أخرج جرير عن قتادة { هدى للمتقين } قال : نعتهم ووصفهم بقوله { الذين يؤمنون بالغيب } الآية .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { الذين يؤمنون } قال : يصدقون { بالغيب } قال : بما جاء منه ، يعني من الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : هم المؤمنون من العرب قال : و { الإيمان } التصديق و { الغيب } ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار ، وما ذكر الله في القرآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب ، أو علم كان عندهم { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } هم المؤمنون من أهل الكتاب ، ثم جمع الفريقين فقال { أولئك على هدى } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : بالله وملائكته ، ورسله ، واليوم الآخر ، وجنته ، وناره ، ولقائه ، والحياة بعد الموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : آمنوا بالبعث بعد الموت ، والحساب ، والجنة والنار ، وصدقوا بموعود الله الذي وعد في هذا القرآن .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { الذين يؤمنون بالغيب } قال : ما غاب عنهم من أمر الجنة والنار قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول :
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت : صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحوّل الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلو البيت الحرام . فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال " أولئك قوم آمنوا بالغيب " .
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه عن الحرث بن قيس أنه قال لابن مسعود : عند الله يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ابن مسعود : عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تروه ! إن أمر محمد كان بيننا لمن رآه . والذي لا إله غيره . ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب . ثم قرأ ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ( البقرة الآية 1 - 2 ) إلى قوله ( المفلحون ) ( البقرة الآية 5 ) .
وأخرج البزار وأبو يعلى والمرهبي في فضل العلم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال : كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال " أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا ؟ قالوا : يا رسول الله الملائكة . . . ؟ قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالاته والنبوة ! قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء . . . قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة مع الأنبياء . بل غيرهم قالوا : فمن يا رسول الله ؟ ! قال : أقوام في أصلاب الرجال ، يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني ، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه ، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا .
وأخرج الحسن بن عروة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . . . قال : وما لهم لا يؤمنون ، وهم عند ربهم . قالوا : فالأنبياء . . . قال : فما لهم لا يؤمنون ، والوحي ينزل عليهم . قالوا : فنحن . . . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ، ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا ، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيه " .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " ما من ماء ما من ماء ؟ قالوا : لا . قال : فهل من شن ؟ فجاؤا بالشن ، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووضع يده عليه ثم فرق أصابعه ، فنبع الماء مثل عصا موسى من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا بلال اهتف بالناس بالوضوء ، فأقبلوا يتوضأون من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت همة ابن مسعود الشرب ، فلما توضؤا صلى بهم الصبح ، ثم قعد للناس فقال : يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . قال : كيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر ! قالوا : فالنبيون يا رسول الله . قال : وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء ! قالوا : فأصحابك يا رسول الله . فقال : وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ، ولكن أعجب الناس إيمانا ، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني " .
وأخرج الإسماعيلي في معجمه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي شيء أعجب إيمانا ؟ قيل : الملائكة . . . فقال : كيف وهم في السماء يرون من الله ما لا ترون ! قيل : فالأنبياء . . . قال : كيف وهم يأتيهم الوحي ؟ قالوا : فنحن . . . قال : كيف وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ! ولكن قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، أولئك أعجب إيمانا ، وأولئك إخواني ، وأنتم أصحابي " .
وأخرج البزار عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي الخلق أعجب إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . . قال : الملائكة . . . كيف لا يؤمنون ؟ قالوا : النبيون . . . قال : النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون ؟ ولكن أعجب الناس إيمانا ، قوم يجيئون من بعدكم ، فيجدون كتابا من الوحي ، فيؤمنون به ويتبعونه . فهؤلاء أعجب الناس إيمانا " .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ليتني قد لقيت إخواني ؟ قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك وأصحابك ؟ قال : بلى . ولكن قوما يجيئون من بعدكم ، يؤمنون بي إيمانكم ، ويصدقوني تصديقكم ، وينصروني نصركم . فيا ليتني قد لقيت إخواني " .
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليتني قد لقيت إخواني ؟ فقال له رجل من أصحابه : أولسنا إخوانك ؟ قال : بلى . أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، ثم قرأ { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } " .
وأخرج أحمد والدارمي والباوردي وابن قانع معا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال " قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا ؟ آمنا بك ، واتبعناك . قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ، يأتيكم الوحي من السماء ! بل قوم يأتون من بعدي ، يأتيهم كتاب بين لوحين ، فيؤمنون به ، ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا " .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي عمر وأحمد والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع راكبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنديان ، أو مذحجيان ، حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج . فدنا أحدهما ليبايعه ، فلما أخذ بيده قال : يا رسول الله أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك ، فماذا له ؟ قال : طوبى له ، فمسح على يده وانصرف . ثم جاء الآخر حتى أخذ على يده ليبايعه فقال : يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك ؟ قال : طوبى له . ثم طوبى له . ثم مسح على يده وانصرف " .
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات " .
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن رجلا قال : يا رسول الله طوبى لمن رآك و آمن بك . قال : طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " .
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن نافع قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم هذه ؟ قال : نعم . قال : طوبى لكم . فقال ابن عمر : ألا أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى . قال : سمعته يقول " قال طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات " .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات " .
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا " أن ناسا من أمتي يأتون بعدي ، يود أحدهم لو اِشترى رؤيتي بأهله وماله " .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن اسحق عن ابن عباس في قوله { ويقيمون الصلاة } قال : الصلوات الخمس { ومما رزقناهم ينفقون } قال : زكاة أموالهم .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويقيمون الصلاة } قال : يقيمونها بفروضها { ومما رزقناهم ينفقون } قال : يؤدون الزكاة احتسابا لها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إقامة الصلاة إتمام الركوع ، والسجود ، والتلاوة ، والخشوع ، والإقبال ، عليها فيها .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { يقيمون الصلاة } قال : إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ، ووضوئها ، وركوعها ، وسجودها { ومما رزقناهم ينفقون } قال : انفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم ، في طاعته وسبيله .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : إنما يعني الزكاة خاصة ، دون سائر النفقات . لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة ، فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة { ومما رزقناهم ينفقون } .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : هي نفقة الرجل على أهله .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : كانت النفقات قربانا يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة . هن الناسخات المبينات .