ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة ، والأعمال الظاهرة ، لتضمن التقوى لذلك فقال : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } حقيقة الإيمان : هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل ، المتضمن لانقياد الجوارح ، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس ، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر . إنما الشأن في الإيمان بالغيب ، الذي لم نره ولم نشاهده ، وإنما نؤمن به ، لخبر الله وخبر رسوله . فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر ، لأنه تصديق مجرد لله ورسله . فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ، أو أخبر به رسوله ، سواء شاهده ، أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله ، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه . بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية ، لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم ، ومرجت أحلامهم . وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله .
ويدخل في الإيمان بالغيب ، [ الإيمان ب ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة ، وأحوال الآخرة ، وحقائق أوصاف الله وكيفيتها ، [ وما أخبرت به الرسل من ذلك ] فيؤمنون بصفات الله ووجودها ، ويتيقنونها ، وإن لم يفهموا كيفيتها .
ثم قال : { وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } لم يقل : يفعلون الصلاة ، أو يأتون بالصلاة ، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة . فإقامة الصلاة ، إقامتها ظاهرا ، بإتمام أركانها ، وواجباتها ، وشروطها . وإقامتها باطنا{[32]} بإقامة روحها ، وهو حضور القلب فيها ، وتدبر ما يقوله ويفعله منها ، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها : { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } وهي التي يترتب عليها الثواب . فلا ثواب للإنسان{[33]} من صلاته ، إلا ما عقل منها ، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها .
ثم قال : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة ، والنفقة على الزوجات والأقارب ، والمماليك ونحو ذلك . والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير . ولم يذكر المنفق عليهم ، لكثرة أسبابه وتنوع أهله ، ولأن النفقة من حيث هي ، قربة إلى الله ، وأتى ب " من " الدالة على التبعيض ، لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم ، غير ضار لهم ولا مثقل ، بل ينتفعون هم بإنفاقه ، وينتفع به إخوانهم .
وفي قوله : { رَزَقْنَاهُمْ } إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ، ليست حاصلة بقوتكم وملككم ، وإنما هي رزق الله الذي خولكم ، وأنعم به عليكم ، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده ، فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم ، وواسوا إخوانكم المعدمين .
وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن ، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود ، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده ، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود ، وسعيه في نفع الخلق ، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه ، فلا إخلاص ولا إحسان .
ثم فصل القرآن بعد ذلك أوصاف المتقين ، ومدحهم بجملة من المناقب الحميدة ، فقال : { الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب } أي : يصدقون بما غاب عن حواسهم ، كالصانع وصفاته ، وكاليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب .
والإيمان لغة التصديق والإذعان ، وهو إفعال من الأمن . وشرعاً التصديق بما علم بالضرورة أنه من الدين ، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . . . الخ ، وعدى { يُؤْمِنُونَ } بالباء لتضمينه معنى أقر واعترف .
والغيب : مصدر غاب يغيب ، وكثيراً ما يستعمل بمعنى الغائب ، وهو الظاهر من هذه الآية الكريمة . ومعناه : ما لا تدركه الحواس ، ولا يعلم ببداهة العقل . قال بعض العلماء : وخص بالذكر الإيمان بالغيب دون غيره من متعلقات الإيمان ، لأن الإيمان بالغيب هو الأصل في اعتقاد إمكان ما لا تخبر به الرسل عن وجود الله والعالم العلوى ، فإذا آمن به المرء وتصدى لسماع دعوة الرسول وللنظر فيما يبلغه عن الله - تعالى - فسهل عليه إدراك الأدلة ، وأما من يعتقد أنه ليس من وراء عالم الماديات عالم آخر ، فقد راض نفسه على الإعراض عن الدعوة ، كما هو حال الماديين الذين يقولون : " ما يهلكنا إلا الدهر :
والإيمان بالغيب : يستلزم التصديق به على وجه الجزم ، وهو لا يحصل إلا عن دليل .
