بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

ثم قال : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا } ، لأن أهل مكة كانوا يتعجبون ويقولون { أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولاً } فنزل : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ } ؛ يقول : أعجب أهل مكة أن أختار عبداً من عبيّدي وأرسله إلى عبادي من جنسهم وحسبهم ، حتى يقدروا أن ينظروا إليه يعرفونه ولا ينكرونه ؟ ثم بيَّن ما أوحى الله تعالى إليه فقال : { أَنْ أَنذِرِ الناس } ، يعني : خوف أهل مكة بما في القرآن من الوعيد ؛ ويقال : في الآية تقديم ، ومعناه تلك آيات الكتاب الحكيم للناس ، أكان عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ؟ وقال غلبة المفسرين على ظاهر التنزيل . ثم قال : { وَبَشّرِ الذين ءامَنُواْ } ، أي بما في القرآن من الثواب في الجنة . { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ } ، قال مقاتل : يعني : بأن أعمالهم التي قدموها بين أيديهم سلف خير عند ربهم وهي الجنة ، وقال ابن عباس : يعني : الصحابة عند ربهم وهي الجنة . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : يعني : شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، لهم شفيع صدق عند ربهم ؛ وقال الحسن : هي رضوان الله في الجنة ؛ وقال القتبي : { قدم صدق } يعني : عَمَلاً صالحاً قدموه .

{ قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لساحر مُّبِينٌ } ؛ قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر { لسحر } بغير ألف ، يعني : إن هذا القرآن لسحر مبين ، كذب ظاهر ، قرأ الباقون : { لساحر مُّبِينٌ } . فإن قيل : إنما قال الكفار هذا القول ، فما الحكمة في حكاية كلامهم في القرآن ؟ قيل : الحكمة فيه من وجوه أحدها أنهم كانوا يقولون قولاً فيما بينهم ، فيظهر قولهم عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان في ذلك علامة لنبوته لمن أيقن به ؛ والثاني : أن في ذلك تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على ذلك ، كما قال : { فاصبر على مَا يَقُولُونَ } ، والثالث : أن في ذلك تنبيهاً لمن بعده أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولا يمتنع بما يسمع من المكروه .