الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

{ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ } قال ابن عباس : يعني أنطاكية . وقال ابن سيرين : أيلة ، وهي أبعد أرض الله من السّماء { اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } ، أي ينزّلوهما منزلة الأضياف ؛ وذلك أنهما استطعماهم فلم يطعموهما ، واستضافاهم فلم يضيفوهما . [ أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سلمان عن يحيى بن قيس عن أبي إسحاق عن ] سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبّي بن كعب أنه سمع

" رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } قال : كانوا أهل قرية لئاماً " .

وقال قتادة في هذه الآية : شر القرى التي لا تُضيف الضيف ، ولا تعرف لابن السبيل حقّه .

{ فَوَجَدَا فِيهَا } ، أي في القرية { جِدَاراً } ، قال وهب : كان جداراً طوله في السماء مئة ذراع ، { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } هذا من مجاز الكلام ، لأن الجدار لا إرادة له ، وإنما معناه : قرب ودنا من ذلك ، كقول الله تعالى :

{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [ مريم : 90 ] . قال ذو الرمّة :قد كاد أو [ قد ] هم بالبيود

وقال بعضهم : إنما رجع إلى صاحبه ، لأن هذه الحالة إذا كانت من ربّه فهو إرادته ، كقول الله تعالى :

{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ } [ الأعراف : 154 ] وإنما يسكت صاحبه . وقال :

{ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ } [ محمد : 21 ] وإنما يعزم أهله . قال الحارثي :

يريد الرمح صدر أبي براء *** ويرغب عن دماء بني عقيل

وقال عقيل :

إنّ دهراً يلف شمل سليمى *** لزمان يهّم بالإحسان

{ أَن يَنقَضَّ } ، أي يسقط وينهدم ، ومنه انقضاض الكواكب ، وهو سقوطها وزوالها عن أماكنها . وقرأ يحيى بن عمر : ( يريد أن ينقاض ) أي ينقلع وينصدع ، يقال : انقاضّت السنّ : انصدعت من أصلها . وقال بعض الكوفيين : الانقياض : الشق طولاً ، يقال : انقاض الحائط والسن وطيّ البئر ، إذا انشقت طولاً . { فَأَقَامَهُ } : سوّاه . قال ابن عباس : هدمه ثمّ قعد يبنيه . وقال سعيد بن جبير : مسح الجدار ودفعه بيده ، فاستقام . قال موسى : { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ } ، وقرأ أبو عمرو : ( لتَخذت ) وهما لغتان مثل قولك : ( اتّبع ) و( تبِع ) ، و( اتّقى ) و( تقى ) ، قال الشاعر :

وقد تخدت رحلي إلى جنب غرزها *** نسيفاً كأفحوص القطاة المطرّق

وأنشد الزجاج في قوله : ( لتخذت ) قول أبي شمام الصبابي :

تخذوا الحديد من الحديد معاولاً *** سكانها الأرواح والأجساد

{ عَلَيْهِ } ، أي على إصلاحه وإقامته { أَجْراً } ، أي جَعْلاً وأُجرة . وقيل : قرىً وضيافة .