ولا شك أن قيام البراهين على صدق من أخبر بالغيب يجعل المؤمن بهذا الغيب مصدقاً عن دليل ، فنحن لا نحتاج في الإيمان بالملائكة والكتب السماوية السابقة ، والرسل الذين أرسلوا من قبل ، والبعث وما فيه من ثواب وعقاب ، لا نحتاج في الإيمان بكل ذلك إلى دليل زائد على الأدلة التي قامت على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
والإيمان بالغيب دليل على اتساع العقول ، وسلامة القلوب ، إذ أن معنى الإيمان بالغيب هو أن عقولهم قد سلم إدراكها ، وتقشعت عنها غشاواتها ، وامتد نظرها في الكائنات فأدركت أن لها مبدعاً حكيماً وخالقاً قديراً ، جعلها تسير بنظام محكم ، فهذه كواكب تظهر وتغيب ، وسماء مرفوعة بغير عمد ، وأرض راسية لا تميد ولا تضطرب . . . { صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } فكان من ذلك لتلك العقول براهين قاطعة على وجود خالق مدبر ، وحكيم قدير ، ومبدع لا تأخذه سنة ولا نوم .
والإيمان بالغيب الذي أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقوى ويعظم كلما قوى الإيمان في القلوب ، واستولى الصفاء على النفوس ، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالغيب في أحاديث متعددة ، منها ما جاء عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز قال : قلت لابن جمعة : حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم أحدثك حديثاً . تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال : " يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك .
قال : نعم ، قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " . قال ابن كثير : فقد مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجراً من هذه الحيثية لا مطلقاً .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم عن بديلة بنت أسلم قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، واستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ، ثم جاء من يخبرنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت ، فتحول الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أولئك قوم آمنوا بالغيب " تلك أول صفة نتيجة التقوى وهي الإيمان بالغيب ، أما الصفة الثانية التي مدح الله بها المتقين فهي قوله - تعالى - : { وَيُقِيمُونَ الصلاة } . الصلاة في اللغة الدعاء ، من صلى يصلى إذا دعا ، واستعملها الشارع في العبادة ذات الركوع والسجود لاشتمالها على الدعاء ، والإقامة في الأصل : الدوام والثبات ، من قولك : قام الحق أي : ظهر وثبت . ومعنى { وَيُقِيمُونَ الصلاة } : يؤدونها في أوقاتها المقدرة لها ، مع تعديل أركانها ، وإيقاعها مستوفية لواجباتها وسننها وآدابها وخشوعها ، فإن الصلاة المقامة بحق هي تلك التي يصحبها الإخلاص ، واستحضار جلال الله في الركوع والسجود ، وهي التي تترتب عليها الآثار العظيمة من تزكية النفس ، وعفافها ، وتركها لكل الشرور والآثام ، كما قال - تعالى - { إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر } وقدم الإيمان بالغيب على إقامة الصلاة تعظيماً لعمل القلب ، واعتداداً بشرطية الإيمان في صحة أعمال الجوارح .
وقدم إقامة الصلاة على الإنفاق ، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولأنها تتكرر في اليوم خمس مرات ، ولأنها صلة بين العبد وربه ، والإنفاق صلته بالناس ، ولأن مشروعيتها كانت سابقة على مشروعية الزكاة . أما الصفة الثالثة التي مدح الله بها المتقين فهي قوله - تعالى - : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } . أي : ومما أعطيناهم وملكناهم يتصدقون في وجوه الخير ، ويمدون أيديهم بالإحسان إلى الفقير والمسكين .
والرزق عند جمهور العلماء ما صلح للانتفاع به حلالا كان أو حراماً ، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن الحرام ليس برزق . والإنفاق : إخراج المال وإنفاده وصرفه ، يقال : نفق - كفرح ونصر - نفد وفني أو قلّ . وأنفق ماله أنفده ، وأصل المادة يدل على الخروج والذهاب ، ومنه : نافق فلان ، والنافقاء ، والنفق . وقال " ينفقون " ولم يقل أنفقوا ، ليشعر بأن الإنفاق منهم يتجدد بين وقت وآخر . ولم يحدد وجوه الإنفاق بل تركها مطلقة لتشمل الفرض والواجب وغيرهما من وجوه الإحسان .
