غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (3)

1

البحث الخامس في قوله تعالى { الذين يؤمنون بالغيب } . الآية وفيه مسائل :

الأولى : { الذين يؤمنون } إما موصول بالمتقين صفة ، أو نصب على المدح ، أو رفع كذلك بتقدير أعني الذين ، أو هم الذين ، أو مرفوع بالابتداء مخبر عنه { بأولئك على هدى } .

الثانية : { الذين يؤمنون } على تقدير كونه صفة يكون إما وارداً بياناً وكشفاً وذلك إذا فسر المتقي بأنه الذي يفعل الحسنات ويجتنب السيئات ، لأن الإيمان أساس الحسنات والصلاة أم العبادات البدنية قال صلى الله عليه وسلم : " الصلاة عمادة الدين " " وبين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " والزكاة أفضل العبادات المالية قال صلى الله عليه وسلم : " الزكاة قنطرة الإسلام " فاختصر الكلام اختصاراً بذكر ما هو كالعنوان لسائر الطاعات وكالأصول لبواقي الحسنات ويندرج فيها اجتناب الفواحش والمنكرات لقوله عز من قائل { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] وإما مسرودة مع المتقين مفيدة غير فائدتها وذلك إذا فسر المتقي بالمجتنب عن المعاصي فقط . ثم إنه يكون قد وصف بالإيمان وهو فعل القلب وبأداء الصلاة والزكاة وهما من أفعال الجوارح ، وهذا ترتيب مناسب لأن لوح القلب يجب تخليته عن النقوش الفاسدة أولاً ، ثم تحليته بالعقائد الحقة والأخلاق الحميدة ، وإما معدودة عداً على سبيل المدح والثناء وذلك إذا فرض المتقي موسوماً بهذه السمات ، مشهوراً بهذه الصفات ، غير محتاج لذلك إلى البيان والإيضاح كصفات الله الجارية عليه تعالى تمجيداً وتعظيماً .

