التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (3)

قوله تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب )

وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند عبد الله : إن امر محمد كان بينا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانا أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ ( الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب-إلى قوله –المفلحون ) .

( انظر تفسير ابن كثير 1/81 ) . وأخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ( انظر تفسير ابن كثير 1/81 ق ) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ( المستدرك 2/260 ) ، وأخرجه الواحدي ( الوسيط بين المقبوض والبسيط1/195 ) ، كلهم من طريق الأعمش به . وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في ( الكافي الشافي ص 4-5 ح22 ) ، البوصيري في ( المطالب العالية 3/69 ) .

قال الدارمي : أخبرنا أبو المغيرة قال : ثنا الأوزاعي ثنا أسيد بن عبد الرحمن ، عن خالد بن دريك ، عن ابن محيريز قال : قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم ، أحدثك حديثا جيدا ، تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة الجراح ، فقال : يا رسول الله ، أحد خير منا ؟ أسلمنا وجاهدنا معك ، قال : " نعم ، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " .

( سنن الدارمي 2/308 –ك الرقاق ، ب في فضل آخر هذه الأمة ) ، وأخرجه أحمد في مسنده ( 4/106 ) عن أبي المغيرة به ، والطبراني في الكبير ( 4/27 رقم 3538 ) من طريق أبي المغيرة ويحيى ابن عبد الله البابلتي كلاهما عن الأوزاعي به . ورجاله ثقات إلا انه قد اختلف في إسناده . فأخرجه أحمد في مسنده ( 4/106 ) عن أبي المغيرة أيضا به ، ولكنه قال : . . . حدثني صالح بن محمد قال حدثني أبو جمعة . . . فذكر صالح بن محمد بدل عبد الله بن محيريز . وكذا رواه الحاكم في ( المستدرك 4/85 ) من طريق أبي المغيرة بهذا الإسناد ولم يخرجاه . وأقره الذهبي . وقد ذكر الحافظ في الفتح ( 7/6 ) لفظ رواية أبي المغيرة عن الأوزاعي ، ثم قال وإسناده حسن وقد صححه الحاكم .

قال الطبري : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن عصام ، عن زر قال ( الغيب ) : القرآن .

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري به . وإسناده حسن . وعاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود معروف بالرواية عن بن حبيش وبرواية الثوري وابن عيينة عنه ( تهذيب الكمال ل 634 ) .

وقال الطبري : حدثنا بشر بن معاذ العقدي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله ( الذين يؤمنون بالغيب ) ، قال : آمنوا بالجنة والنار ، والبعث بعد الموت ، وبيوم القيامة ، وكل هذا غيب .

وإسناده حسن .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، ثنا صفوان ، ثنا الوليد ، ثنا عثمان بن الأسود ، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل ( الذين يؤمنون بالغيب ) فقال : من آمن بالغيب .

( وصفوان هو ابن صالح معروف بالرواية عن الوليد بن مسلم وبرواية أبي زرعة الرازي عنه ( انظر تهذيب الكمال ل 609 ) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح .

وقال أيضا : حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل ابن أبي خالد ( يؤمنون بالغيب ) قال : بغيب الإسلام .

وإسناده صحيح . وذكر ابن كثير هذه الأقوال ثم قال : فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به ( التفسير 1/81 ) .

قال مسلم في صحيحه : حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، حدثنا وكيع عن كهمس ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهذا حديثه : حدثنا أب ، حدثنا كهمس ، عن ابن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين ، فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد ، فاكتفنته أنا وصاحبي ، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله ، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ، فقلت : أبا عبد الرحمن . إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤن القرآن ويتقفرون العلم ، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون ان لا قدر ، وأن الأمر أنف ، قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم ، وأنهم براء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر . لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ، ثم قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد .

حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخديه ، وقال : يا محمد . أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام ان تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان . وتحج البيت ، إن استطعت إليه سبيلا " قال : صدقت ، قال فعجبنا له ، ويسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة قال : " ما لمسئول عنها بأعلم من السائل " قال : فأخبرني عن أمارتها ، قال : " أن تلد الأمة ربتها . وان ترى الحفاة العراة ، العالة ، رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان " قال ثم انطلق ، فلبث مليا ، ثم قال لي : " يا عمر . أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله اعلم ، قال : " فإنه جبريل ، أتاكم يعلمكم دينكم " .

( الصحيح –ك الإيمان ، ب لبيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم1 ) . وأخرجه البغوي من طريق يزيد بن هارون عن كهمس به ، ثم نقل عن الفراء انه قال : فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال ، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد ، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، وتصديق بالقلب ليس من الإسلام ، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شئ واحد ، وجماعها الدين ولذلك قال : " ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم امر دينكم " . ثم ساق حديثا صحيحا ليدلل على أن الأعمال من الإيمان . ( معالم التنزيل1/46 ) .

قال الطبري : حدثني محمد بن عمرو بن العباس الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون المكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة في المنافقين .

ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم . وأخرجه الثوري بلفظه . ( تفسير سفيان الثوري ص 41 ) ، وأخرجه آدم في تفسيره ( ص69 ) عن ورقاء عن ابن أبي نجيح به ، وأخرجه الواحدي ( أسباب النزول ص19 ) من طريق شبل عن ابن أبي نجيح به .

قوله تعالى ( ويقيمون الصلاة )

قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن يحيى ، أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج ، ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد ابن ثابت ، عن عكرمة او سعيد بن جبير عن ابن عباس : يقول الله سبحانه وبحمده ( الذين يقيمون الصلاة ) يقيمون الصلاة بفرضها .

وإسناده حسن تقدم .

قوله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون )

قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون ) عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على انه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله ، ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه ، والذي ينبغي إمساكه ولكنه بين مواضع أخر ان القدر الذي ينبغي إنفاقه : هو الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لابد منها ، وذلك كقوله ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) والمراد بالعفو : الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات ، وهو مذهب الجمهور . . . وقوله تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) الإسراء آية : 26 ، فنهاه عن البخل بقوله ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) ، ونهاه عن الإسراف بقوله ( ولا تبسطها كل البسط ) فيتعين الوسط بين الأمرين ، كما بينه بقوله ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) الفرقان آية : 67 .

وبالإسناد الحسن المتقدم الذي رواه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس( ومما رزقناهم ينفقون ) يؤتون الزكاة احتسابا بها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة( ومما رزقناهم ينفقون ) فأنفقوا مما أعطاكم الله ، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت ان تفارقها .

ورجاله ثقات وإسناده صحيح .

وقال الطبري : حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( ومما رزقناهم ينفقون ) قال : زكاة أموالهم .

وسنده حسن .