } يشهد له .

أى : فأبى وامتنع أهل تلك القرية عن قبول ضيافتهما بخلا منهم وشحا .

وقوله - تعالى - { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } معطوف على { أتيا } أى : وبعد أن امتنع أهل القرية عن استضافتهما ، تجولا فيها { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً } أى : بناء مرتفعا { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أى : ينهدم ويسقط { فأقامه } أى الخضر بأن سواه وأعاد إليه اعتداله ، أو بأن نقضه وأخذ فى بنائه من جديد .

وهنا لم يتمالك موسى - عليه السلام - مشاعره ، لأنه وجد نفسه أمام حالة متناقضة ، قوم بخلاء أشحاء لا يستحقون العون . . ورجل يتعب نفسه فى إقامة حائط مائل لهم . . هلا طلب منهم أجرا على هذا العمل الشاق ، خصوصا وهما جائعان لا يجدان مأوى لهما فى تلك القرية !

لذا بادر موسى - عليه السلام - ليقول للخضر : { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } .

أى : هلا طلبت أجرا من هؤلاء البخلاء على هذا العمل ، حتى تنتفع به . وأنت تعلم أننا جائعان وهم لم يقدموا لنا حق الضيافة .

فالجملة الكريمة تحريض من موسى للخضر على أخذ الأجر على عمله ، ولوم له على ترك هذا الأجر مع أنهما فى أشد الحاجة إليه .

وكان هذا التحريض من موسى للخضر - عليهما السلام - هو نهاية المرافقة والمصاحبة بينهما ، ولذا قال الخضر لموسى : { هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

وينطلق السياق فإذا نحن أمام المشهد الثالث :

( فانطلقا . حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) .

إنهما جائعان ، وهما في قرية أهلها بخلاء ، لا يطعمون جائعا ، ولا يستضيفون ضيفا . ثم يجد أن جدارا مائلا يهم أن ينقض . والتعبير يخلع على الجدار حياة وإرادة كالأحياء فيقول : ( يريد أن ينقض )فإذا الرجل الغريب يشغل نفسه بإقامة الجدار دون مقابل ! ! !

وهنا يشعر موسى بالتناقض في الموقف . ما الذي يدفع هذا الرجل أن يجهد نفسه ويقيم جدارا يهم بالانقضاض في قرية لم يقدم لهما أهلها الطعام وهما جائعان ، وقد أبوا أن يستضيفوهما ? أفلا أقل من أن يطلب عليه أجرا يأكلان منه ?

( قال : لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

يقول تعالى مخبرا عنهما : إنهما انطلقا بعد المرتين الأوليين{[18349]} { حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } روى ابن جرير{[18350]} عن ابن سيرين أنها الأيلة{[18351]} وفي الحديث : " حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما " {[18352]} أي : بخلاء { فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ } إسناد الإرادة هاهنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة ، فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل . والانقضاض هو : السقوط .

وقوله : { فَأَقَامَهُ } أي : فردّه إلى حالة الاستقامة وقد تقدم في الحديث أنه ردّه بيديه ، ودعمه حتى رد ميله . وهذا خارق فعند ذلك قال موسى له { لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا }{[18353]} أي : لأجل أنهم لم يضيفونا كان ينبغي ألا تعمل لهم مجانًا{[18354]}

/خ65


[18349]:في أ: "الأولتين".
[18350]:في أ: "جريج".
[18351]:في ت: "الأيكة".
[18352]:رواه أحمد في مسنده (5/119) من طريق أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، رضي الله عنهما.
[18353]:في ت: "اتخذت" وهو خطأ.
[18354]:في ت: "يعمل مجانا".