محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (3)

2

{ الذين يؤمنون } أي يصدقون { بالغيب } الغيب في الأصل مصدر غاب . بمعنى استتر واحتجب وخفي . وهو بمعنى الفاعل كالزور للزائر أطلق عليه مبالغة ، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس ، ولا تقتضيه بداية العقول ، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام . والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم . كذاته تعالى ، وملائكته ، والجنة ، والنار ، والعرش والكرسي ، واللوح ونحوها .

{ ويقيمون الصلاة } أي يؤدّونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة . كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء .

قال الراغب : إقامة الصلاة توفية حدودها ، وإدامتها . وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يُرِد إيقاعها فقط . ولهذا ، لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو { أقم الصلاة } {[451]} ، وقوله : { والمقيمين الصلاة } {[452]} ، { والذين/ يقيمون الصلاة } {[453]} . ولم يقل : المصلي ، إلا في المنافقين { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون } {[454]} ، وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل كما قال عمر رضي الله عنه : ( الحاجّ قليل والركب كثير ) ولهذا قال عليه السلام{[455]} : ( من صلى ركعتين مقبلا بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) . فذكر مع قوله : " صلّى " الإقبال بقلبه على الله تنبيها على معنى الإقامة ، وبذلك عظم ثوابه . وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه ، ذكره بلفظ الإقامة ، نحو { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } {[456]} ونحو { وأقيموا الوزن بالقسط } {[457]} تنبيها على المحافظة على تعديله . انتهى .

فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه . و{ الصلاة } فعلة من صلّى إذا دعا ، ك { الزكاة } من زكى وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخّم وإنما سمى الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء .

{ ومما رزقناهم ينفقون } أي يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم ، على ما بيّن في آيات كثيرة .


[451]:[11 / هود/ 114] ونصها: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين 114}. و[18 / الإسراء/ 87] ونصها: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا 78}. و[20/ طه/ 14] ونصها: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري 14}. و[29/ العنكبوت/ 45] ونصها: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون 45}.
[452]:[4/ النساء / 162] ونصها: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما 162}.
[453]:[5/ المائدة/ 55] ونصها: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون 55}.
[454]:[107/ الماعون/ 4 و5].
[455]:لم أقف على هذا الحديث.
[456]:[5/ المائدة/ 66] ونصها: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون 66}.
[457]:[55/ الرحمن/ 9] ونصها: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان 9}.