النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (3)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ } فيه تأويلان :

أحدهما : يصدقون بالغيب ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : يخشون الغيب ، وهذا قول الربيع بن أنس .

وفي الأصل الإيمان ثلاثة أقوال :

أحدها : أن أصله التصديق ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا }{[25]} أي بمصدِّق لنا .

والثاني : أن أصله الأمان ، فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله ، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه .

والثالث : أن أصله الطمأنينة ، فقيل للمصدق بالخبر مؤمن ، لأنه مطمئن . وفي الإيمان ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنّ الإيمان اجتناب الكبائر .

والثاني : أن كل خصلة من الفرائض إيمان .

والثالث : أن كل طاعةٍ إيمان .

وفي الغيب ثلاثة تأويلات :

أحدها : ما جاء من عند الله ، وهو قول ابن عباس .

والثاني : أنه القرآن ، وهو قول زر بن حبيش .

والثالث : الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور .

وفي قوله تعالى : { وَيُقِيمُون الصَّلاَةَ } تأويلان :

أحدهما : يؤدونها بفروضها .

والثاني : أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها ، وهذا قول ابن عباس .

واختُلف لِمَ سُمِّي فعل الصلاة على هذا الوجه إقامةً لها ، على قولين :

أحدهما : من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه .

والثاني : أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها ، لما فيها من القيام فلذلك قيل : قد قامت الصلاة .

وفي قوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ثلاثة تأويلات :

أحدها : إيتاء الزكاة احتساباً لها ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : نفقة الرجل على أهلِهِ ، وهذا قول ابن مسعود .

والثالث : التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى ، وهذا قول الضحاك :

وأصل الإنفاق الإخراج ، ومِنْهُ قيل : نَفَقَتِ الدابة إذا خرجت رُوحها .

واختلف المفسرون ، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه ، على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم ، لأنه قال بعد هذا : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يعني به أهْلَ الكتاب ، وهذا قول ابن عباس .

والثاني : أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، لأنه ذكرهم في بعضها .

الثالث : أن الآيات الأربع من أول السورة ، نزلت في جميع المؤمنين ، وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثَلاَث عَشْرَةَ في المُنافقين .


[25]:- آية 17 من يوسف.