الثالثة : الأيمان إفعال من الأمن . يقال : أمنته وآمنته غيري . ثم يقال : أمنه إذا صدقه . وحقيقته أمنه التكذيب . والمخالفة والتعدية بالباء لتضمينه معنى أقر واعتبر ووثق به . قال في التفسير الكبير : اختلف أهل القبلة في مسمى الإيمان على أربعة أقوال : الأول : قول المعتزلة والخوارج والزيدية وأهل الحديث أنه اسم لأفعال القلوب واللسان والجوارح ، لكن المعتزلة قالوا : الإيمان إذا عدي بالباء فمعناه التصديق على تضمين الإقرار أو الوثوق كما مر من حيث اللغة وأما إذا ذكر مطلقاً فمنقول إلى معنى آخر وهو أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله . فمن أخل بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق ، ومن أخل بالشهادة فهو كافر ، ومن أخل بالعمل فهو فاسق . ثم اختلفوا فبعضهم -كواصل بن عطاء والقاضي عبد الجبار- قالوا : الإيمان عبارة عن فعل كل الطاعات سواء كانت واجبة أو مندوبة ، أو من باب الأقوال أو الأفعال أو الاعتقادات . وبعضهم -كأبي علي وأبي هاشم- إنه عبارة عن فعل الواجبات فقط دون النوافل ، وبعضهم -كالنظام- إنه عبارة عن اجتناب كل ما جاء فيه الوعيد . ثم يحتمل أن يكون من الكبائر ما لم يرد فيه الوعيد ، فالمؤمن عند الله من اجتنب كل الكبائر ، والمؤمن عندنا من اجتنب كل ما ورد فيه الوعيد . والخوارج قالوا : الإيمان بالله يتناول المعرفة بالله وبكل ما وضع الله عليه دليلاً عقلياً أو نقلياً من الكتاب والسنة ، ويتناول طاعة الله في جميع ما أمر به من الأفعال والتروك صغيراً كان أو كبيراً . فمجموع هذه الأشياء هو الإيمان وترك خصلة من هذه الخصال كفر ، وأهل الحديث ذكروا وجهين : الأول : أن المعرفة إيمان كامل وهو الأصل ثم بعد ذلك كل طاعة إيمان على حدة . وهذه الطاعات لا يكون شيء منها إيماناً إلا إذا كانت مرتبة على الأصل الذي هو المعرفة . وزعموا أن الجحود وإنكار القلب كفر ، ثم كل معصية بعده كفر على حدة ، ولم يجعلوا شيئاً من الطاعات إيماناً ما لم توجد المعرفة والإقرار ، ولا شيئاً من المعاصي كفراً ما لم يوجد الجحود والإنكار . الثاني : أن الإيمان اسم للطاعات كلها فريضة أو نافلة إلا أنه إذا ترك فريضة انتقض إيمانه ، وإن ترك نافلة لم ينتقض . ومنهم من قال : الإيمان اسم للفرائض دون النوافل . ( القول الثاني ) : قول من قال الإيمان بالقلب واللسان معاً . ثم اختلفوا على مذاهب : الأول : أن الإيمان إقرار باللسان ومعرفة بالجنان وهو مذهب أبي حنيفة وعامة الفقهاء ، ثم اختلفوا في موضعين : أحدهما في حقيقة هذه المعرفة ، فمنهم من قال : هي الاعتقاد الجازم سواء كان اعتقاداً تقليدياً أو علماً صادراً عن الدليل وهم الأكثرون الذين يحكمون بأن المقلد مسلم ، ومنهم من فسرها بالعلم الصادر عن الاستدلال . وثانيهما في أن العلم المعتبر في تحقق الإيمان علم بماذا ؟ قال بعض المتكلمين : هو العلم بالله وبصفاته على سبيل التمام والكمال ، ثم إنه لما كثر اختلاف الخلق في صفات الله تعالى فلا جرم أقدم كل طائفة على تكفير من عداها من الطوائف ، والإنصاف أن المعتبر هو العلم بكل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا العلم بكونه تعالى عالماً بالعلم أو بذاته أو مرئياً وغير مرئي لا يكون داخلاً في مسمى الإيمان . والمذهب الثاني : أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معاً وهو مذهب أبي الحسن الأشعري وبشر المريسي ، والمراد من التصديق الكلام القائم بالنفس . المذهب الثالث : كلام بعض الصوفية الإيمان إقرار باللسان وإخلاص بالقلب . ( القول الثالث ) : قول من قال الإيمان عبارة عن عمل القلب فقط ، فمن هؤلاء من قال : الإيمان معرفة الله بالقلب حتى إن من عرف الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقر به فهو مؤمن كامل الإيمان وهو قول جهم بن صفوان ، وزعم أن معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر غير داخلة في حقيقة الإيمان . وحكى الكعبي عنه أن الإيمان معرفة الله مع معرفة كل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم . ومنهم من قال : الإيمان مجرد التصديق بالقلب . ( القول الرابع ) : قول من قال الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ، ثم منهم من قال : شرط كونه إيماناً حصول المعرفة في القلب . ومنهم من قال : لا حاجة بنا إلى هذا الشرط أيضاً بل المنافق مؤمن الظاهر كافر السريرة يثبت له حكم المؤمنين في الدنيا وحكم الكافرين في الآخرة وهذا قول الكرامية ، ثم قال الإمام رحمه الله تعالى : عندي أن الإيمان عبارة عن التصديق بكل ما عرف بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم مع الاعتقاد فههنا قيود : الأول أن الإيمان عبارة عن التصديق ، وذلك أن الإيمان أكثر الألفاظ دوراناً على ألسنة المسلمين ، فلو صار منقولاً إلى غير مسماه الأصلي لتوفرت الدواعي على نقل هذا النقل وتواتر وليس كذلك . وأيضاً الإيمان المعدّى بالباء على أصله اتفاقاً ، فغير المعدى أيضاً يكون كذلك كلما ذكر الله تعالى الإيمان في القرآن أضافه إلى القلب { وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل : 106 ] { كتب في قلوبهم الإيمان } [ المجادلة : 22 ] { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } [ الحجرات : 14 ] وأيضاً قرن الإيمان بالعمل الصالح ، ولو كان العمل داخلاً في الإيمان لزم التكرار . وأيضاً قرن الإيمان بالمعاصي { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [ الأنعام : 83 ] { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات : 9 ]

{ والذين آمنوا ولم يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] ومع عظيم الوعيد في ترك الهجرة . قال ابن عباس في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص } [ البقرة : 178 ] إنما يجب القصاص على القاتل المتعمد ، ومع ذلك يدخل في الخطاب . ثم قال : { فمن عفى له من أخيه شيء } [ البقرة : 178 ] وهذه الأخوة ليست إلا أخوة الإيمان { إنما المؤمنون إخوة } [ الحجرات : 10 ] ثم قال : { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } [ البقرة : 178 ] وهذا لا يليق إلا بالمؤمن . القيد الثاني : أن الإيمان ليس عبارة عن تصديق اللسان لقوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين }

[ البقرة : 108 ] . القيد الثالث : ليس عبارة عن مطلق التصديق لأن من صدق بالجبت والطاغوت لا يسمى مؤمناً . القيد الرابع : لا يشترط التصديق بجميع صفات الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم " اعتقها فإنها مؤمنة " بعد قوله عليه الصلاة والسلام لها أين الله ؟ قالت : في السماء . ويعلم مما ذكرنا أن من عرف الله بالدليل ، ولما تم العرفان مات ووجد من الوقت ما أمكنه التلفظ بكلمة الشهادة لكنه لم يتلفظ بها كان مؤمناً ، وكان الامتناع عن النطق جارياً مجرى المعاصي التي يؤتى بها مع الإيمان ، وبهذا حكم الغزالي رضي الله عنه قلت : -وبالله التوفيق- : التحقيق في المقام أن للإيمان وجوداً في الأعيان ووجوداً في الأذهان ووجوداً في العبارة . ولا ريب أن الوجود العيني لكل شيء هو الأصل ، وباقي الوجودات فرع وتابع . فالوجود العيني للإيمان هو النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين الحق جل ذكره { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة : 257 ] وهذا النور قابل للقوة والضعف والاشتداد والنقص كسائر الأنوار { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً }

[ الأنفال : 2 ] كلما ارتفع حجاب ازداد نوراً فيتقوى الإيمان ويتكامل إلى أن ينبسط نوره فينشرح الصدر ويطلع على حقائق الأشياء وتتجلى له الغيوب وغيوب الغيوب فيعرف كل شيء في موضعه ، فيظهر له صدق الأنبياء عليهم السلام ولاسيما محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين في جميع ما أخبروا عنه إجمالاً أو تفصيلاً على حسب نوره ، وبمقدار انشراح صدره ، وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور والاجتناب عن كل محظور ، فينضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة والملكات الحميدة { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } [ التحريم : 8 ] { نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء } [ النور : 35 ] وأما الوجود الذهني فبملاحظة المؤمن لهذا النور ومطالعته له ولمواقعه ، وأما الوجود اللفظي فخلاصته ما اصطلح عليه الشارع بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يخفى أن مجرد التلفظ بقولنا " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غير النور المذكور لا يفيد إلا كما يفيد للعطشان التلفظ بالماء الزلال دون التروي به ، إلا أن التعبير عما في الضمير لما لم يتيسر إلا بواسطة النطق المفصح عن كل خفي والمعرب عن كل مشتبه ، كان للتلفظ بكلمة الشهادة ولعدم التلفظ بها مدخل عظيم في الحكم بإيمان المرء وكفره ، فصح جعل ذلك وما ينخرط في سلكه من العلامات ، كعدم لبس الغيار وشد الزنار دليلاً عليهما ، وتفويض أمر الباطن إلى عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . الرابعة : يجوز أن يكون بالغيب صلة للإيمان أي يعترفون أو يثقون به ، وعلى هذا يكون الغيب بمعنى الغائب ما تسمية بالمصدر كما سمى الشاهد بالشهادة قال الله تعالى : { عالم الغيب والشهادة } [ الرعد : 9 ؛ المؤمنون : 92 ؛ التغابن : 18 ] والعرب تسمي المطئمن من الأرض غيباً ، وإما أن يكون مخفف فيعل والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير ، وإنما نعلم منه نحن ما أعلمناه أو نصب لنا دليل عليه ، ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال : فلان يعلم الغيب ، وذلك نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد وغير ذلك . ويجوز أن يكون بالغيب حالاً ، والغيب بمعنى الغيبة والخفاء أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته متلبسين بالغيب نحو

{ الذين يخشون ربهم بالغيب } [ الأنبياء : 49 ] { ليعلم أني لم أخنه بالغيب } [ يوسف : 52 ] وفيه تعريض بالمنافقين حيث إن باطنهم يخالف ظاهرهم وغيبتهم تباين حضورهم

