فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

{ فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } قيل : هي أيلة ؛ وقيل : أنطاكية ؛ وقيل : برقة ؛ وقيل : قرية من قرى أذربيجان ؛ وقيل : قرية من قرى الروم { استطعما أَهْلَهَا } هذه الجملة في محل الجر على أنها صفة لقرية ، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد ، أو لكراهة اجتماع الضميرين في هذه الكلمة لما فيه من الكلفة ، أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم { فَأَبَوْا أَن يُضَيّفُوهُمَا } أي : أبوا أن يعطوهما ما هو حق واجب عليهم من ضيافتهما ، فمن استدل بهذه الآية على جواز السؤال وحلّ الكدية فقد أخطأ خطأً بيناً ، ومن ذلك قول بعض الأدباء الذين يسألون الناس :

فإن رددت فما في الرد منقصة *** عليّ قد ردّ موسى قبل والخضر

وقد ثبت في السنّة تحريم السؤال بما لا يمكن دفعه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة { فَوَجَدَا فِيهَا } أي : في القرية { جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } إسناد الإرادة إلى الجدار مجاز . قال الزجاج : الجدار لا يريد إرادة حقيقية إلا أن هيئة السقوط قد ظهرت فيه كما تظهر أفعال المريدين القاصدين فوصف بالإرادة ، ومنه قول الراعي :

في مهمه فلقت به هاماتها *** فلق الفؤوس إذا أردن نصولا

ومعنى الانقضاض : السقوط بسرعة ، يقال : انقضّ الحائط إذا وقع ، وانقض الطائر إذا هوى من طيرانه فسقط على شيء ، ومعنى { فأقامه } : فسوّاه ، لأنه وجده مائلاً فردّه كما كان ؛ وقيل : نقضه وبناه ؛ وقيل : أقامه بعمود .

وقد تقدّم في الحديث الصحيح أنه مسحه بيده { قَالَ } موسى { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : على إقامته وإصلاحه ، تحريضاً من موسى للخضر على أخذ الأجر . قال الفراء : معناه لو شئت لم تقمه حتى يقرونا فهو الأجر ، قرأ أبو عمرو ، ويعقوب ، وابن كثير ، وابن محيصن ، واليزيدي ، والحسن ( لتخذت ) يقال : تخذ فلان يتخذ تخذاً مثل : اتخذ . وقرأ الباقون { لاتخذت } .

/خ82