وإيراد " من " في قوله تعالى - { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ } للإشارة إلى أن مواظبتهم على إنفاق أموالهم بين الحين والحين ، كفيل بتوصيلهم إلى زمرة المهتدين المفلحين ، وللإشعار بأنهم ينفقون بعض أموالهم مبتعدين عن الإسراف والتبذير حتى لا يتركوا ورثتهم عالة يتكففون وجوه الناس .
هذا ، وقد عنى القرآن الكريم عناية فائقة بالحض على الإنفاق في وجوه الخير ، ومدح الذين يفعلون ذلك مدحاً عظيماً في عشرات الآيات ، وذلك لأن الأمة التي يكثر فيها المنفقون لأموالهم في وجوه الخير ، لا بد أن تعز كلمتها ، وتسلم من كوارث شتى ، كالجهل ، والفقر ، والمرض .
فببذل المال تسد حاجات البؤساء ، وتشاد معاهد التعليم ، وتقام وسائل حفظ الصحة ، وتنمو المحبة والمودة بين الأغنياء والفقراء . قال تعالى : { مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
ثم يأخذ السياق في بيان صفة المتقين ؛ وهي صفة السابقين من المؤمنين في المدينة كما أنها صفة الخلص من مؤمني هذه الأمة في كل حين :
( الذين يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، وبالآخرة هم يوقنون ) . .
إن السمة الأولى للمتقين هي الوحدة الشعورية الإيجابية الفعالة . الوحدة التي تجمع في نفوسهم بين الإيمان بالغيب ، والقيام بالفرائض ، والإيمان بالرسل كافة ، واليقين بعد ذلك بالآخرة . . هذا التكامل الذي تمتاز به العقيدة الإسلامية ، وتمتاز به النفس المؤمنة بهذه العقيدة ، والجدير بأن تكون عليه العقيدة الأخيرة التي جاءت ليلتقي عليها الناس جميعا ، ولتهيمن على البشرية جميعا ، وليعيش الناس في ظلالها بمشاعرهم وبمنهج حياتهم حياة متكاملة ، شاملة للشعور والعمل ، والإيمان والنظام .
فإذا نحن أخذنا في تفصيل هذه السمة الأولى للمتقين إلى مفرداتها التي تتألف منها ، انكشفت لنا هذه المفردات عن قيم أساسية في حياة البشرية جميعا . .
( الذين يؤمنون بالغيب ) . . فلا تقوم حواجز الحس دون الاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها ، وصدر عنها هذا الوجود ؛ ولا تقوم حواجز الحس بين أرواحهم وسائر ما وراء الحس من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات .
والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان ، فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه ، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس - أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس - وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي ، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود ، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير . كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض ؛ فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ؛ ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه ، ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود ، وأن وراء الكون ظاهره وخافيه ، حقيقة أكبر من الكون ، هي التي صدر عنها ، واستمد من وجودها وجوده . . حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بها العقول .
وعندئذ تصان الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له ، وما لم توهب القدرة للإحاطة به ، وما لا يجدي شيئا أن تنفق فيه . إن الطاقة الفكرية التي وهبها الإنسان ، وهبها ليقوم بالخلافة في هذه الأرض ، فهي موكلة بهذه الحياة الواقعة القريبة ، تنظر فيها ، وتتعمقها وتتقصاها ، وتعمل وتنتج ، وتنمي هذه الحياة وتجملها ، على أن يكون لها سند من تلك الطاقة الروحية التي تتصل مباشرة بالوجود كله وخالق الوجود ، وعلى أن تدع للمجهول حصته في الغيب الذي لا تحيط به العقول . فأما محاولة إدراك ما وراء الواقع بالعقل المحدود الطاقة بحدود هذه الأرض والحياة عليها ، دون سند من الروح الملهم والبصيرة المفتوحة ، وترك حصة للغيب لا ترتادها العقول . . فأما هذه المحاولة فهي محاولة فاشلة أولا ، ومحاولة عابثة أخيرا . فاشلة لأنها تستخدم أداة لم تخلق لرصد هذا المجال . وعابثة لأنها تبدد طاقة العقل التي لم تخلق لمثل هذا المجال . . ومتى سلم العقل البشري بالبديهية العقلية الأولى ، وهي أن المحدود لا يدرك المطلق ، لزمه - احتراما لمنطقه ذاته - أن يسلم بأن إدراكه للمطلق مستحيل ؛ وإن عدم إدراكه للمجهول لا ينفي وجوده في ضمير الغيب المكنون ؛ وأن عليه أن يكل الغيب إلى طاقة أخرى غير طاقة العقل ؛ وأن يتلقى العلم في شأنه من العليم الخبير الذي يحيط بالظاهر والباطن ، والغيب والشهادة . . وهذا الاحترام لمنطق العقل في هذا الشأن هو الذي يتحلى به المؤمنون ، وهو الصفة الأولى من صفات المتقين .
لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمة . ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان ، كجماعة الماديين في كل زمان ، يريدون أن يعودوا بالإنسان القهقري . . إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس ! ويسمون هذا " تقدمية " وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها ، فجعل صفتهم المميزة ، صفة : ( الذين يؤمنون بالغيب ) والحمد لله على نعمائه ، والنكسة للمنتكسين والمرتكسين !
( ويقيمون الصلاة ) . . فيتجهون بالعبادة لله وحده ، ويرتفعون بهذا عن عبادة العباد ، وعبادة الأشياء . يتجهون إلى القوة المطلقة بغير حدود ويحنون جباههم لله لا للعبيد ؛ والقلب الذي يسجد لله حقا ، ويتصل به على مدار الليل والنهار ، يستشعر أنه موصول السبب بواجب الوجود ، ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض ، ويحس أنه أقوى من المخاليق لأنه موصول بخالق المخاليق . . وهذا كله مصدر قوة للضمير ، كما أنه مصدر تحرج وتقوى ، وعامل هام من عوامل تربية الشخصية ، وجعلها ربانية التصور ، ربانية الشعور ، ربانية السلوك .
( ومما رزقناهم ينفقون ) . . فهم يعترفون ابتداء بأن المال الذي في أيديهم هو من رزق الله لهم ، لا من خلق أنفسهم ؛ ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق ينبثق البر بضعاف الخلق ، والتضامن بين عيال الخالق ، والشعور بالآصرة الإنسانية ، وبالأخوة البشرية . . وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح ، وتزكيتها بالبر . وقيمتها أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن ، وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر ، وتشعرهم أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس ، لا بين أظفار ومخالب ونيوب !
والإنفاق يشمل الزكاة والصدقة ، وسائر ما ينفق في وجوه البر . وقد شرع الإنفاق قبل أن تشرع الزكاة ، لأنه الأصل الشامل الذي تخصصه نصوص الزكاة ولا تستوعبه . وقد ورد في حديث رسول الله [ ص ] بإسناده لفاطمة بنت قيس " إن في المال حقا سوى الزكاة " . . وتقرير المبدأ على شموله هو المقصود في هذا النص السابق على فريضة الزكاة
{ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( الّذينَ يُؤْمنُونَ ) قال : يصدقون .
حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يُؤْمِنُونَ يصدّقون .
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : يُؤْمِنُونَ يخشون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، قال : قال الزهري : الإيمان : العمل .
وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن العلاء ابن المسيب بن رافع ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، قال : الإيمان : التصديق .
ومعنى الإيمان عند العرب : التصديق ، فيُدْعَى المصدّق بالشيء قولاً مؤمنا به ، ويُدْعَى المصدّق قوله بفعله مؤمنا . ومن ذلك قول الله جل ثناؤه : ( وَما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صَادِقِينَ ) يعني : وما أنت بمصدق لنا في قولنا . وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل . والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله ، وتصديق الإقرار بالفعل . وإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الآية وأشبه بصفة القوم : أن يكونوا موصوفين بالتصديق بالغيب ، قولاً ، واعتقادا ، وعملاً ، إذ كان جل ثناؤه لم يحصرهم من معنى الإيمان على معنى دون معنى ، بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيء من معانيه أخرجه من صفتهم بخبر ولا عقل .
القول في تأويل قوله تعالى : بالغَيْبِ .
حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : بالغيب قال : بما جاء منه ، يعني من الله جل ثناؤه .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي : بالغيب أما الغيب : فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار ، وما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن . لم يكن تصديقهم بذلك يعني المؤمنين من العرب من قِبَلِ أصل كتاب أو علم كان عندهم .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان عن عاصم ، عن زر ، قال : الغيب : القرآن .