{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } [ البقرة : 14 ] وقال بعض الشيعة : المراد بالغيب المهدي المنتظر الذي وعد الله في القرآن . وورد في الخبر { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض } [ النور : 55 ] " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أمتي يواطئ اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً " . الخامسة : معنى إقامة الصلاة أحد ثلاثة أشياء : إما تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها من أقام العود إذا قومه ، وإما الدوام عليها والمحافظة { والذين هم على صلاتهم دائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون } [ المعارج : 23 ، 24 ] من قامت السوق إذا نفقت وأقامها . قال الأسدي : أقامت غزالة سوق الضراب . لأهل العراقين حولاً قميطاً . غزالة اسم امرأة شبيب الخارجي ، قتله الحجاج فحاربته سنة تامة . والضراب القتال ، والعراقان الكوفة والبصرة ، وقميطاً أي كاملاً لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات ، وإما التجلد والتشمر لأدائها وأن لا يكون في مؤديها فتور عنها ولا توان من قولهم : قام في الأمر خلاف تقاعد عنه ، فعبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت ، والقنوت القيام - وبالركوع والسجود والتسبيح

{ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي } [ آل عمران : 43 ] { فلولا أنه كان من المسبحين } [ الصافات : 143 ] ولا يخفى أن إقامة الصلاة بجميع هذه المعاني تستحق المدح والثناء . السادسة : الصلاة في عرف الشرع عبارة عن إلهيات والأقوال المخصوصة التي مفتتحها التحريم ومختتمها التسليم فرضاً كانت أو نفلاً ، إلا أنه يحتمل أن يقال المراد بها في الآية الفرض لأن الفلاح قد نيط بها في قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي أفلح والله إن صدق بعد قول الأعرابي " والله لا أزيد على هذه ولا أنقص " أي على الصلوات المفروضة . واشتقاقها لغة إما من الصلاة بمعنى الدعاء قال الأعشى :

وقابلها الريح في دنها *** وصلى على دنها وارتسم

أي وضع عليها الرسم وهو الخاتم وإما من قولهم " صليت العصا بالنار " إذا لينتها وقومتها قال :

فلا تعجل بأمرك واستدمه *** فما صلي عصاك كمستديم

والمصلي يسعى في تعديل ظاهره وتقويم باطنه كالخشب الذي يعرض على النار . وإما من قولهم " صلى الفرس " إذا جاء مصلياً أي ملازماً للسابق ، لأن رأسه عند صلاه ، والصلا ما عن يمين الذنب وشماله ، والمصلي ملازم لفعله من حين شروعه إلى أوان فراغه . والصلاة اسم وضع موضع المصدر يقال : صليت صلاة ولا يقال تصلية . قال في الكشاف : الصلاة فعلة من صلى كالزكاة من زكى . وكتبها بالواو على لفظ المفخم . وحقيقة صلى حرك الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده ، ولا يخفى ما فيه من التعسف .

السابعة : الرزق لغة هو ما ينتفع به ، فيشمل الحلال والحرام والمأكول وغيره والمملوك وغيره ، والمعتزلة ومن يجري مجراهم زادوا قيداً آخر وهو أن لا يكون ممنوعاً عن الانتفاع به ، وعلى هذا لا يكون الحرام عندهم رزقاً . قال في الكشاف : إسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال المطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله تعالى ويسمى رزقاً منه . وأدخل " من " التبعيضية صيانة لهم وكفاً عن الإسراف والتبذير المنهي عنه ، وقدم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم كأنه قال : ويخصون بعض المال الحلال بالتصدق به ، والحق أن التمكين من الانتفاع بالمرزوق مسند إلى الله تعالى على الإطلاق ، إذ كل بقدرته إلا أن مذهب المعتزلة إلى الأدب أقرب ، ولاسيما في هذا المقام ليستحقوا المدح بالإنفاق منه . الثامنة : أنفق الشيء وأنفده أخوان ، وكل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج والذهاب ، وما يقرب منه ويدخل في هذا الإنفاق الواجب من الزكاة التي هي أخت الصلاة وشقيقتها ، ومن الإنفاق على النفس وعلى من تجب نفقته ، ومن الإنفاق في الجهاد . ويمكن أن يتناول كل منفق في سبيل الخير للإطلاق قال تعالى { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } [ المنافقون : 10 ] والمراد به الصدقة لقوله { فأصدّق وأكن من الصالحين } [ المنافقون : 10 ] .