تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

ثم قال تعالى : { فَلَا تَهِنُوا } أي : لا تضعفوا عن قتال عدوكم ، ويستولي عليكم الخوف ، بل اصبروا واثبتوا ، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد ، طلبا لمرضاة ربكم ، ونصحا للإسلام ، وإغضابا للشيطان .

ولا تدعوا إلى المسالمة والمتاركة بينكم وبين أعدائكم ، طلبا للراحة ، { و } الحال أنكم { أنتم الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ } أي : ينقصكم { أَعْمَالُكُم }

فهذه الأمور الثلاثة ، كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن كونهم الأعلين ، أي : قد توفرت لهم أسباب النصر ، ووعدوا من الله بالوعد الصادق ، فإن الإنسان ، لا يهن إلا إذا كان أذل من غيره وأضعف عددا ، وعددا ، وقوة داخلية وخارجية .

الثاني : أن الله معهم ، فإنهم مؤمنون ، والله مع المؤمنين ، بالعون ، والنصر ، والتأييد ، وذلك موجب لقوة قلوبهم ، وإقدامهم على عدوهم .

الثالث : أن الله لا ينقصهم من أعمالهم شيئا ، بل سيوفيهم أجورهم ، ويزيدهم من فضله ، خصوصا عبادة الجهاد ، فإن النفقة تضاعف فيه ، إلى سبع مائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، وقال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

فإذا عرف الإنسان أن الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده ، أوجب له ذلك النشاط ، وبذل الجهد فيما يترتب عليه الأجر والثواب ، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة فإن ذلك يوجب النشاط التام ، فهذا من ترغيب الله لعباده ، وتنشيطهم ، وتقوية أنفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

والفاء فى قوله : { فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون } فصيحة ، والخطاب للمؤمنين على سبيل التبشير والتثبيت والحض على مجاهدة المشركين .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن الله - تعالى - لن يغفر للكافرين . . { فَلاَ تَهِنُواْ } أى : فلا تضعفوا - أيها المؤمنون - أمامهم . ولا تخافوا من قتالهم . . من الوهن بمعنى الضعف ، وفعله وهن بمعنى ضعف ، ومنه قوله - تعالى - : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله } وقوله : { وتدعوا إِلَى السلم } معطوف على { تَهِنُواْ } داخل فى حيز النهى .

أى : فلا تضعفوا عن قتال الكافرين ، ولا تدعوهم إلى الصلح والمسالمة على سبيل الخوف منهم ، وإظهار العجز أمامهم ، فإن ذلك نوع من إعطاء الدنية التى تأباها تعاليم دينكم .

وقوله : { وَأَنتُمُ الأعلون والله مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } جمل حالية .

أى : لا تطعفوا ولا تستكينوا لأعدائكم والحال أنكم أنتم الأعلون ، أى : الأكثر قهراً وغلبة لأعدائكم ، والله - تعالى - معكم - بعونه وصنره وتأييده .

{ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أى : ولن ينقصكم شيئا من أجور أعمالكم ، يقال : وَتَرْتُ فلانا حقه - من باب وعد - إذ انقصته حقه ولم تعظه له كاملا ، وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلا ، أو سلبت منه ماله .

قالوا : ومحل النهى عن الدعوة إلى صلح الكفار ومسالمتهم ، إذا كان هذا الصلح أو تلك المسالمة تؤدى إلى إذلال المسلمين أو إظهارهم بمظهر الضعيف القابل لشروط أعدائه . . أما إذا كانت الدعوة إلى السلم لا تضر بمصلحة المسلمين فلا بأس من قبولها ، عملا بقوله - تعالى - : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوَاْ إِلَى السّلْمِ وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } .

يقول تعالى ذكره : فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد المشركين وتجبُنوا عن قتالهم . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلا تَهِنُوا قال : لا تضعفوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلا تَهِنُوا لا تضعف أنت .

وقوله : وَتَدْعُوا إلى السّلْمِ وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ يقول : لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة ، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم وَاللّهُ مَعَكُمْ يقول : والله معكم بالنصر لكم عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله : وأنْتُمُ الأَعْلَوْنَ فقال بعضهم : معناه : وأنتم أولى بالله منهم . وقال بعضهم : مثل الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك ، وقال معنى قوله : وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ أنتم أولى بالله منهم .

حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدّث ، عن قتادة ، في قوله : فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السّلْمِ قال : أي لا تكونوا أولى الطائفتين تصرع .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السّلَمِ قال : لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت لصاحبتها ، ودعتها إلى الموادعة ، وأنتم أولى بالله منهم والله معكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السّلَمِ قال : لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت إلى صاحبتها وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ قال : يقول : وأنتم أولى بالله منهم ذكر من قال معنى قوله : وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ : أنتم الغالبون الأعزّ منهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ قال : الغالبون مثل يوم أُحد ، تكون عليهم الدائرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السّلَمِ وأنُتمُ الأَعْلَوْنَ قال : هذا منسوخ ، قال : نسخه القتال والجهاد ، يقول : لا تضعف أنت وتدعوهم أنت إلى السلم وأنت الأعلى ، قال : وهذا حين كانت العهود والهدنة فيما بينه وبين المشركين قبل أن يكون القتال ، يقول : لا تهن فتضعف ، فيرى أنك تدعوه إلى السلم وأنت فوقه ، وأعزّ منه وأنْتُمُ الأَعْلَوْنَ أنتم أعزّ منهم ، ثم جاء القتال بعد فنسخ هذا أجمع ، فأمره بجهادهم والغلظة عليهم . وقد قيل : عنى بقوله : وأنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وأنتم الغالبون آخر الأمر ، وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، وقهروكم في بعض الحروب .

وقوله : فَلا تَهِنُوا جزم بالنهي ، وفي قوله وَتَدْعُوا وجهان : أحدهما الجزم على العطف على تهنوا ، فيكون معنى الكلام : فلا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم ، والاَخر النصب على الصرف .

وقوله : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ يقول : ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها ، من قولهم : وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً ، فأخذت له مالاً غصبا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله يقول : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ يقول : لن يظلمكم أجور أعمالكم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ قال : لن ينقصكم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ : أي لن يظلمكم أعمالكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ قال : لن يظلمكم ، أعمالكم ذلك يتركم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أعمالَكُمْ قال : لن يظلمكم أعمالكم .