حدثنا بشر بن معاذ العقدي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة في قوله : ( الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغَيْب ) قال : آمنوا بالجنة والنار والبعث بعد الموت وبيوم القيامة ، وكل هذا غيب .
حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : ( الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ ) : آمنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الاَخر وجنته وناره ولقائه ، وآمنوا بالحياة بعد الموت ، فهذا كله غيب . وأصل الغيب : كل ما غاب عنك من شيء ، وهو من قولك : غاب فلان يغيب غيبا .
وقد اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أنزل الله جل ثناؤه هاتين الاَيتين من أول هذه السورة فيهم ، وفي نعتهم وصفتهم التي وصفهم بها من إيمانهم بالغيب ، وسائر المعاني التي حوتها الاَيتان من صفاتهم غيره . فقال بعضهم : هم مؤمنو العرب خاصة ، دون غيرهم من مؤمني أهل الكتاب . واستدلوا على صحة قولهم ذلك وحقيقة تأويلهم بالآية التي تتلو هاتين الاَيتين ، وهو قول الله عز وجل : { وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } . قالوا : فلم يكن للعرب كتاب قبل الكتاب الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم تدين بتصديقه والإقرار والعمل به ، وإنما كان الكتاب لأهل الكتابين غيرها . قالوا : فلما قص الله عز وجل نبأ الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد وما أنزل من قبله بعد اقتصاصه نبأ المؤمنين بالغيب ، علمنا أن كل صنف منهم غير الصنف الاَخر ، وأن المؤْمنين بالغيب نوع غير النوع المصدّق بالكتابين اللذين أحدهما منزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والاَخر منهما على من قبله من رسل الله تعالى ذكره . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا من أن تأويل قول الله تعالى : { الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ } إنما هم الذين يؤمنون بما غاب عنهم من الجنة والنار والثواب والعقاب والبعث ، والتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما كانت العرب لا تدين به في جاهليتها ، بما أوجب الله جل ثناؤه على عباده الدينونة به دون غيرهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب ، { وَيقِيمُونَ الصلاةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } أما الغيب : فما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار ، وما ذكر الله في القرآن . لم يكن تصديقهم بذلك من قِبَلِ أصلِ كتابٍ أو علم كان عندهم . { وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب .
وقال بعضهم : بل نزلت هذه الاَيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصة ، لإيمانهم بالقرآن عند إخبار الله جل ثناؤه إياهم فيه عن الغيوب التي كانوا يخفونها بينهم ويسرّونها ، فعلموا عند إظهار الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك منهم في تنزيله أنه من عند الله جل وعز ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا بالقرآن وما فيه من الإخبار عن الغيوب التي لا علم لهم بها لما استقرّ عندهم بالحجة التي احتجّ الله تبارك وتعالى بها عليهم في كتابه ، من الإخبار فيه عما كانوا يكتمونه من ضمائرهم أن جميع ذلك من عند الله .
وقال بعضهم : بل الاَيات الأربع من أول هذه السورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم بوصف جميع المؤمنين الذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابين و سواهم ، وإنما هذه صفة صنف من الناس ، والمؤمن بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله هو المؤمن بالغيب . قالوا : وإنما وصفهم الله بالإيمان بما أنزل إلى محمد وبما أنزل إلى من قبله بعد تَقَضّي وصفه إياهم بالإيمان بالغيب لأن وصفه إياهم بما وصفهم به من الإيمان بالغيب كان معنيا به أنهم يؤمنون بالجنة والنار والبعث ، وسائر الأمور التي كلفهم الله جل ثناؤه بالإيمان بها مما لم يروه ولم يأت بَعْدُ مما هو آت ، دون الإخبار عنهم أنهم يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل والكتب . قالوا : فلما كان معنى قوله : { وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } غير موجود في قوله : ( الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ) كانت الحاجة من العباد إلى معرفة صفتهم بذلك ليعرفوهم نظير حاجتهم إلى معرفتهم بالصفة التي وصفوا بها من إيمانهم بالغيب ليعلموا ما يرضي الله من أفعال عباده ، ويحبه من صفاتهم ، فيكونوا به إن وفقهم له ربهم . مؤمنين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو بن العباس الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم الضحاك ابن مخلد ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون المكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد بمثله .
وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال حدثنا موسى بن مسعود ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع بن أنس ، قال : أربع آيات من فاتحة هذه السورة يعني سورة البقرة في الذين آمنوا ، وآيتان في قادة الأحزاب .
وأولى القولين عندي بالصواب وأشبههما بتأويل الكتاب ، القول الأول ، وهو : أن الذين وصفهم الله تعالى ذكره بالإيمان بالغيب ، وما وصفهم به جل ثناؤه في الاَيتين الأوّلَتين غير الذين وصفهم بالإيمان بالذي أنزل على محمد والذي أنزل إلى من قبله من الرسل لما ذكرت من العلل قبل لمن قال ذلك ، ومما يدل أيضا مع ذلك على صحة هذا القول إنه جَنّسَ بعد وصف المؤمنين بالصفتين اللتين وصف ، وبعد تصنيفه كل صنف منهما على ما صنف الكفار جِنْسَين ، فجعل أحدهما مطبوعا على قلبه مختوما عليه مأيوسا من إيمانه ، والاَخر منافقا يرائي بإظهار الإيمان في الظاهر ، ويستسرّ النفاق في الباطن ، فصير الكفار جنسين كما صير المؤمنين في أول السورة جنسين . ثم عرّف عباده نعت كل صنف منهم وصفتهم وما أعدّ لكل فريق منهم من ثواب أو عقاب ، وذمّ أهل الذمّ منهم ، وشكر سعي أهل الطاعة منهم . القول في تأويل قوله تعالى : { ويُقِيمُونَ } .
إقامتها : أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فُرضت عليه ، كما يقال : أقام القوم سوقهم ، إذا لم يعطلوها من البيع والشراء فيها ، وكما قال الشاعر :
أقَمْنا لأِهْلِ العِرَاقَيْنِ سُوقَ الضِْ *** رابِ فخَاموا ووَلّوْا جَمِيعَا
وكما حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ ) قال : الذين يقيمون الصلاة بفروضها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمار ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ ) قال : إقامة الصلاة : تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : { الصّلاةَ } .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر عن الضحاك في قوله : ( الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاةَ ) يعني الصلاة المفروضة .
وأما الصلاة في كلام العرب فإنها الدعاء كما قال الأعشى :
لَهَا حَارِسٌ لا يَبْرَحُ الدّهْرَ بَيْتَهَا *** وَإنْ ذُبِحَتْ صَلّى عَلَيْهَا وَزَمْزَما
يعني بذلك : دعا لها ، وكقول الاَخر أيضا :
وَقابَلَها الرّيحَ في دَنّها *** وَصَلّى على دَنّها وَارْتَسَمَ
وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة لأن المصلي متعرّض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه فيها من حاجاته تعرض الداعي بدعائه ربه استنجاح حاجاته وسؤله .
القول في تأويل قوله تعالى : { ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } .
اختلف المفسرون في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بما :
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ومِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) قال : يؤتون الزكاة احتسابا بها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقوُنَ ) قال : زكاة أموالهم .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك : ( وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) قال : كانت النفقات قربات يتقرّبون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات في سورة براءة ، مما يذكر فيهن الصدقات ، هن المثبتات الناسخات .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( وممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) هي نفقة الرجل على أهله ، وهذا قبل أن تنزل الزكاة .
وأولى التأويلات بالآية وأحقها بصفة القوم أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم ، مؤدين زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم ، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك لأن الله جل ثناؤه عمّ وصفهم ، إذ وصفهم بالإنفاق مما رزقهم ، فمدحهم بذلك من صفتهم ، فكان معلوما أنه إذ لم يخصص مدحهم ووصفهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبها دون نوع بخبر ولا غيره أنهم موصوفون بجميع معاني النفقات المحمود عليها صاحبها من طيب ما رزقهم ربهم من أموالهم وأملاكهم ، وذلك الحلال منه الذي لم يشبه حرام .